بقلم : نعمة الله رياض
في طريق عودتها إلي منزلها من الجامعة ، غادرت عواطف موقف الحافلات بالشارع الرئيسي وسارت كعادتها في الطريق الفرعي المؤدي إلي سكنها .. قابلتها سيدة عجوز تسير بصعوبة وتكاد تسقط علي رصيف الشارع ، أسرعت عواطف نحوها تمد يدها لتحميها من السقوط ، شعرت عواطف فجأة بإبرة حقنة تغرزها السيدة العجوز في ذراعها لتغيب في ثواني معدودة عن الوعي ، كان يراقبهما متربصاً ، شاب مفتول العضلات جري نحوهما وأمسك بعواطف يمنعها من الوقوع علي الأرض وبيده الأخري كان يشير خفية إلي سيارة خاصة لتقل المجموعة ، وكما أخبر بعض الأشخاص المتجمعين في المكان بأنهم سيذهبوا بالفتاة إلي المستشفي .. إنطلقت السيارة التي تقل السيدة العجوز والشاب وعواطف وسائق السيارة الخاصة الذي كان مشاركاً وأحد أفراد العصابة إلي منزل في حي بعيد عن الحي الذي تقطن فيه.. وهكذا تمت عملية إختطاف الفتاة المسكينة عواطف ،.
شعر أهلها بالقلق الشديد لتأخرها غير المعتاد عن موعد عودتها ،كانت والدتها تشد الخطي ذهاباً واياباً من النافذة المطلة علي الشارع الرئيسي إلي الشرفة المطلة علي الشارع الفرعي ، لعلها تلمح إبنتها .. بينما أخذ شقيقها الأصغر ووالدها يتصلان بالاقارب والأصدقاء ، ربما ذهبت لإي منهم ، كان الهاتف المحمول الخاص بعواطف لا يرد ثم أصبح مرفوعاً من الخدمة ، ومضي الوقت حثيثاً وزاد التوتر والهلع الشديد مع كل دقيقة تمر بدون معرفة ما حل بها ، مضت أكثر من ساعتين علي غيابها حتي قرر والدها الإتصال بقسم الشرطة لتقديم بلاغ عن غياب إبنته ..حول البلاغ للمقدم / حسام الرشيدي ومساعده الرائد/ عادل إسكندر بإدارة المباحث العامة للإختصاص .. قال حسام لعادل: – هذه ثالث حالة إختفاء تحدث في منطفتنا خلال هذا الشهر !!
توجه حسام وعادل لمنزل عواطف وتحدثا إلي والدها وشقيقها ، وفضلا تأجيل الحديث مع والدتها لإنها كانت منهارة وتبكي باستمرار .. سأل المقدم حسام :- هل يمكن إعطائي صورة حديثة لعواطف ؟ أحضر شقيقها الصورة المطلوبة ، ثم طلب منهما التحدث عن عواطف ، قال والدها :-إنها طالبة في السنة الأولي بكلية التجارة ، عمرها تسعة عشر عاماً ، تقضي معظم أوقاتها في الكلية والمنزل ، لها صديقات معدودات يعرف عنهن الأدب وحسن الخلق ، تتمتع كما تري في الصورة بوجه حسن وجمال مقبول ، وترتدي دائماً ملابس محتشمة ، سأله الرائد/ عادل:- هل سبق لعواطف أن تأخرت في الحضور من قبل ؟ أجاب الوالد:
- لا علي ما أتذكر .. طلب المقدم/ حسام الإنفراد مع والدتها وسألها :- هل حكت عواطف لكي عن أي علاقات عاطفية أو إتصالات مع الجنس الآخر ؟ أجابت الوالدة بالنفي القاطع وقالت إن إبنتها تحكي لها كل صغيرة وكبيرة تحدث لها .. طلب منها المقدم / حسام قبل أن يغادر المكان إعطائه قطعة من ملابس عواطف التي إستخدمتها ولم تغسل بعد، لإقتفاء أثرها بواسطة الكلاب البوليسية ..
إزدحمت وسائل الإتصال الإجتماعي بإعلانات عن عواطف المفقودة ، أصدرها شقيقها وزملائها في الجامعه، وأعلن والدها في الصحف والمجلات عن مكافأة قيمة لمن يدلي بمعلومات تفيد في البحث عن إبنته ..
في مكتبه عقد المقدم / حسام إجتماعاً عاجلاً ، حضره الرائد / عادل وعدد من الضباط والمخبرين وضع فيه خطة للبحث عن عواطف وصرح قائلاً :- أنه من المؤكد أن وراء حوادث الإختطاف ، عصابة متمرسة يقودها مجرمون عتاة إختطفوا حتي الأن أربع فتيات في عمر الزهور، وفي إجراء إستثنائي كلف المقدم / حسام عدة فرق من المخبرين ومعهم جنوداً مختصين يقودون كلاب مدربة علي الكشف علي المجرمين من فصيلة الجيرمن شيبرد والدوبرمان والمالينو وأمرهم أن يبدأوا البحث علي الفور .
مرت ستة أيام ثقيلة علي إختفاء عواطف ولم يظهر لها أثر، وفي الشقة التي حجزت فيها عواطف كان برفقتها ثلاث فتيات بنفس عمر عواطف تقريباً .. كان ينتظرهن مصير مظلم ، فالجميلة منهن تجبر علي ممارسة الدعارة، والثرية منهن يطالب الجناة أولياء أمورها بدفع فدية كبيرة ، يتم فيها التسليم والتسلم بإجرءآت معقدة، أما سيئات الحظ الآتي يتمتعن بصحة جيدة فيحولن إلي مستشفي مشبوهه يجري فيها أطباء معدومي الضمير عمليات إستأصال لبعض أعضائهن مثل الكلية والكبد كقطع غيار آدمية…!!!
إتصل شخص بوالد عواطف بخصوص إعلانه في الصحف عن فقد إبنته ، قال له – أنا المهندس/سالم توفيق ، قرأت إعلانك ، هل هناك أخبار عن إبنتك ؟ - لا توجد أخبار حتي الآن ، عدا أن سيدة أبلغتني بمشاهدتها لسيدة عجوز وشاب يدخلون فتاة مغمي عليها في سيارة لونها أزرق وقالوا إنهم سيذهبون بها للمستشفي، ولم تقرأ لوحة المرور لإنها لم تشك في أن الفتاة مختطفة
- حسناً ، أنا أتصل بك الآن لإساعدك في العثور عليها .
- وكيف يتم ذلك ؟
- هناك قدرات غير مألوفة لبعض الأشخاص ، يولدوا وبداخلهم هذه القدرات الفوق حسية يدركون بها ما يحدث حولهم بدون إستخدامهم للحواس الخمسة المعروفة كالنظر والسمع والشم واللمس والتذوق ، وتعرف هذه القدرات فوق الحسية بالباراسيكولوجي ، ولقد حباني الله عز وجل بهذه القدرات منذ ولادتي ، ولقد داومت علي تنميتها وصقلها لخدمة المجتمع الذي أعيش فيه .
- لقد سمعت أن الباراسيكولوجي لا يعترف به علمياً
- هذا صحيح ، لإنه لم يتم الإعتراف حتي الآن بتجارب الباراسيكولوجي، ولكن تطبيقه يعطي نتائج إيجابية بنسبة 20% بينما لا يعطي عامل الصدفة للنتائج الإيجابية أكثر من 1/1000
- لكن كيف تساعد هذه القدرات في العثور علي إبنتي؟
- يمكن ذلك بتطبيق بعض ظواهره كالجلاء البصري ، أي القدرة علي رؤية ما هو وراء نطاق البصر، كرؤية شخص يتعرض لحادث بالرغم من حدوث ذلك علي مسافة بعيدة .. أيضاً بتطبيق مظهر الجلاء السمعي والشمي كسماع بعض الأصوات وشم بعض الروائح في حجرة أخري ولو علي مسافة بعيدة ..
- وما هي طلباتك مقابل ذلك؟
- أنا لا أطلب شيئاً مقدماً ، ولكني أطلب شيكاً مقبول الدفع بمبلغ
خمسون الف جنيها . أحتفظ به طوال إقامتي في منزلكم ، ويرد لكم إذا لم أحصل علي نتيجة إيجابية . - ولماذا ستقيم في منزلنا؟
- سأقيم في حجرة عواطف، حتي تكون أشيائها اليفة وتحت نظري ورائحتها تملأ أنفي ، من أجل التخاطر معها بدون الكتابة أو الإشارة أو الكلام ، ولو كان ذلك من مسافة بعيدة .
- وهل تمانع إذا أبلغت ذلك للمقدم / حسام الرشيدي بالمخابرات العامة حيث أنه يتولي ملف عواطف ؟
-لا أمانع إطلاقاً فأنا أقدم يد المساعدة للشرطة وسأحتاج قطعاً لتعاونهم لإنقاذ إبنتك ..
إستقبل المقدم/ حسام في مكتبه ومعه الرائد /عادل والد وشقيق عواطف ومعهم المهندس / سالم.. طلب حسام من سالم مزيداً من الإيضاح عن هذه الطريقة الغير تقليدية في البحث عن الجناة والمخطوفين ..
قال المهندس/سالم : - يولد بعض الأشخاص وبداخلهم هاله أثيرية نشطة ، ويمكن بتركيزهم علي أشياء معينة ، أن تخرج الهالة الأثيرية لتصبح خارج الجسد البيولوجي وتحتويه ويصبح عندهم جلاء بصري وسمعي وشمي، وهكذا يمكن للروح الأثيرية هذه أن تشاهد وتسمع وتشم ما يحدث للأشياء أو الأشخاص الذين يتم التركيز عليهم ، وتشعر بما يدور بين هؤلاء الأشخاص كأنهم حولهم ، حتي لو كانوا علي مسافة بعيدة ، كل ذلك وهم مغمضي الأعين..
تمت الموافقة علي إستخدام طريقة الباراسيكولوجي كملجأ أخير لحل لغز إختفاء عواطف ، وانكب المهندس /سالم علي التركيز علي عواطف والعمل علي التخاطر معها والشعور بمكانها وما يحدث لها.. إستمرت محاولاته لثلاثة أيام متتالية وهو يحبس نفسه في حجرة عواطف ،، أخيراً خرج من غرفتها وطلب التحدث مع المقدم / حسام، قال له: - تخاطرت مع عواطف وأخبرتني أنها محتجزة في شقة بمبني سكني يقع في حي بعيد عن حيها علي الشارع الرئيسي وبه مدرسة صنائع ومحل مشهور للكفته والكباب ..
تعرف الرائد / عادل علي مكان المبني وتم تجهيز قوة للتدخل السريع ومعها كلاب بوليسية وتم إقتحام الشقة وتحرير الفتيات الأربعة الرهائن وعادت عواطف إلي أسرتها واستحق المهندس / سالم توفيق مكافآت إضافية من أولياء أمور باقي الفتيات الآتي تم تحريرهن .