بقلم: سليم خليل
في القرن السابع عشر عصر النهضة في أوروبا ، عصر الثورة العلمية والصالونات الأدبية والشعرية التي جمعت العلماء والكتاب والفلاسفة ومختلف النخب الاجتماعية، عصر المنافسة الأدبية والسباق على نشر القصص والروايات والمسرحيات الجديدة المقتبسة من التاريخ القديم أو الجديد .
في فرنسا سيطر على القرن السابع عشر الملك لويس الرابع عشر ١٦٣٨ – ١٧١٥ الذي أمر ببناء قصر فرساي الشهير بالقرب من العاصمة باريس والذي أمر أمراء فرنسا أصحاب النفوذ لينتقلوا إلى قصر فرساي ليكونوا تحت مراقبته وليتحاشى مؤامراتهم ، فتمكن من حكم فرنسا أكثر من ستين عاما، أطول مدة في التاريخ حكم فيها ملك أو رئيس بلاده .
نتيجة الاستقرار إزدهرت فرنسا واشتهر الكثير من الكتاب والشعراء والفلاسفة؛ ونتيجة المنافسة والعمل على كتابة قصص جديدة أخذ الكُتَّاب والمترجمون ينظرون إلى الخارج ليستوردوا الأفكار والقصص الغريبة.
في ذات الوقت تنافس الأثرياء في تزيين قصورهم وعقارتهم فازدهرت تجارة القطع الأثرية التاريخية والسلع الثميه فغادر تجار وخبراء الآثار إلى الشرق وأشهرهم الكاتب والمترجم وعالم آثار أنطون جالنت الذي وصل إلى مدينة حلب السورية حيث أمضى بعض الوقت يتحرى سوق القطع الأثرية وحيث أصبح أحد زبائن مقهى ليلي فيه الحكواتي يروي كل ليلة قصة ويتوقف ويثور المستمعون رواد المقهى مصرين على الحكواتي لينهي القصة ؛ لكن الراوي يهرب من باب خلفي واعدا بإكمال القصة في اليوم الثاني وهكذا ليلة بعد ليلة !!!
إسم الحكواتي حنَّا دياب ، مسيحي من الطائفة المارونية درس في أحد الأديرة في لبنان وأتقن اللغة الفرنسية ؛ في تلك الفترة كانت سوريا ولبنان والشرق يعانوا من حكم بني عثمان الذين عملوا على نشر اللغة التركية في الإمبراطورية الشاسعة وإلغاء اللغات المختلفة بما فيها العربية ولذلك بقيت اللغة العربية والفرنسية تُدرس في المناطق الجبلية والأديرة في لبنان وفي مصر التي كانت تنعم بنوع من الحكم الذاتي .
كان التواصل سهلا بين حنَّا دياب الذي أتقن اللغة الفرنسية وتاجر الآثار الفرنسي أنطوان جالنت الذي سأل الحكواتي عن الضجة والاعتراض الذي يصدر من المستمعين في نهاية حديث حنَّا كل ليلة ، شرح حنَّا دياب أنه يروي قصص من كتب ألف ليلة وليلة الشهيرة وبطلة القصص شهرزاد الزوجة الذكية التي أنقذت نفسها من القتل بروايتها كل ليلة قصة وتتوقف عند المواقف المحرجة واعدة الملك بإكمال القصة في الليلة الثانية ، وهكذا عاشت ألف ليلة وليالي مع زوجها الملك .
وجد جالنت الفرنسي الكنز، كنز القصص الجديدة وهو ترجمان بالإضافة إلى خبرته في تجارة الآثار ؛ طلب من حنَّا دياب مجموعة الكتب التي تحوي قصص ألألف ليلة وليلة وحصل عليها لقاء سعر مغري وسأل الحكواتي حنَّا أن يذهب إلى فرنسا مع الوعد بأن يضمن له وظيفة في مكتبة الحكومة الفرنسية ..
في فرنسا ترجم جالنت روايات ألف ليلة وكانت الصالونات الأدبية متعطشة للجديد في الأدب والقصة، نال جالنت شهرة هائلة وثروة ضخمة بنشر هذه القصص والروايات التي ترجمت بسرعة إلى الإنكليزية والألمانية ولغات أخرى في أوروبا .
أما حنَّا دياب تردد بالذهاب إلى فرنسا ، بعد عدة سنوات حدثت إضطرابات أمنية وثورة في حلب فقرر الذهاب إلى باريس العاصمة الفرنسية وبعد التفتيش على جالنت لم يجد له أثر ؛ عاد إلى مدينة حلب السورية حيث استعاد عمله حكواتي .