بقلم: تيماء الجيوش
وفقاً لما ورد في الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية الأمريكية و مختلف وسائل الإعلام ، فإن الإدارة الحالية و منذ بدء تسلمها أوضحت أن تجديد الديمقراطية في الولايات المتحدة وحول العالم ضروري لمواجهة تحديات عصرنا غير المسبوقة و عَدَّتْ ذلك هدفاً لسياستها الخارجية، وأنها أي الديمقراطية ليست مبدأً أخلاقياً و حسب ، بل هو سياسي بحت و مصدر للنزاع السياسي عالمياً. و هذا حقيقةً يتسق تماماً مع ما أعلنه الرئيس بايدن مراراً في حملته الانتخابية.
« في 9-10 كانون الأول (ديسمبر) 2021 ، عقد الرئيس بايدن قمةً للديمقراطية هي الأولى من حيث النوع كما أنها جمعت مئة دولة ذات تجارب ديمقراطية متنوعة و أطراف متعددة من الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص و الخيري في جهدٍ مشترك لوضع أجندة فاعلة للتجديد الديمقراطي ومعالجة التحديات التي تواجهها الديمقراطيات اليوم من خلال التعاون و العمل الجماعي.» على أن تُعقد القمة الثانية نهاية هذا العام . و الهدف من هذه القمة الافتراضية كما أُعلن كان هو وباء كورونا و الخلاف الحاد الذي بلغ أشدّهُ ما بين النظم الديمقراطية و النظم الدكتاتورية الشمولية.
و على هذا فقد كانت محاور القمة مجابهة السلطوية و محاربة الفساد و تعزيز احترام حقوق الإنسان مع إدراكٍ لكل النجاحات و نقاط الضعف و التحديات و الفرص المتاحة وأن الديمقراطية في الأزمنة الحديثة باتت تتطلب وسائل أكثر عمقاً وتتجاوز النظم الانتخابية و الانتخابات الحرة.
ما تجتمع معظم الآراء عليه أن المطالبة بالديمقراطية و الحريات و العمل الذي يتم في سبيل تحقيقها ، يتطلب أولاً نمذجتها في الأفراد أنفسهم، فالأمر ليس سياسياً بحتاً بل هو أفقياً و شاقولياً و بالمطلق مسألة ثقافة.
و الديمقراطية بطبيعتها تتوافق مع المتغيرات السياسية الاجتماعية و الاقتصادية وتتسع دوماً للآراء و الأفكار و التيارات الحديثة فتعيد إنتاج نفسها و هي من حيث الجوهر و المظهر و بأشكالها المتعددة و صياغتها و أطرافها المشاركة و منظماتها تعتمد على هذه النمذجة. نجحت النمذجة في المجتمعات الغربية و استطاعت بناء ثقافاتٍ ديمقراطية احترمت التنوع في حناياها و وجدت التوازن المناسب ما بين الحريات الفردية و نظامها الاجتماعي عبر المساواة و احترام دور القانون و هذا تماماً ما يُشّذب الثقافة الديمقراطية و يدفع الى الأمام المجتمع ليمارس أفراده حقوقهم من حرية الرأي الى حرية التجمع الى حرية الترشح و الانتخاب الى الحريات الأخرى بعيداً عن الإقصاء و إلغاء الأخر المختلف .
الثقافة الديمقراطية لا تأتي من فراغ و لا يمكن أن تحدث في ليلة و ضحاها بل هي عمل متواصل و شراكة تعمل على احترام الحريات الفردية بدرجة واحدة لا تفاوت فيها على الصعيد السياسي و القانوني بل أيضاً على الصعيد الاجتماعي و الاقتصادي و منع تغول السلطة و انفرادها بالقرار و ما يتبع ذلك من عنفٍ و انتهاك الحقوق.
و الحديث عن الديمقراطية و مبادئها يطرح بشكلٍ تلقائي السؤال عن بناء ثقافتها في العالم العربي فهي حق أولاً و مستقبلاً آمناً ثانياً.
عقود مضت وصولاً الى سنين الربيع العربي و لا يزال بناء الثقافة الديمقراطية بعيداً. بل بات عصياً في بعض الأقطار التي تنهبها الحروب الأهلية الدامية إثارة السؤال حول اعتماد النموذج الديمقراطي و العمل لأجله و يعود هذا بالدرجة الأساسية إلى أنتفاء الإيمان الأكيد بالديمقراطية لدى البعض ممن يُدير العملية السياسية فهي لا تعدو عن تسويقٍ إعلامي لا يؤمن حقاً بمفهومها و مبادئها وإعادة التفكير في منظماتها و بنائها، التي تبدأ من قبول مبدأ المساواة و احترام مبدأ القانون و التنوع ، الى احترام حقوق الأقليات، الى مبدأ المحاسبة ،الشفافية ، التمثيل النيابي و الانتخابات ….الخ. و لربما أيضاً الابتعاد عن صورة نمطية ذكورية للبطل المُنقذ التي تبرز في سياق النزاعات و الحروب على أشكالها.
الحروب الأهلية تأخذ مجتمعاتٍ بأكملها الى مفترق من الفوضى و العبث لا ينهيها سوى إعادة النظر بالقيم و المبادئ و تحمّل المسؤولية الأخلاقية و القانونية و السياسية و وصل ما قُطع نتيجة لإراقة الدماء في المجتمع الواحد.
على أية حال يبدو الحديث في هذا المنحى و بالعموم من الصعوبة بمكان نظراً لعدم الثقة الذي ممكن بروزه على الساحة السياسية و الاجتماعية و التناحر بين الفرقاء الذي يدعي كلٌ فيه مشروعيته وأسبقيته. .
و ما يُضاف بحق أيضاً أمراً محورياً في بناء الثقافة الديمقراطية ألا و هو احترام أصيل لا تناله شائبة للتجربة النسوية و مساهمتها في بناء الديمقراطية و دعم هذه الحركة في صراعها كحركة لأن نجاحها يعني أن الحريات و الديمقراطية لم تنجح فقط بل اكتملت.
الديمقراطية و مؤسساتها تقوم على مبدأ المساواة و شراكة الأفراد و الفئات الاجتماعية جميعاً على الصعيد السياسي . و لا يمكن بحال الحديث عن تحول ديمقراطي في ظل مفاهيم ذكورية تُقصي المرأة عن الحياة السياسية بل حينها ستكون ديمقراطية ناقصة او متحيزة. كما انه لا يُعّدُ عدلاً بحق المرأة و دورها الجذري في إرساء الديمقراطية و بناء ثقافة نوعية جديدة . التحول الديمقراطي يقتضي حتماً وجود مؤسسات راسخة واحترام لمبدأ المساواة و لحقوق الإنسان و حقوق المرأة في علاقة تبادلية إن اختلت أدت الى دفع المجتمعات اولاً و النساء ثانياً أثمانٍ باهظة و هذا حدث في العديد من الأمثلة في العقود الحالية، حيث قامت قوىً ذكورية أصولية و بمجرد تبوأها السلطة عبر انتخابٍ ديمقراطي، برفض منح المرأة المساحة و الدور الفاعل بل و دفعت بها بعيداً عن الشأن العام و العملية السياسية. لم تقف الحركة النسوية صاغرة ، ربما المثال الأقرب هو معارضة العديد من النساء في تونس تحجيم دورهن و رفضهم ان يكُنّ عدداً مُكمل لا شريكاً فاعلًا.
لطالما ما تم تجاهل المرأة العربية بل و النوع الاجتماعي و لطالما لم يتم الاقتراب من مبدأ المساواة و التأكيد على أن مسار الديمقراطية لا يستقيم دون وجود المرأة كشريكٍ أساسي و حضورها في السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية.
اختارت المجتمعات المدنية الديمقراطية و كان لأبعادها المتنوعة، و الثقافة الديمقراطية أن عززت المشاركة و تبادل الخبرات و أفرزت فوائد تعود بأولها الى العمل الجماعي بفعالية أكبر حيث تُبنى أستراتيجية فاعلة و خُططٍ تُعزز الحلول. تقدمت المجتمعات الديمقراطية و تصّدرت المدنية و دفعت بحضارتها قُدماً و ما كان لها أن تُحقق ذلك بعيداً عن مجتمعٍ يؤمن حقاً أن الديمقراطية تعني من الشعب و الى الشعب و من اجل الشعب.
اعياد ميلاد مجيدة لكم جميعاً. و سنة جديدة سعيدة ملؤها الفرح و خالية من الوباء. كل عام وانتم بخير.