بقلم: ابراهيم شير
ربما أفقر الدول العربية الآن لا يفكر شعبها بالماضي، بل دائماً يفكر كيف سوف يغير المستقبل ويجعله أفضل لوطنه، الا الشعب السوري الذي ما أن تتحدث معه حتى يقول لك كنا قبل عام 2011 وكنا قبل الحرب وكنا وكنا وكنا، تفكيره محصور في الماضي لان الحاضر مدمر والمستقبل مجهول، ولكن هل فعلا كانت الصورة في الماضي وردية ورائعة؟ هل فعلا كانت سوريا مدينة افلاطون الفاضلة قبل الحرب عليها؟ من يتابع الدراما السورية قبل الحرب يرى أن الازمات في البلاد هي نفسها لم تتغير فمنذ مرايا 1982 وحتى اخر جزء من مسلسل عام 2019 جميع ما يطرح في الدراما الناقدة كان ازمات السكن والتعليم والكهرباء والغلاء الفاحش والواسطات وفساد المسؤولين الكبار، اذا هل تغير شيء قبل عام 2011 وبعده؟
عقد كامل مر على الازمة السورية التي بدأت في 15-3-2011 والجميع يرى الاسباب الواضحة والعلنية والخارجية للحرب ولكن هل فعلا هي السبب الوحيد لها؟ في عام 2009 توقعت اندلاع شيء مماثل في سوريا لكن الوضع فيها كان يوحي بان كل شيء قابل للانفجار والبركان الخامد سوف يثور بالتأكيد لان الأزمات الرئيسية في المجتمع أصبحت متجذرة بطريقة كبيرة وباتت جزءاً رئيسياً من الشارع. إذا أردنا الحديث عن أسباب الحرب في سوريا ودوافعها ومن يقف خلفها ولماذا حدثت قد نحتاج لمجلدات واشهر وربما سنوات من الاحصاء والتحليل، ولكن اريد الان ان اسلط الضوء على عوامل ساهمت بطريقة غير مباشرة في انهاك سوريا على مدار عقود وهو ما ادى في نهاية الامر الى وصولنا الى ما نحن عليه الان.
أول العوامل التي مهدت للحرب داخليا هو التفكك الاجتماعي. فقبل عقدين من الزمن لم يكن المواطن السوري متوسط الدخل او ضعيف الدخل يشعر بالفارق الطبقي بينه وبين الطبقة الغنية، التي ما لبث اصحابها حتى غزوا مجتمعنا بطريقة رهيبة، وساهموا بالقضاء على جزء كبير من الطبقة الوسطى أو محدودة الدخل، وهذا الامر خلق نزعة حقد دفينة داخل عدد كبير من ابناء المجتمع، وساهمت هذه الطبقة بشكل مباشر او غير مباشر بتهجير اليد العاملة السورية والعقول، واستقطبت السعودية وتركيا عدد مهم من هذه العقول وقامت بغسلها وتحضيرها لما نحن عليه الان. اضافة الى ان ظهور طبقة غنية جاهلة نتيجة انحسار الطبقة الوسطى المثقفة ادت فيما بعد ان وجود ازمة ثقافة.
اما ثاني العوامل من وجهة نظري هو الفساد الاداري الذي ساهم بتمزيق النسيج السوري من الداخل، حيث ان المحسوبيات والواسطات والقربى اهم من جميع الشهادات عند التعيين في وظيفة ما، وذلك ناهيك عن الفساد بحد ذاته عن طريق اخذ الرشاوي بغير وجه حق، وتعطيل المعاملات والمشاريع الاستثمارية لاسباب مجهولة. وهذا الفساد سهل بطريقة مباشرة بادخال السلاح الى البلاد عبر الجهات الخارجية التي ارادت تدمير سوريا، فلولا وجود هؤولاء الفاسدين الذين تغلغلوا في مفاصل حساسة للدولة، كيف كان سيسمح للايادي الخارجية بادخال الارهابيين والسلاح الى بلادنا؟ وخلال سنوات الحرب خرج فاسدون كثر كانوا في مراكز عليا، وذلك بعد خيانتهم للبلاد، أمثال رياض حجاب الذي كان رئيسا للحكومة، فالسؤال هنا الا يجب محاسبة من ساهم بتزكية حجاب لدى القيادة لكي يصل إلى هذا المنصب المهم، ومن ساهم ايضا بترقيته في الدولة والمناصب التي تقلدها، وطبعا حجاب وغيره من الشخصيات الفاسدة، سواء التي اعلنت خيانتها بشكل علني، او التي لا تزال تخفي الخيانة وتعمل على اضعاف الدولة وبنيتها عبر الفساد وترقية الفاسدين والمتملقين والاقارب.
أما النوع الخطير كان الفساد الإعلامي. حيث ساهم بعض المسؤولين في هذه المؤسسة في اخفاء معاناة القاعدة الشعبية عن القيادة، وطبعا القيادة تعلم حال الشعب عن طريق الاعلام والمسؤولين، لان القيادة لا تعلم الجهر وما اخفى، لكنها تبني الافكار المستقبلية والنظرة للشعب عبر تقارير اعلامية من المسؤولين. لذلك الفساد الاعلامي ساهم بصورة غير مباشرة في تأزيم معاناة الشعب وتغييب المطالب المحقة وزيادة الضغط على الشارع.
أما الفساد التعليمي فهو مصيبة بحد ذاته، فذهبت هيبة التعليم والمعلم وحل مكانها هيبة المال الذي اجتاح بشكل كبير هذا القطاع المهم من بناء المجتمع والاجيال، وخصوصاً الدرجات التي تباع ان كان الطالب في مدرسة خاصة او يأخذ دروسا خصوصية لدى هذا المدرس او ذاك، والتعليم العالي لم يكن افضل حالا من التعليم الاساسي ابدا.
الفساد الديني كان الطامة الكبرى التي ضربت النسيج السوري، فقد سمح خلال اخر عقد قبل الحرب بخروج شيوخ ودعاة ذوي خلفيات دينية متطرفة بالبروز في المجتمع، وبات في كل قرية سورية مسجدين واكثر تدار من الخارج طبعا، وساهمت بشكل مباشر في غسل ادمغة الشباب السوري العاطل عن العمل، بسبب ما سبق ذكره وتم تهيئة هذا الجيل لما نحن عليه الان.
القيادة السورية تنبهت لهذا الامر، وهو ما اكد عليه الرئيس السوري بشار الاسد في مقابلته مع قناة العالم، ان الجميع يتحمل مسؤولية الخلل الواقع في المجتمع والذي ادى لتجنيد البعض من قبل الاحتلال الاسرائيلي، وشدد على العمل على معالجة الأسباب التي أدت لهذه الحالة.
يجب أن نتعلم من هذا الدرس القاسي علينا وعلى وطننا وان نعيد بناء الاسرة والمجتمع والادارات الحكومية والاعلام والدين، لكي ننهض من جديد، لاننا لن نتحمل عقداً آخراً في ظل هذه الحرب التي لم تنتهي حتى الان. وهنا يتبادر لذهني سؤال لو منح شخص في دولة الكويت مثلا مبلغ مئة الف دولار وطلب منه ادخال قطعة سلاح لوطنه هل سيقبل؟ ولو ضربنا هذا المثال في سوريا وانقصنا المبلغ الى مئة دولار فقط هل سيقبل؟ عندما نجيب عن هذا السؤال نعلم كم نحن أمام ازمة وطن يعيشها المواطن السوري، فهل من مسؤول يسمع وهل من حكومة تعي واقع المواطن؟ من الضروري النظر بكل ما سبق من تفاصيل ليعود هدف المواطن السوري وطنه أولاً واخراً، والعدو الخارجي لن يستهدفنا ان كنا اقوياء من الداخل ومحصنين، وهذا التحصين لن يأتي من الشعارات فقط.