بقلم: هيثم السباعي
الظلم والفقر والجهل، ثلاثي قاتل يحيط بالشباب العربي من المحيط إلى الخليج. ينسى أولي الأمر دائماً، ولاأستثني أحداً هنا، أن الشباب العربي ، من عمر ٢٥ سنه ومادون، يشكل ٥٥٪ من مجتمعاتهم. وقد وصل الحال بهؤلاء الشباب إلى الشعور باليأس والقنوط والمستقبل المجهول وربما لا مستقبل لهم في بلادهم، على الإطلاق.
دعونا نلقي نظرة سريعة على الأسباب التي أوصلتهم إلى ذلك الشعور بالإحباط. من أهم تلك الأسباب سيطرة السلطات على مقدرات البلاد المالية والإقتصادية والتي يذهب جزء كبير منها إلى أصحاب السلطة وزبانيتها، ولم يبق لعامة الشعب إلا الفتات. هذا من جهة، من جهة أخرى كم الأفواه وتسلط أجهزة الأمن الذي أصبح تعداد أفرادها معادلاً لعديد الجيش، ومنحها صلاحيات غير محدودة، وتُخصص لها نسبة مئوية كبيرة من ميزانية الدولة في كل عام، دون أن تخضع لأية رقابة مالية أوإدارية، لإرتباطها مباشرة بأعلى رموز السلطة. أدى هذا الوضع ببعض أفرادها وربما الغالبية العظمى منها إلى سوء إستخدام السلطه لعدم وجود رقيب أوحسيب، كما أسلفنا، فوقع الظلم على كثير من الأبرياء وإطلاق صفة الإرهاب والعمالة على معارضي السلطة الذين تعرضوا للإهانة والتعذيب والقهر والقتل في أحيان كثيرة. أُجبر أمام تلك الأوضاع، عدد هائل من العقول المثقفة، المفكرة والمبدعة إلى الهجرة بحثاً عن الحرية والكرامة أو عن وضع مالي أفضل أوكلاهما معاً.
أما الجيش فتغيرت مهمته من الذود عن حياض الوطن إلى حام للسلطه، وأطلقت يد ضباطه الذين صاروا يسرحون ويمرحون في البلاد محاولين جمع ثروات ضخمة عن طريق المشاركة بالمشاريع المختلفه، متجاهلين مهامهم الوطنية، وأصبح أي مكلف بالخدمة الإلزامية، من أفراد الشعب، بعد إكمال فترة تدريبه وإلحاقة بالقطعات العاملة أن يبقى في بيته أوعمله مقابل مبلغ يدفعه لقائد القطعة مرة واحدة أو بأقساط شهريه.
إنتشرت أيضاً الرشوة والفساد والبطالة المبطنة والمحسوبية في كافة مرافق الدولة. يعود سبب ذلك إلى قيام الدولة، على مبدأ توزيع الثروة بتوظيف أعداد هائلة في دوائرها، دون الحاجة لخدماتهم ودون التدقيق بكفاءة الموظف وهل العمل الذي أوكل إليه يتناسب مع مؤهلاته أم لا. أدى هذا إلى الإتكاليه ووضع الموظف الكفؤ والنشيط بوضع مساوٍ للموظف المهمل، بل أصبح الأخير بوضع أفضل لأن لديه الوقت الكافي للتزلف لرؤسائه وجني ثمار ذلك. يضاف إلى هذا أن الميزانية المحددة لكل وزارة لاتمكن من زيادة الرواتب بما يتماشى مع النسبة المئوية السنويه للتضخم في البلاد، التي تعاني أصلاً من فقدان برنامج إقتصادي إنمائي يُحَسن من مستوى دخل الفرد والدوله. أدى ذلك إلى تآكل القوة الشرائية لراتب الموظف الشهري، فأصبح الموظف كما قال لي معاون وزير، (أصبح وزيراً فيما بعد) بأنه يأخذ فرق الراتب مباشرة من المواطنين.
أما برامج التعليم، فحدث ولاحرج لم يطرأ عليها أي تغيير أو تحديث منذ نصف قرن وربما أكثر. عدا طبعاً التمجيد بالحاكم الملهم الذي أصبح من الواجب الوطني على الطالب حفظ خطبة الرنانه عن ظهر قلب، حتى يتمكن من الإنتقال من صفه إلى الصف الأعلى. وعلى سبيل المثال، لاتوجد، خلال العقود الثلاثة الماضيه وربما أكثر، ولاجامعة عربية واحدة بين أول ٥٠٠ جامعة في العالم. ليس هذا فقط ولكن المشكله الأكبر أن الفقر أجبر كثيراً من العائلات إلى إخراج أولادهم من المدارس وإرسالهم إلى سوق العمل للمساعدة بإعالة الأسره فحرم نتيجتها عشرات بل مئات الآلاف، وربما الملايين من الأطفال من التعليم فإنتشرت الأمية في المجتمعات العربية كلها.
الشباب السوريون ليسوا إستثناءً، وقد وصل بهم الحال كما الشباب العربي كله، من اليأس والقنوط وضيق ذات اليد والمستقبل المجهول إلى حدوده القصوى. تبين إحصائيات الأمم المتحدة لعام ٢٠١٠، أن نسبة الفقر بين السوريين بلغت ٣٦٪ وأن ٦٣٪ من الإقتصاد السوري الكلي يسيطر عليه شخص واحد هو إبن خال الرئيس. الباقي تقاسمه التجار فيما بينهم فأصبحوا حلفاء للنظام، راضين تماماً عن جمعهم الثروات الطائلة على حساب قوت الشعب.
من المعلوم، أن ضيق ذات اليد والظلم والقهر يدفع بالإنسان بالتقرب إلى الله والدعاء، يسأله أن يسبل ستره عليه ويفرج كربه. وبما أن السواد الأعظم من الشعب يعاني من مشاكل مالية وإجتماعية فقد إنتشرت بشكل كبير ظاهرة التدين في المجتمع، ودفع ببعض أطرافه إلى التطرّف. فأصبح بذلك رجال الدين الملاذ الوحيد الذي يجد لديه من به ضائقة مالية أوإجتماعية بيئة للنسيان والتنفيس عن الهموم اليوميه، فإستغلها بعض رجال الدين، أيما إستغلال. أدرك النظام أهمية هذا الإتجاه فتحالف مع القائمين عليه، أيضاً لإكمال فرض قبضته الحديدية على البلاد والعباد، حيث بنى لهم ٨٥٠٠ مسجداً مقابل عدد أقل بكثير من المدارس. بذلك أصبح الخطاب الديني الجديد جزءاً لايتجزأ من الأنظمة الديكتاتورية التي تعم أرجاء الوطن العربي.
قامت الأنظمة قبل هذا كله إما بسحق جميع الأحزاب السياسيه، أو تحجيمها، وبقي حزب واحد فقط، هو الحزب الحاكم. الحزب الوحيد من الأحزاب التقليدية، الذي لم تستطع معه الأنظمه القضاء عليه قضاء مبرماً هو حزب الإخوان المسلمون. فقد تمكن قياديّيه من الهرب إلى خارج البلاد لوجود من يساندهم في تنظيمهم الدولي، سواء في الدول الإقليمية أوالأوروبية، فبقيت بذلك إمكانياتهم البشريه والمالية مع الحماية والدعم المالي والمساعدات التي يتلقونها من الدول المذكورة بوضع صحي لم يحظ به أي حزب آخر في أي دولة عربية. لهذا سيكون له دوره في الوقت المناسب الذي إستغل من خلاله الثورات العربية لصالحه، بعد أن تردد كثيراً بالإشتراك بها أو الإبتعاد عنها. سنأتي على دراسة هذا الدور في الوقت المناسب.
للحديث بقية