بقلم: تيماء الجيوش
عدة المجتمعات قامت بإرساء حضارتها عبر حمل رسالة مفادها التغيير وعبر أبعادها الأخلاقية – الإنسانية، اختارت حكوماتها و حمّلتها مسؤولية إقامة العدل ، المساواة والديمقراطية. و اعتبرت أن المساواة هي المقدمة لاحتمالات لا حدود لها، فهي تحقق الإنصاف ، الرخاء الاقتصادي، الصحة ، السلام والأمن . و المجتمع الكندي بطبيعة الحال مجتمعاً و نظاماً ديمقراطياً يعمل على الدفع الحضاري مُرتكزاً على المبادئ الديمقراطية الأساسية، ولعل أهم ما يعتمد عليه في سياساته و برامجه مبدأ المساواة . وبناءاً عليه أكدّتْ كندا و ما برحت أن مساواة الجندر أساسية لنظامها الديمقراطي. نجد نصوصه واضحة من الناحية التشريعية في قانون حقوق الإنسان الكندي و كذلك الحال في الميثاق الكندي للحقوق و الحريات ، ناهيك عن الحماية للمساواة الجندرية في القوانين الفيدرالية عموماً. و بالنتيجة أصبحت نموذجاً يُشارُ إليه من حيث الكم و الكيف اللذين طرئا على عملية تقييم التمييز المنهجي و تحليل النوع الاجتماعي و مؤشراتهما بدايةً من التقييم وصولاً إلى النتائج عبر قياس التقدم . في العام ٢٠١٨ أُقِرّ أسبوع مساواة الجندر بالقانون رقم C309 و الذي يقع في الفترة بين ١٨ إلى ٢٤ من شهر أيلول/ سبتمبر من كل عام و موضوع الأسبوع لهذا العام ٢٠٢٢ كان المساواة في الحقوق وتكافؤ الفرص.
الحكومة الكندية و عبر صفحاتها الرسمية عدّت أهميته استثنائية لأسبابٍ عدة منها، أولاً زيادة الوعي المجتمعي حول مساهمات المرأة في التأكيد على هوية كندا و تطورها و نموها من خلال الاحتفال بالنتائج التي حُققِتْ في تعزيز هذه المساواة. و ثانياً تأكيد الالتزام الحكومي بمعالجة الفجوات المستمرة في المساواة بين الجنسين و إزالة المعوقات التي تقف في وجه ما يطمح إليه النساء بسبب الجندر حيث يرى العديد من النساء بأنهن يتمتعن بذات الحقوق في التشريع و القانون من الناحية النظرية ، أما من الناحية العملية فلا تُمنح ذات الفرص للنساء والرجال و بذات السّوية ، و على هذا لا بد من الضغط بإستمرار حتى يتحقق التغيير و تعدو المساواة أمراً واقعاً يتمكن الجميع في ظلها من تحقيق إمكاناتهم.
و حقيقةً من يقرأ المبادرات الكندية على الصعيد الفيدرالي و المقاطعات سيجدها قد شدّدت على دور المرأة في سوق العمل و بذات السوية زيادة عدد النساء في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بالإضافة إلى المهن الماهرة وغيرها من المجالات. بل ذهبت أبعد من ذلك حين تناولت دعم الأمن الاقتصادي للمرأة و ذلك من خلال الاستثمار في إنشاء نظام للتعلم ورعاية الأطفال على مستوى كندا بالإضافة إلى منح المرونة للوالدين الذين يقومون بتربية الأطفال ، و هذا يتم عن طريق تعزيز مزايا الأطفال الكندية ، بمعنى إستمرار منح مساعدة للعائلات التي هي في أمس الحاجة إليها. هذا هو الحال في كندا ، لم يُنظر فيه الى أن مبدأ المساواة هو تكتيك سياسي ، برنامج آني، أو أنه طفرة أو نقاش و سيذوي بعد حين . لم يُنظر إليه كتقريرٍ روتيني يُحشى بأرقامٍ و معلومات بعيدة عن واقع النساء تُبرز أمام المنظمات الأممية. لم يأتي من يقول بأن الحديث عن مبدأ المساواة ، المرأة و حقوقها قد استغرق الوقت و الجهد ، بل هو محور سياسات وطنية و يخضع للتحليل و التدقيق و المُضي قُدماً بما يتفق و الدور الحضاري لمجتمعٍ بأكمله. بما يتفق والدور الحضاري لبلدٍ ديمقراطي. المفارقة جدُ مؤلمة ما بين عالمين مختلفين ، الأول ديمقراطي يعي تماماً أن المسار السياسي و الاجتماعي و التشريعي يقتضي مزيداً من العمل و فهم عملي لتجاربه و تجاوزها من أجل القضاء على التمييز كما يعي تماماً أن الأمر يعني مزيداً من الضغط الى حين الوصول إلى الأهداف المرجوة . العالم الآخر يجد الحديث عن المرأة هو وقتي لا يستوجب عملاً دؤوباً و خطة وطنية ، ترتفع فيه بعض الأصوات ذات الباع الطويل في الحفاظ على النظم التقليدية منتهية الصلاحية الحضارية ( على فرض ان هناك حضارة ما) مُطالبةً بالكف عن الحديث عن حقوق المرأة لأنه قد زاد عن حدّه و لا يستدعي نقاشاً وطنياً أو برنامجاً حكومياً و حقوق النساء فيه لا زالت تنوء فيه تحت ثقل أحكام قرونٍ بعيدة. هما عالمان مختلفان حقاً و المسألة هنا هي مسألة أختيار، أي مجتمعٍ تودُّ العيش في ظله؟ الديمقراطي أم اللاديمقراطي؟
أسبوع سعيد لكم جميعاً.