بقلم: هيثم السباعي
في الأول من شهر رمضان المبارك عام 1435 هجري، الموافق 29 حزيران (يونيو) 2014 أعلن الجيش السني العامل على الحدود السورية العراقية قيام «الدولة الإسلامية» بقيادة «الخليفة الجديد» أبو بكر البغدادي». العديد منا، سمع لأول مرة في ذلك التاريخ بإسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» والتي يرمز لها إختصاراً ‹بتنظيم داعش›؛ إلا أن قوتها وتطرفها وقسوتها العنيفة لم نكن نعرفها في حينه.
إرتكبت هذه الدولة المسخ، خلال العام المنصرم أعمالاً إرهابية، بإسم الإسلام والإسلام بريء منها ومن أعمالها، لم يشهد التاريخ العربي والإسلامي شبيهاً لها. ليس هذا فقط بل أصبحت اليوم أقوى مما كانت عليه يوم إعلانها. وقد تأكدت إستمرارية توسعها وإنتصاراتها في 17 أيار (مايو) الماضي عندما إحتلت الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، وبعدها بأربعة أيام إحتلت تدمر في سورية، إحدى أكثر المدن الأثرية شهرة في العالم وعقدة المواصلات المتوسطة في سورية وقبلهما الموصل ثاني أكبر مدن العراق عام 2014. إن هذين الإنتصاران يدلان على إمكانية التنظيم فتح أكثرمن جبهة قتالية في آن واحد، تبعد إحداهما عن الأخرى مئات الكيلومترات. تكمن أهمية هذان الإنتصاران بأنهما كانا ضد الجيشين العراقي والسوري. ليس هذا فقط، بل إن الهجومين قام بهما عدة آلاف فقط من المقاتلين ولم يكونا مفاجئين بالنسبة للجيشين اللذين لم يكونا قادرين على القيام بهجوم معاكس.
قامت الولايات المتحده في آب (أغسطس) الماضي بتشكيل تحالف مكون من 65 دوله لمحاربة التنظيم في العراق وفي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وسع التحالف هجماته قصف لتشمل مواقع التنظيم في سورية. في التصريح الأخير لمسؤولين أمريكيين، أفادوا بأن طيران التحالف قام بأربعة آلاف غارة جويه أدت لمقتل عشرة آلاف من مقاتلي التنظيم. لاشك أن هذه الغارات كبدت التنظيم خسائر فادحة ولكنها في نفس الوقت أعطته مبرراً قويا يُمَكِّنه من تجنيد الشباب. يسيطر التنظيم اليوم، في العراق والشام، على مساحة من الأراضي تعادل مساحة المملكة المتحده وعدد سكان يتراوح بين 5-6 ملايين.
بالرغم من توسع التنظيم في الشرق الأوسط خلال العام الماضي، إلا أننا لانزال نجهل الكثير عنه. إن بحثاً بسيطا بإستخدام محرك بحث «غوغل» يزودنا بمجموعة كبيرة من الإجابات التي تناقض بعضها البعض. من أهم الأسئله التي ليس لدينا إجابات عنها:
1. ماهو عدد مقاتليه؟ أدلى أحد خبراوكالة الإستخبارات المركزيه الأمريكيه لقناة «سي إن إن» التلفزيونيه بأن عددهم يتراوح بين 20-31,5 ألف مقاتل في العراق وسوريا، بينما يقدر مرصد حقوق الإنسان السوري المتمركز في لندن العدد بين 80-100 ألف مقاتل منهم خمسين ألفاً في سوريا وثلاثين ألفاً في العراق. أما بتقدير الأكراد الذي جاء في تشرين الثاني (نوڤمبر) الماضي فقد رفع العدد إلى 200 ألفاً، وفي الشهر التالي، كانون الأول (ديسمبر) 2014، كان تقدير عددهم من قبل رئيس الأركان العامة الروسي ‹ڤاسيلي غيراسيموڤ› لايتعدى السبعين ألفاً من الجنسيات المختلفة.
2. من أين تأتيه الأموال؟ يقدر المسؤولون الأمريكيون، بحسب صحيفة «الإكونوميست» اللنديه أن التنظيم يكسب يومياً مليونا دولار من مبيعات النفط، وبذلك يمول نفسه بنفسه، بخلاف بقية التنظيمات الإرهابية الأخرى. يقول نفس المصدر أن التنظيم حصل خلال عام 2014 على 20 مليون دولار من الفديات (ج. فدية). تقول محطة «سي إن إن» أن التنظيم يحصل على النفط من المصافي والآبار الواقعة تحت سيطرته في شمال العراق وسوريا، كما أن التنظيم أغار في العام الماضي على بنوك عراقية، سرق منها مايقارب 500 مليون دولار، ونهب الآثار وباعها وفرض الضرائب وإبتز المقيمين في المناطق الواقعة تحت سيطرته. يضيف «غاري سامور» المستشار السابق للرئيس أوباما، أن التنظيم ذو نفوذ كبير على داعمي الإرهاب الأغنياء، أيضاً.
3. لماذا حصد التنظيم كل هذه الإنتصارات: شرح «تيم ليستر» من قناة «سي سي إن» إن إحتلال الرمادي وتدمر بالشكل الذي تم، يهدف إلى إلقاء الضوء على خطط التنظيم العسكرية ‹الرائعة›، بإستخدام تقنية الصدمه والرعب على أهداف صغيرة يمكن السيطرة عليها وبأسلوب حربي جديد.
كثيرون يضعون اللوم على الحكومة العراقيه، بسبب سياساتها الطائفية التي أدت إلى إزدياد قوة التنظيم وسهولة سيطرته على الرمادي، علماً بأن الجيش العراقي غير المدرب بشكل جيد والذي يعاني فساداً كبيراً غير قادر على طرده من المدينه.
على العكس من ذلك، فإن الرئيس السوري الأسد متردد بالهجوم على التنظيم لأنه عكس التنظيمات الأخرى كالجيش السوري الحر وجبهة النصرة، لايشكل أي خطر على دمشق، بل على العكس هو ثروة ثمينة للنظام كما صرح أحد رجال الأعمال لمجلة ‹تايم›. أضاف إن نظام الأسد ‹واقعي› بالنسبة لمعالجته مشكلة التنظيم بالحفاظ على علاقات عمل معه.
4. ماهي الأهداف البعيدة للتنظيم؟ بعد فترة قصيرة من خطاب البغدادي في حزيران (يونيو) 2014، نشرت «ميل أونلاين» خريطة مشتركه مع مؤيدي التنظيم تبين خطة التنظيم للسنوات الخمسة القادمة. يخطط التنظيم إلى نشر ‹الخلافه› في الشرق الأوسط، شمال أفريقيا، أجزاء من غرب آسيا وفي أجزاء من أوروبا، مطالباً بوضع إسبانيا تحت سيطرته عام 2020. دعا البغدادي، بالإضافة إلى الإمتداد الجيوغرافي، كافة المسلمين لمبايعته. مصادر أخرى قالت إن التنظيم يرنو إلى السيطرة على العالم وبناء مجتمع إسلامي!!؟؟
5. ماهي الطرق التي يستخدمها التنظيم في تجنيد مقاتليه؟ يستخدم التنظيم مواقع التواصل الإجتماعي بشكل واسع لتجنيد الرجال والنساء على السواء. بعض مقاتلي التنظيم الذين تم تجنيدهم أولاً كانوا يعملون كعمال مهاجرين، حسب صحيفة «الغارديان» اللندنية، دُفِعَ للعائلة الواحدة مبلغ 30,000.00 دولاراً مقابل ترحيلها إلى حلب.
رصد التنظيم مبلغ 2 ملياري دولار لإنتاج أشرطة ‹ڤيديو› لنشرها على مواقع التواصل الإجتماعي، شملت صوراً لمقاتليها الملتحين والوسيمين ذوي جاذبية جنسية بهدف إغراء المراهقات على الإلتحاق بالتنظيم للزواج بهم مع وعود بالسماح لهن بالدراسة وغيرها.
جند التنظيم أيضاً، مقاتلين من تنظيمات أخرى وعناصر تحولت إليه من تنظيمات معادية.
6. كم يدفع التنظيم لمقاتليه؟ تقول بعض المصادر أن التنظيم يدفع لأعضائه مايقرب من 400 دولاراً شهرياً، بينما تقول مصادر أخرى أنه يدفع لهم 150 دولاراً في اليوم الواحد. يبين موقع أخبار العراق الإلكتروني أن البغدادي يخصص منحه لكل من يرغب في الزواج، إضافة إلى البيت وثأثيثه، راتباً شهرياً قدره 1200 دولاراً.
في مقابلة عبدالله الثاني ملك الأردن مع قناة «إن بي سي» الأمريكيه أن الراتب لايتعدى 1000 دولاراً شهرياً. من جهة أخرى، يقول وزير الخارجية الأمريكيه «چون كيري» أن على التنظيم خفض رواتب مقاتليه في الموصل بنسبة 75% بسبب تراجع عائدات النفط التي إنخفضت إلى حد كبير بسبب غارات التحالف الجويه.
في العدد القادم عن معارك التنظيم التي خاضها خلال عام واحد من عمره.
فطر مبارك، وكل عام والجميع بألف خير.