بقلم: مسعود معلوف (سفير متقاعد)
مع أن الحرب الدائرة حاليا هي بين روسيا وأوكرانيا وتدور رحاها على الأراضي الأوكرانية، إلا أن حل هذه الأزمة لن يتم إلا بتوافق بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي من جهة ثانية. والسبب في ذلك هو أن الرئيس بوتين بنفسه استدرج الغرب الى هذه الأزمة عندما فرض شروطا على الولايات المتحدة والحلف الأطلسي طالبا تعهدا خطيا بعدم قبول أوكرانيا في الحلف وبعدم تمدد الحلف شرقا، وكذلك مشترطا تفكيك التجهيزات العسكرية التي نشرها الحلف على أراضي الدول التي انضمت اليه منذ عشرين سنة وهي كانت تابعة للإتحاد السوفياتي المنحل وتقع على الحدود الغربية لروسيا.
الأمور كما تبدو حاليا غير مشجعة. فالسياسة الأميركية حيال هذه الأزمة لها أهداف ثلاثة:
أولا: إضعاف روسيا وقيادتها عبر فرض عقوبات اقتصادية ومالية وسياسية قاسية للغاية على أمل أن يؤدي التردي القوي في الأوضاع الإقتصادية الى تحركات شعبية داخلية من شأنها أن تؤثر على القيادة الروسية، أو أن يقوم بعض المقربين من الرئيس بوتين بالضغط عليه لتغيير سياسته تجاه أوكرانيا أو لإزاحته بطريقة من الطرق، أو أيضا الى عدم تمكن روسيا من الإستمرار في تمويل هذه الحرب.
ثانيا: عزل روسيا عالميا قدر المستطاع، وقد ظهر ذلك الى حد ما في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة وعبر تجميد عضوية روسيا في لجنة حقوق الإنسان، كما وصلت السردية الأميركية الى الحديث عن جرائم حرب وإبادة ارتكبتها القيادة الروسية بحق الشعب الأوكراني.
ثالثا: السعي الأميركي الى إطالة الحرب بانتظار أن تفعل العقوبات مفعولها على الصعيد الروسي العام، وذلك عبر تزويد المقاومة الأوكرانية بالأسلحة الدفاعية الفعالة سواء ضد الطائرات أو ضد المدرعات، وهذا ما أدى ألى تعثر الهجوم الروسي وعدم تمكن الجيش الغازي من تحقيق أي من الأهداف العسكرية بعد سبعة أسابيع من الهجوم، باستثناء تدمير منشآت مدنية في عدد من المدن وقتل آلاف المدنيين وتهجير الملايين.
أما من جهة روسيا، فإنها ماضية في هجومها وإن ترافق ذلك مع تغيير في الإستراتيجية الحربية نتيجة التعثر في إنجاز ما سماه الرئيس بوتين عند بداية الإجتياح بأنه “عملية عسكرية خاصة”، وقد برز هذا التعثر بالإنسحاب من محيطات العاصمة والمدن الواقعة في الغرب الأوكراني، وتكثيف الهجوم على منطقة الدونباس في شرق البلاد حيث احتمالات نجاح الهجوم أفضل نسبيا بسبب وجود نسبة مرتفعة من السكان من أصول روسية ويؤيدون روسيا بصورة عامة، كما قام الرئيس بوتين بتعيين قائد جديد للحملة العسكرية على أوكرانيا، معروف بقساوته تجاه السكان المدنيين من خلال قيادته السابقة للقوات العسكرية الروسية في كل من الشيشان وسوريا.
الرئيس الروسي بوتين لا يمكنه ان يتراجع وينسحب من أوكرانيا قبل إعلان انتصار عبر تحقيق قسم من الأهداف التي رسمها لما سماه “العملية العسكرية الخاصة”، ومنها منع أوكرانيا من الإنضمام الى الناتو، وإعادتها الى “بيت الطاعة” الروسي، وحرمانها من السعي الى التوجه غربا، وكذلك تغيير القيادة فيها بصورة كاملة واستبدالها بقيادة خاضعة للرئاسة الروسية على غرار ما فعله مع دولة الشيشان.
والرئيس الأميركي بايدن لا يمكنه أن يتراجع ويقبل بجميع هذه الشروط والأهداف الروسية لأن قبوله بها يعني هزيمة كبرى للولايات المتحدة وله بالذات، خاصة بعد أن وصف بوتين بمجرم حرب واتهمه بالقيام بأعمال إبادة، علما أن الولايات المتحدة ستشهد بعد أشهر انتخابات تشريعية نصفية، والحزب الديمقراطي الذي هو حزب بايدن يملك أكثرية ضئيلة جدا في الكونغرس وفي حال خسر هذه الإنتخابات فإن برنامجه التشريعي سيتعطل ولن يتمكن من تنفيذ معظم وعود حملته الإنتخابية التي أوصلته الى الرئاسة.
من هنا يمكن التكهن أن الحرب في أوكرانيا ستطول ، إذ حتى لو تمكن بوتين من السيطرة على منطقة الدونباس في المستقبل القريب، فإن جميع المؤشرات تدل على أن المقاومة الأوكرانية ستستمر. لقد أوحى الرئيس الأوكراني زيلينسكي، في أكثر من مناسبة، استعداده لعدم المضي في طلب الإنضمام الى حلف الناتو، واستعداده أيضا للتفاوض مع الرئيس بوتين على مسألة حياد أوكرانيا ومستقبل منطقة الدونباس وشبه جزيرة القرم. ولكن بوتين لم يتجاوب إطلاقا مع هذه المواقف، واستمر في قصف المدن والمدنيين، وأعلن مؤخرا أن لا جدوى من المفاوضات، كما أن وزير خارجيته لافروف صرح أن الغاية من الحرب الروسية في أوكرانيا هي وضع حد للسيطرة الأميركية على العالم وإيقاف تمدد حلف شمال الأطلسي باتجاه الشرق.
فالأمور على ما يبدو معقدة للغاية، ولا يمكن إيجاد حل معقول إلا إذا تمكن كل من بوتين وبايدن إعلان انتصار، ومن هذا المنطلق، قد يكون مفتاح الحل عبر وساطة صينية بحيث يستطيع بوتين أن يعلن أنه، نزولا عند رغبة حليفه الصيني، فهو سيكتفي بقبول سحب طلب أوكرانيا الإنضمام الى حلف الناتو، وبإعطاء منطقة الدونباس استقلالا ذاتيا، ويتفاوض مع أوكرانيا على مستقبل شبه جزيرة القرم التي هي أصلا جزء من روسيا وكان الرئيس خروتشيف منحها لأوكرانيا في منتصف خمسينيات القرن الماضي، كما أن أوكرانيا تتعهد بالحياد على غرار فنلندا، وبذلك يسحب جيوشه من الأراضي الأوكرانية.
من جهته، يستطيع عندئذ الرئيس بايدن أن يعلن أنه، بفضل الدعم الأميركي لأوكرانيا تمكنت هذه الدولة من صد الإجتياح الروسي على أراضيها، واستعادت استقلالها، وتمكنت من عدم الخضوع التام للنفوذ الروسي، ولم تسمح الولايات المتحدة باستبدال الرئيس الأوكراني زيلينسكي برئيس تابع لروسيا كما كان يريد بوتين.
وفي حال تم التوصل الى مثل هذا الحل، ربما تصبح أوكرانيا جسرا وهمزة وصل بين الغرب وروسيا بعد أن كانت على وشك التسبب بحرب عالمية ثالثة وربما بحرب نووية مدمرة للعالم بأسره.