ترجمة: إدوار ثابت
الحرية : لا يشعر بقيمتها إلا من حرم منها ولا يرضى الإنسان بأسر حتى ولو هو في قصر هذا هو المغزى الذي يهدف إليه الكاتب وهذا ما أقتنع به الذئب عندما أوعظ إليه فيه الكلب فقد ألتقى الإثنان فيكاد الذئب أن يهاجمه ولكنه يحجم عنه فقد أعجب بشكله وراقه منظره وإذا هو يدنو منه ويمتدح بدانته فهو يرى نفسه نحيف الجسم متهالك الهيئة . ويتحدث الإثنان فيشعر الذئب برغبته في أن يكون مثله فيقول له الكلب أن يترك الغابات فهيئته فيها كالبوساء مزرية كالصعاليك ويسأله عما يفعل فيحثه الكلب على أن يحرس بيتاً من البيوت فسيكون مصيره أفضل وأن يداعب أفراده وهم مثله سيداعبونه ويرضون عنه ويطعمونه مما يأكلون . ويوشك الذئب أن يهنئه ولكنه يلمح في عنقه جزءًا يخلو من الشعر فيستفسره عنه فيفصح الكلب له أن ذلك الجزء هو مكان الطوق الذي يطوقونه به فيسأله وهل يستطيع بهذا الطوق أن يجري حيث يرغب فيعرف من الكلب قصوره عنه وعجزه فيرفض الذئب أن يكون مثله ويفضل حريته فيفر منه وكأنما يفر من الأسر
وها نحن نترجم هذه الحكاية كما هي في نصها الفرنسي :
يقول الشاعر : ذئب لم يكن عليه إلا العظم والجلد
ولكن الكلاب حاذقة في حراستها
يقابل كلباً جميلاً في بدانته
سميناً زاهياً قد أضله السهو
فيهاجمه مولاه الذئب وقد أوشك أن يمزقه
ولكنه مع تقبله بطيبة يسعى إلى عراكه
أما الكلب فبقده هذا يدافع بجرأة عن نفسه
فيدنو منه الذئب في تواضع ويتبادلان الحديث
فيمدحه على بدانته التي أعجبته وحسده عليها
فيقول له الكلب : ليس في وسعك مولاي الطيب أن تكون سميناً مثلي
أترك الغابات فسوف تكون أفضل فهيئتك بائسة كالصعاليك
تبعث على الإزدراء وتستدعي الشفقة
وسيدفعك وضعك إلى أن ينهي عليك الجوع
لماذا ؟ فبغير تأكيد ليس هناك غذءا طيب (لقد ترجمنا الجملة هكذا ولكن الشاعر يقول ليس هناك شفاه حقيقية أي بارزة
يملؤها الطعام فتستطعمه)
ألا وهو على أسنة السيوف
أتبعني فسوف يكون مصيرك أحسن
فيسأله الذئب : وماذا عليا أن أفعل ؟
فيقوله الكلب : لا شيء كثيراً لتمارس القنص للناس
أحمل لهم العصي وتسول منهم
مالق من بالبيت وأمدح مالكه
فسيكون أجرك هبات كثيرة مختلفة الأشكال
من عظام الدجاج والطيور دون أن تبدى ملاطفة
ويكاد الذئب أن يهديا إليه التهنئة
التي أوشك معها أن يبكي شفقة وحناناً
ولكنه يدنو منه فيرى عنقه أجرداً (يخلو من الشعر)
فيسأله : ما هذا ؟ – لاشئ – كيف – شيء قليل- ولكن هناك ما هو أكثر – الطوق الذي أربط به
مما تراه هو الدافع لما بي
فيسأله الذئب أتربط إذن ، ألا تستطيع أن تجري حيث ترغب ؟
- ليس دائماً ولكن أيهم ذلك ؟
- بل ينبغي وأنا بكل أطعمتك لا أرغب منها في شيء
وسوف لا أرغب ولوكان الثمن كنزاً
هذا ما قاله الأستاذ الذئب وفر هارباً
ونحن مثلما نرى في الحكاية أن الشاعر لافونتين يوضح قيمة الحرية وأهميتها للإنسان وللشعب والشعوب عامة فأنظر إليه يوضح هذه القيمة وتلك الأهمية قبل قرن من الزمن على أحداث الثورة الفرنسية التي كانت الحرية من أهدافها مع المساواة العدل والتي من غير شك هي من أهم الثورات والأحداث التاريخية الاجتماعية والسياسية التي حدثت في العالم والتي كانت في فرنسا في ذلك الوقت . وقد أثر المفكرون والفلاسفة بارائهم الثورية على الشعب ومن أبرزهم فولتير ومونتسكيو وجان جاك روسو .
أقول أن الشاعر لفونتين يوضح قيمة الحرية وأهميتها للشعوب ولأفرادها قبل أحداث الثورة الفرنسية التي كانت الحرية من أهدافها فهو يؤكد على لزوم تحرر الإنسان من الأسر ولو كان فيه من المزايا الشخصية التي يرضى بها أو يذعن إليها أو التي يخضع لها برغبته أو على مضض منه فينساق لخضوعه مضطراً أو مدفوعاً ولكنه في كل ذلك لابد وأن يرفض هذا الخضوع وأن يتحرر منه . وفي الحكاية نقد إجتماعي ونقد سياسي وعلى الرغم من أن هذا النقد يشمل الأثنين معاً فنحن نلمح أن النقد السياسي أو الأساس فيهما وهو الأكثر يروزاً ، ومع أن المغزى فيه يبدو ضمنياً فهو يتضح في تصريح وبلا أخفاء فالشاعر ينتقد وينكر على تلك الفئة ما تسعى إليه والتي تتقرب به في ذلك الوقت إلى الملك لويس الرابع عشر للحصول منه على نفع يبتغونه وإلى أمتداحه وتدليله والذين يتلاصقون بمن حوله يخدمنوهم ويستعطون منه ويقول الشاعر أو يسخر من أجرهم على ما يفعلون تلك الهبات التي يضعها كرمز يرمز فيه إليهم والتي نراه يرجوهم به وينزلهم فيه إلى مرتبة مخزية فأنظ إليه يقول : نافق من بالبيت وأمد سيده أو مالكه من غير شك فسيده أو مالكه رمز صريح للملك وإلى اللقب الذي ينسب إليه وإلى ما يطلقه الشعب عليه . ومن بالبيت رمز واضح لرجال البلاط الذين يحيطون به فيفرطون في الثناء عليه من ناحية أو يتلقون هذا الثناء من ناحية ثانية ومما يؤكد ذلك أستخدام الشاعر بعض الألفاظ : كمولاه والبؤساء والصعاليك والأستاذ أو السيد وأنظر أليه كيف ينزل هؤلاء إلى تلك المرتبة فهو يوضح تلك الهبات التي يحصلون عليها بهذا المدح والتملق وهي عظام الدجاج والطيور ومن غير إخفاء أو تحقير فهذه العظام هي فضلات الطعام التي تعطى للكلاب ومن مثلهم وكل ذلك ينسب إلى الإنسان فالنفاق والمدح بشمولهما العام لا تستطيعهما الكلاب والحيوانات وإنما الإنسان فقط هو الذي يستطيع أن يسعى إليهما ويتفنن فيهما أما النقد الأجتماعي في الحكاية فنراه يأتي في المرتبة الثانية بعد النقد السياسي على الرغم من كونه العام الذي يشمل كل طبقات المجتمع وأفراده الذين يشغلون أماكن مختلفة راقية أو متواضعة ومن الأغنياء والفقراء والذين يذعنون إلى هذا الخضوع من غيرهم يرتضون به لما يهدفون إلى نفع يبتغونه ولا يرضخون له فحسب وإنما يمتحون معه من يذعنون إليهم ويدلّلنوهم حتى يحابوهم ويفضلوهم عن غيرهم فتعلو وترقى مكانتهم عندهم .