بقلم: د. حسين عبد البصير
تكملة للعدد الماضي: سر وفاة توت عنخ آمون
يعتبر الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون أشهر ملوك الفراعنة في العالم كله، ومنذ اكتشاف مقبرته على يد هيوارد كارتر عام 1922، انتشر الولع بالملك وآثاره في جميع أنحاء العالم، ومن الأشياء المثيرة في حياة الملك توت سر وفاته.
وعثر كارتر على دليل يؤكد أن مومياء توت عنخ آمون لم تكن محفوظة جيدًا، وفحص العلماء مومياء الملك، وأثبتوا أن طول توت عنخ آمون كان 170 سم وأن جمجمته تشبه جمجمة والده أخناتون.
وفحص الإنجليزي هاريسون المومياء واكتشف أن بعض أجزاء جسم الملك تمزقت، وأن توت عنخ آمون فقد واحدًا من أصابع الإبهام وقضيبه، وأكد أن عمر الملك عند الموت كان ما بين 18 إلى 20 عامًا، وأكد أنه يوجد تشابه بين جمجمة توت عنخ آمون وجمجمة مومياء المقبرة 55 في وادي الملوك.
وأعتقد البعض أن الملك تلقى ضربة قاتلة على رأسه. وجاء الأمريكي جيمس هاريس إلى مصر لعمل أشعة إضافية على رأس الملك، واعتقد أن الملك مات ما بين عمر 23 و27 عامًا.
ورفض علماء المصريات وفاة الملك في هذه السن! وتبين أن الملك توفى وعمره 19 عامًا، وكان بصحة جيدة، ولم يكن يوجد أي دليل علي وجود ضربة على الرأس، وما حدث في رأسه كان لوضع مواد التحنيط من خلال الجمجمة.
ولم يظهر أي دليل علي أن الملك تلقى أية إصابة في صدره، ورغم كل هذه الأضرار التي لحقت بالرأس والصدر التي تم تشريحهما، كشفت الأشعة عن إصابة محتملة تعرض لها الملك قبل وفاته بفترة طويلة، فعظمة الفخذ الأيسر في الجزء السفلي للملك تم كسرها، ويمكن أن يكون عظم الفخذ كُسر أثناء التحنيط، وهناك احتمالية أن هذا حدث وهو على قيد الحياة قبل وفاته ببضعة أيام، ولكن أثبت أطباء الأشعة أن الكسر الذي يوجد في الرجل اليسرى ناتج عن حادث وقع قبل وفاة توت عنخ آمون ببضع ساعات، ولكنها لم تكن السبب في موته.
ويؤكد الدكتور زاهي حواس من خلال دراسته لمومياء الفرعون الذهبي، أن أشعة المسح الضوئي والاختبارات الحديثة كشفت أن العمود الفقري لتوت عنخ آمون كان منحنيًا قليلاً، وأن قدمه اليمني كانت مقوسة قليلاً، وكانت قدمه اليسرى مشوهة تمامًا، ولم يُقتل الملك. ومن خلال فحص المومياء، لا توجد أية علامة عن أي إصابة تلقاها الملك خلال حياته في الرأس أو الصدر. وكان لدى الملك العديد من الاضطرابات في قدمه، وربما تكون الحادثة هي سقوطه من عربته الحربية مما أدى إلى كسر في رجله. وكان أيضًا مصابًا بمرض الملاريا. ومن الممكن أن الالتهابات المستمرة تكون قد أضعفت من جهازه المناعي مما جعله يصاب بعدوى الملاريا القاتلة. ولا شيء من هذا وحده أدى إلى وفاته، بل كل هذه الاضطرابات والأمراض تراكمت وأدت إلى وفاته وبسبب ضعفه لم يُنقذ.
وتعرض إلى حادثة قبل وفاته بساعات. ومن الممكن أن تكون هذه الحادثة حدثت عندما كان يصيد الحيوانات البرية في عربته الحربية في الصحراء بالقرب من منف. وبسبب ضعفه وإعاقته، استسلم الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون لجراحه مما أدى إلى وفاته وصعود روحه إلى السماء والتحامه بالأبدية مع آبائه الخالدين من ملوك مصر العظام.
هذه هي نهاية الفرعون الذهبي الملك الأشهر توت عنخ آمون!
بيت توت عنخ آمون الجديد
انطلقت أسطورة الملك «توت» تغزو أرجاء العالم كله، وأصبح الفرعون الشاب الذي لم يجلس على العرش أكثر من تسع سنوات، بين عشية وضحاها، أشهر ملك في تاريخ الإنسانية وكتب لاسمه الخلود. والآن آثار توت عنخ آمون تزين باريس بعد غياب 52 عامًا، فقد حل معرض آثار الفرعون الذهبي الملك الشاب توت عنخ آمون في العاصمة الفرنسية في شهر مارس الحالي بعد غياب نحو 52 عامًا عن العاصمة الفرنسية.
ومن خلال هذا المعرض، الذي ينتظره الجميع في فرنسا والدول المجاورة بفارغ صبر، يتم عرض نحو مائة وخمسين قطعة أثرية من كنوز مقبرة الفرعون الذهبي الملك الشاب توت عنخ آمون. وتمت إقامة المعرض تحت عنوان «كنز الفرعون» فى الفترة من 23 مارس إلى 15 سبتمبر 2019 في قاعة «جراند هال دو لا فيليت»، في العاصمة الفرنسية، والتي تم فيها عرض آثار الفرعون الذهبي تحت عنوان «توت عنخ آمون وزمنه» في قصر «لوبوتي باليه»، والذي زاره أكثر من 1.2 مليون زائر في عام 1967.
وشكل المعرض حدثًا مهمًا آنذاك، وفيه تم عرض نحو 45 قطعة من كنوز الفرعون الذهبي الثمينة. وتجمع الفرنسيون في طوابير طويلة لزيارة المعرض الكبير لاكتشاف كنوز الفرعون الذهبي النادرة؛ وبناءً عليه، تم تمديد المعرض لأشهر عديدة تالية. وزار المعرض حوالي مليون ونصف مليون زائر مما يعد أكبر حدث ثقافي تم في فرنسا في الفترة الأخيرة.
وتمثل باريس المحطة الثانية لهذا المعرض (الذي بدأ في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية) من بين عشر مدن كبرى حول العالم. وتقيم هذا المعرض وزارة الآثار المصرية. ويضم المعرض عددًا من القطع الجميلة من الحلى الذهبية والنقوش والتماثيل والأثاث الجنائزي من كنوز الملك توت عنخ آمون. وكان عالم الآثار البريطاني الشهير هاورد كارتر قد اكتشف مقبرة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون كاملة في وادي الملوك في البر الغربي لمدينة الأقصر في صباح الرابع من نوفمبر عام 1922 ليكون بذلك وبحق أهم اكتشاف أثري في القرن العشرين في العالم كله.
وفي الرابع من شهر نوفمبر عام 1922، كان عالم الآثار الإنجليزي «هوارد كارتر» على موعد الرمال المصرية لتمن عليه وتكشف له عن واحد من أهم أسرارها الدفينة واستطاع أن يحقق حلم حياته بعد طول عناء وتعب بالكشف عن مقبرة «توت عنخ آمون» ذلك الأثر الفريد من نوعه الذي أذهل العالم منذ وقت اكتشافه إلى هذه اللحظة، والذي طغى على كل الاكتشافات الأثرية الأخرى في العالم أجمع، وأصبح أهم اكتشاف أثري في القرن العشرين دون أدنى مبالغة.
ولقد ثبت من دراسة مقتنيات مقبرة الملك «توت» التي أبهرت العالم أجمع أنها لم تكن تخص وحده، بل كان أغلبها مقتنيات سلفيه الملكين: والده «أخناتون» العظيم وشقيقه «سمنخ كارع» وتم تجميعها على عجل لإتمام مراسم دفن الملك الشاب الذي راح ضحية مؤامرة حيكت ضده من قبل أعدائه القصر الملكى وكبار رجال البلاط آنذاك أمثال الكاهن الحكيم «آي» وقائد الجيش «حور محب». ولقد ألهبت هذه المقتنيات والطريقة التي اكتشف بها خيال الباحثين والمولعين بالآثار وأساطيرها على السواء، فنسجوا العديد من القصص والحكايات حول حياة الملك ووفاته ومن هنا نشأت أسطورة «توت».
وتعتبر مقبرة الملك «توت عنخ آمون» هي المقبرة الملكية الوحيدة التي وصلت إلى أيدينا كاملة إلى الآن. فبعد وفاة الملك «توت» بمائتي عام قام عمال الملك «رمسيس السادس» من ملوك الأسرة السادسة والعشرين، دون قصد، برمي الأحجار والرمال المستخرجة من حفر مقبرته فوق مدخل مقبرة «توت عنخ آمون» بل شيدوا أكواخهم فوق هذا الرديم. ولولا هذه المصادفة العجيبة لما نجحت مقبرة الفرعون الشاب من أيدي لصوص المقابر من كل زمان، ولما وجدها «كارتر» في صبيحة الرابع من نوفمبر عام 1922 بعد بحث مضنٍ دام خمس سنوات طوال.
وفي عام 1917م حصل اللورد «هر برت إيرل كار نافون الخامس» (1866- 1923) على موافقة مصلحة الآثار المصرية بالتنقيب في وادي الملوك. وكان حلم «هوارد كارتر» (1873- 1939) هو العثور على مقبرة الفرعون الصغير «توت عنخ آمون» بين مقابر وادي الملوك. فطلب اللورد «كارنافون» من «كارتر» أن يجري الحفائر لحسابه في الوادي. وكان «كارت» يتمتع بسمعة أثرية كبيرة فقد سبق له اكتشاف مقبرة الملك «تحتمس الرابع» عام 1903 بمساعدة الأمريكي «تيودور ديفيز».
وبدأت الحفائر في العام نفسه، ومضى دون أي نتائج مشجعة. وتذكر «كارتر» كل ما قاله أسلافه علماء الآثار السابقون أمثال «جان- فرانسو شامبليون» و«جاستون ماسبيرو» و«جيوفانى بلزونى» من أن الوادي قد لفظ كل ما بداخله.
لم ييأس وواصل العمل. فقد كانت ثقة «كارنافون» تدفعه حبه وصبره يشدان من أزره الذي لا يلين. واستمر الحفر خمس سنوات أخرى دون نتائج مرجوة. ومر صيف عام 1922 كان إيمان «كارتر» كبيرًا بأنه سوف يعثر على مقبرة الملك الصغير ذات يوم. وبدأ اللورد «كارنافون» يقنط ويهمل الأمر كلية ويدعه جانبًا. فطلب منه «كارتر» منه أن يمنحه فرصة أخيرة: هذا الموسم الذي سيبدأ في نوفمبر 1922م. واستمر الحفر في مساحة صغيرة مثلثة الشكل أمام مقبرة الملك «رمسيس السادس» لم يسبق الحفر فيها. لقد كان «كارتر» في مأزق حقيقي إن لم يعثر هذا الموسم الأخير على هذه المقبرة، فسوف يرحل اللورد إلى إنجلترا ويفقد التمويل المادي وتذهب جهوده المضنية لسنوات طوال وأحلامه أدراج الرياح.
لم يكن «كارتر» يعلم أن صباح الرابع من نوفمبر هو يوم مجده الحقيقي. يقول «كارتر» في كتابه الممتع عن مقبرة الملك «توت عنخ آمون» في معرض حديث عن ظروف الاكتشاف: «هذا هو بالتقريب الموسم الأخير لنا في هذا الوادي بعد تنقيب دام ست مواسم كاملة. وقف الحفارون في الموسم الماضي عند الركن الشمالي الشرقي من مقبرة الملك رمسيس السادس. وبدأت هذا الموسم بالحفر في هذا الجزء متجها نحو الجنوب. كان في هذه المساحة عدد من الأكواخ البسيطة التي استعملها كمساكن العمال الذين كانوا يعملون في مقبرة الملك رمسيس السادس. واستمر الحفر حتى اكتشف أحد العمال درجة منقورة في الصخر تحت أحد الأكواخ. وبعد فترة بسيطة من العمل، وصلنا إلى مدخل منحوت في الصخر بعد 13 قدما أسفل مهبط المقبرة. كانت الشكوك وراءه بالمرصاد من كثرة المحاولات الفاشلة، فربما كانت مقبرة لم تتم بعد، أو أنها لم تستخدم، وإن استخدمت، فربما نهبت في الأزمان الغابرة، أو يحتمل أنها مقبرة لم تمس أو تنهب بعد. كان في يوم 4 نوفمبر 1922».
ثم أرسل «كارتر» برقية سريعة إلى اللورد «كارنافون» يقول فيها: «أخيرًا، اكتشاف هائل في الوادى، مقبرة كاملة بأختامها، كل شيء مغلق لحين وصولك. تهانينا».