بقلم: سونيا الحداد
بعد الحرب العالمية الثانية التي أودت بحياة الملايين من البشر وظهور الشيوعيّة التي ضربت بيد من حديد وقضت على الملايين هي أيضا من البشر والحجر، أتت الحرب الباردة، الباردة قلبا، روحا وفكرا. تزرع حقولنا بذور أوهام من الإنسانية العالمية الحديثة التي أعطتنا الكثير الكثير بكف لتأخذ منا الأكثر بكفها الآخر، وها نحن اليوم نجد أنفسنا أكثر من حشرة وأقلّ من فيروس غير مرئي حتى إلا في عقول من أوصلنا إلى ما نحن عليه من حالة الاستعباد الكلي والتام!
لا يوجد صدف في الحياة ولا في التاريخ. لا يولد شيء من اللا شيء. وما هو مكتوب ليس سوى معلوم ومسبوق ونحن نتحرك في مداره نواجهه ونتحمل نتائجه وتباٍ لمن يرحل بسببه فهو أقل من صفر على لائحة الزمن، والموت لمن يواجهه لأنه يؤخر المقدّر وليس القدر. هذا المقدَّر هو الذي يوجد الأبطال و الأشرار، القديسين والشياطين، المؤمنين والملحدين… عناوين تُعطى حسب المصالح المتوجبة لكتابة أقدار تجد مناصرين لها في كل قرن وحقبة، يهللون لها ويكتبون نواميسها، عبيدا لأصحاب المقدّر ومصالحه!
اليوم وفي زمن الكورونا، انشق الحجاب وها نحن نواجه الواقع الصادم والأليم. نعلم اليوم دون أدنى شك بأننا تحت رحمة المقدّر كليا. يعطي لنا الحياة أو يحكم علينا بالإعدام، والذي ما زال الملايين ينادونه بالقدر ومشيئة الله وغضب الله وتأديب الله … أهلا وسهلا بنا في النظام العالمي الجديد، الإله الأقدم والدائم التجدد، الذي لا يعرف الرحمة ولا الخوف ولا يملك أي حس إنساني بل ملك المسوخ يطوّب، ذبائحه أموال البشر وأملاكهم ، ناموسه المكر والدهاء في استعباد العباد!
هل سنجلس منتظرين حكم الإعدام يختارونه لنا ويحددون الوقت له نناديه القدر أم أننا سنعمل على صحوة ضميرية، انسانية وروحية، تحرّر أرواحنا من شرنقتها التي سجنت في داخلها طويلا؟ صحوة تقلبنا رأسا على عقب، نكتب بها أقدارنا نحن بالذات. صحوة تدفعنا الى تبنّي اساليب حياة جديدة تحترم التوازن الكوني الذي لا قوانين له سوى المحبة ومعاملة كل ما هو حي بالمثل.. هل سنعمل على دحر جميع القوانين والتعاليم التي تفرقنا مهما كان مصدر هذه الشعوذات التي تؤدّي الى حجرنا في قوقعة الدين والعرف والعرق والتاريخ والنظم وكل ما هنالك من عناوين طنانة فارغة أم أننا سننفض غبار السراب عن وجهنا ونتوجه نحو الجوهر وليس المظهر، الأساسيات وليس الكماليات، الحياة وليس الموت؟
خلوة أتت في مكانها وزمانها، تدفعنا الى التأمل في كل ما تحويه هذه الدنيا من جماليات تدعونا الى الاتحاد في الخير والعدل والسلام ونكون تلك الصخرة التي لا تقوى عليها أبواب الجحيم ونحن نرى اليوم لمحة بسيطة عن أوجه الجحيم هذا وأبطاله؟
أملي كبير في أن الإنسانية تتوق الى الخير بطبيعتها لولا تأثير من يقدّرون الحياة لنا ويجعلون منها جحيما… أملي كبير بأننا سنفتح قلوبنا الي نور السلام بين الأخوة والكائنات وأن الخير لا بد أن تكون له الكلمة الأخيرة، فلنعمل على ذلك… نحن وحدنا نختار الطريق ونرسم قيامنا، نرسم قدرنا!