بقلم: عادل عطية
في قلب العاصمة الألمانية، وفي نقطة محاطة بالتاريخ، أقيم: «النصب التذكاري ليهود أوروبا المقتولين – الهولوكست»؛ ليُعبّر عن الفصل المظلم في التاريخ الألماني!
تمثال يمكنك السير ضمنه، ليأخذك بخيال الألم، وإبداع التوبة، إلى حقل كبير مزروع بشواخص خرسانية مربعة رمادية، ومائلة قليلاً. لا يستطيع المرء الترجل بينها إلا منفرداً ومنصرفاً إلى نفسه. لا يحس إلا بوقع خطواته على الكتل الحجرية المصقولة النفرة الفظة، التي توحي بالتهديد!
انها واحة للتذكر والعبرة، تثير الذهول. تجريد للفظاظة لا يمكن وصفه بالكلمات أبداً. أقيم بيد أمة تبدأ من جديد على انقاض الطريق الضالة التي سلكتها الدكتاتورية الهتلرية؛ لتشعل بها الأضواء في ذكرى الابادة، وتعيد إلى أولئك الملايين من الموتى اسماءهم!
عمل مبهر، يصفه المؤرخ الألماني المعروف: «نوربرت فراي»، في صحيفة «دي تسایت»، كاتباً: «أن تقوم أمة بالإعتراف بجريمتها التاريخية في وسط عاصمتها، حدث لا سابقة له في التاريخ»!
فهل تشعر الدول التي لها تاريخ مظلم في الإبادة البشرية، بالغيرة الإنسانية المقدسة، وتنهض من الوحل الذي يحيط بها من كل جانب، وتتجه بضميرها الذي غاب طويلاً، صوب برلين، وتستلم شعلة المشاعر الألمانية، فتثبت لبقية العالم المتألم: أنها تعلمت الدرس، وانها استخلصت العبر من حماقات، واخطاء، وجرائم الأسلاف، الذين استندوا إلى آلة الدمار والإبادة، في هلاك ملايين البشر من جيرانهم، وبني جلدتهم؟!
لقد ركع يوماً، المستشار الألماني السابق: «فيلي برانت»، أمام النصب التذكاري في الجيتو اليهودي في وارسو، في خطوة على طريق المصالحة مع بولونيا.. فهل يركع الضمير الأمريكي، والضمير التركي، والضمير العربي، وكل ضمير ملطخ بالذنب والعار أمام الويلات الأبدية التي يعانيها: الهنود الحمر، والأرمن، والأقباط، وكل الضحايا الأبرياء الذين لم يذكرهم أحد بعد، ويطلب الصفح والمصالحة، نادماً وتائباً عن صنع ضحايا الماضي، والحاضر، والمستقبل؟!…