بقلم: د. خالد التوزاني
لقد دافعت دبلوماسية الشعر المغربي، عن قضايا الوطن والهوية، إذ لم يفتر الشعر الوطني ولم يضعف أمام هيمنة التكنولوجيا ووسائل التواصل الجديدة، بل وظفها للوصول إلى قراء جدد من جيل الشباب، حيث يزيد وهج الشعر كلما استجد مستجد في الشأن الوطني؛ فقد سارع المغاربة لبيعة الملك محمد السادس فور رحيل والده المنعم الملك الراحل الحسن الثاني نور الله ضريحه، ليستمر الوفاء وتتعمق معاني الوطنية الحقة حيث حب الأوطان من الإيمان، وفي بعض هذه المعاني تقول الشاعرة خديجة أبي بكر ماء العينين:
محمَّـدُ بايعناكَ بِـرًّا بِجَدِّكُـــــمْ ومن حبّ آل البيتِ فيهِ لِعـــاقِدِ
ومَنْ مِثـلُ شَعْبٍ مَلَّكَ اللهُ أَمْــرَهُ سليلَ رسُولِ اللهِ نَبْعِ المَحامـِــدِ
يصُونُكَ رَبُّ العرشِ من شَرِّ حاسدٍ ويحميكَ للأوطانِ مِنْ كيدِ كائِدِ
هكذا، دشَن اعتلاء أمير المؤمنين الملك محمد السادس نصره الله عرش أسلافه المنعمين عهداً جديداً، سِمته الإصلاح الناجع والنهوض الفعال بقضايا الوطن نحو مزيد من الرفعة والازدهار، ويظهر ذلك بجلاء في إطلاق جلالته للمشاريع الاجتماعية والاقتصادية الكبرى، والأوراش الضخمة والمتنوعة، لترسيخ السلم الاجتماعي وتحقيق الرفاهية لكل المغاربة. وبذلك، دخل المغرب في عهد الملك محمد السادس نصره الله مرحلة متميزة من مساره السياسي والاجتماعي والحضاري، وسيواصل الشعر المغربي تأريخ هذه المرحلة وتسجيل ملامحها الكبرى، ومن أمثلة ذلك نستحضر قصيدة للشاعر عبد الكريم الوزاني تحمل عنوان “سفينة النصر بالأنوار مشرعة”، قالها في مدح الملك محمد السادس نصره الله باعتبار جلالته قائدا لسفينة المغرب العامرة، جاء فيها:
طُوبى لبيتٍ به رايتُنا خَفَقَـــــتْ عَهْدٌ توثَّقَ، تاريخٌ لهُ نَسَـــقٌ
نور الريادة هديُ السَّعدِ موكِبُهُ ومن مكارم أخلاقٍ بها نطَـــــــقُــوا
هذا مُحمَّدُنا والسَّعْدُ يكــــــــلأُهُ شبابُهُ الغَضُّ والآمَالُ تَسْتبِــــــــقُ
يا عاهلاً، ما تناءتْ هذه الطُّرُقُ أنتَ الدليلُ وأنتَ الحاذقُ اللَّبِقُ
من مميزات عهد الملك محمد السادس نصره الله، تلك الزيارات المباركة التي يقوم بها في أرجاء الوطن، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، فيغدق على تلك البلاد من المشاريع التنموية ما يرقى بها في مدارج الازدهار والتقدم. ويواكب الشعر المغربي هذه الزيارات الميمونة، فيسجل الشاعر حسن بن عزيز زيارة أمير المؤمنين للمنطقة الجنوبية، والتي تحولت بعد الزيارة الملكية المباركة إلى جنات خضراء يانعة، حيث يصف الشاعر مظاهر هذا التحول بقوله:
لكم صحراءَ قاحِلـــــــــــــة أتاها فعمَّت في بَراريها الجِنان
وأشرَقَ صُبحها يزهُو اختيالاً وصار لأرضها عزٌّ وشَـــــــان
همام في الملوك له مقَـــــــــــام سمَا فيهم يشير له البنــــان
على خُلقٍ عظيم لا يُدانَـــــــــى يميِّزُهُ التواضُعُ والحنــــــــــانُ
لهُ في شَعبِهِ الأرواحُ عــــــرش بهِ هتــفَ الجميعُ لهُ ودانــوا
إن كل منطقة يزورها أمير المؤمنين الملك محمد السادس حفظه الله، يُشرق صبحها وتُزهر أرضها ويفرح أهلها ويعم الخير أرجاءها، نظرا لسخاء ملك عظيم وتواضعه وحنانه، فهو – حفظه الله- مثل الغيث، أينما نزل نمت الأماني والأمان، وحيثما وقف أثمرت الخيرات وانتعشت كل الكائنات وتزينت لقومه بهجة وسرورا. ولاشك أن الغيث رحمة، ولذلك تغنى الشعراء المغاربة برحمة الملك محمد السادس ولين قلبه؛ فهو كافل الأيتام وحامي المعاقين ومعيد البسمة للمحتاجين.. ومن أمثلة الشعر المغربي في هذا المجال نستحضر قصيدة للشاعر عبد الحميد بنزوينة يقول فيها:
قد رأيناهُ أباً في عَطْفِـــــــــهِ يُبعِدُ المحتاج عن كل الشـــرود
يكفــل الأيتام يرعى ضعفهم في المآوي شخصه دوما يجُـــود
والمعاق اليوم أضحى عندهُ في الحجى يحظى بآمال الوعود
مُدمجاً يحيا ســــــــويًّا عاديا ليس من نقص يراه في الوجود
وواضح أن هذه المنجزات وغيرها، قد بوأت الملك محمد السادس نصره الله منزلة عظيمة في نفوس شعبه الوفي، كما عبر عن ذلك الشاعر البشير التزنيتي بقوله:
أَيا أبا الحسن المَلأَى محاسِنُــــهُ بعاجلٍ من ضروبِ السُّحُبِ والدِّيَم
أصبحتَ تحتلُّ بين الشَّعبِ منزلةً ما نالها أحدٌ.. في العُرب والعَجَـــــمِ
تُضيءُ طَلْعَتُكَ الغَرَّاءُ أَفئــــــدَةً تفيض بالبِشْرِ والترحيب والكَـــــرَمِ
وهو مشهد من روائع مشاهد الالتحام بين ملك محبوب وشعب محب، تتجاوز تجليات هذا الحب قصائد المدح ووصف المفاخر والمناقب الشريفة إلى الدعاء للملك بالنصر والتأييد، ولولي عهده الأمير مولاي الحسن بالحفظ والموهبة في التحصيل. وإذا كانت جل قصائد الشعر الوطني يختمها الشاعر بالدعاء لأمير المؤمنين، فإن دراسة البعد الوطني في هذا الشعر ينبغي أن تساير هذا المنهج باستحضار بعض النماذج، ومن ذلك اختتم الشاعر البشير التزنيتي قصيدته “من مشاهد عيد العرش الراسخة” بقوله:
أَيا محمَّدُ.. دامَ النَّصرُ مُنفتحًا على رِكابِكَ.. مُبْيَضًا بغيــــر دمِ
ودمتَ للحَسَنِ الغالي تُنَشِّئُــــــــهُ على المحبَّةِ والإيثارِ والشَّمَــــــــمِ
وزادهُ الله في التحصيل موهبــــةً حتى تراهُ على ما شئْتَ من قِيَمِ
وكذلك اختتم الشاعر عبد الحميد بنزوينة قصيدته “عرش الأمجاد” بالدعاء للملك المرتضى محمد السادس بالحفظ، وأن يجعل الله نجله الأمير مولاي الحسن منية النفوس وفرحة القلوب، متجاوزا الدعاء للملك وولي العهد إلى الدعاء للأمير مولاي رشيد المجتبى ولمغرب الحرية والعزة والخلود، حيث يقول:
فــاحفظِ اللــهم هــذا المرتضى ملكنا الذي يحمي الحــــــــــدود
وجعل العين ترى في نجلـــــــه منية النفوس التي تنئي الحسود
فولي العهد هــــــــــذا عنــــدنا فرحة القلب وآمال الحمـــــــــود
وكــذا الصنو الرشـــيد المجتبى من يرى أزرا متينا في الجهـــود
وصن المغرب حرا منتـــــــجا يركب العــز وأسباب الخلــــــود
وغني عن البيان أن الدعاء لأمير المؤمنين محمد السادس نصره الله، يعتبر من أسمى تجليات البعد الوطني عند الشعراء المغاربة، حيث يجددون وفاءهم ومحبتهم ويبرزون إخلاصهم وولاءهم للعرش والوطن وقضايا الأمة المغربية، وبذلك نجح الشعر المغربي في التفاعل الإيجابي مع قضايا الوطن في مختلف التجليات والأبعاد، ليعبر بذلك عن مرافعته ودفاعه عن هوية المغرب ومكتسباته.
أسهمت دبلوماسية الشعر المغربي برصيد وافر من قصائد العرشيات ونماذج الشعر الوطني، الذي صنع ملحمة تاريخية في رصد المنجزات وتثمين الانتصارات، والرّد على الأعداء، بما يليق من الكلام الأدبي المشحون بالمعاني البليغة والصور البديعة المؤثرة، حتى إن بعض القصائد صارت شعاراً خالداً لمسيرات التحرير والبناء واستكمال الوحدة واسترجاع الثغور السليبة، في أفق تعزيز البناء الحضاري المعاصر للمغرب القوي بكل مكوناته ورموزه.
هكذا، كانت آليات المرافعة التي نهجتها الدبلوماسية الشعرية، مؤثرة في صناعة رأي عام وطني ودولي، يقف موقفاً إيجابياً أمام قضية الوحدة الوطنية، عبر الدفاع عن مغربية الصحراء المغربية، ولأجل تثبيت أركان هذه الدبلوماسية أو القوة الناعمة، تستمر حركة الإبداع الأدبي المغربي المُشرِق بجماليات حب الوطن والاعتزاز بالانتماء إلى هذه الأرض الطيبة، في تعبير صادق عن مسارٍ وطني متواصلٍ يربط الماضي المجيد، بالحاضر الجميل والمستقبل الأجمل، ذلك المسار الذي يمثل فيه حب المغاربة لملكهم مصدر قوة المغرب ووحدته، فهو حُبٌّ يهز الأرواح والأبدان، كما قال الشاعر الأديب محمد الحلوي:
هكذا حُبُّكُمْ تغلغلَ في الشَّعْــــــــ.. ..ـــبِ فَهَزَّ الأرواح والأبدانَـا
لُقِّنَتْهُ الأبناءُ ديناً من اللَّـــــــــــــ.. ..ــــهِ مَصُونًا وأُرْضِعَتْهُ لِبانَــــا