بقلم: سليم خليل
الرسام هنري أوساوا تانر ١٨٥٩-١٩٣٧ كان أول فنان من أصل أفريقي دخل كلية الفنون في ولاية بنسلفانيا في شرق الولايات المتحدة عام ١٨٧٩؛ والده كان بيشوب من طائفة البروتستانت الميتوديست ؛ كان لكلمات وعظات والده التبشيرية الدينية في الكنيسة حول الكتب المقدسة وحياة السيد المسيح الأثر الكبير في مستقبل إبنه هنري الذي برع في رسم لوحات عن حياة السيد المسيح بكاملها من الميلاد إلى أسبوع الآلام بالإضافة إلى العهد القديم . شقيقته – هالي – كانت أيضا أول سيدة من أصل أفريقي دخلت كلية الطب ومارست المهنة ؛ والدته عانت من العبودية واستطاعت الهروب من الجنوب الزراعي إلى الشمال الصناعي حيث التقت وتزوجت بينيامين وأنجبت عائلة من سبعة أطفال .
عاش هنري مرحلة الحرب الأهلية وهجرة جماعات من أصل أفريقي من الجنوب الزراعي إلى الشمال الصناعي ومعاناة الملونين من التمييز العنصري . وصف الحالة في كتابه حياة فنان حيث قال إنني في مكان لي كل الحق أن اوجد ، لكني مكروه وبعد كل حادثة أمضي أسابيع من الألم ووجع القلب . أولى لوحاته عبرت عن تلك المعاناة . إتخذ هنري أسمه الوسط – أوساوا – رمزا لمنطقة -أوساواتومي- حيث بدأ الصراع بين مؤيدي العبودية ومعارضيها .
عام ١٨٨٨ حاول افتتاح أستوديو للرسم لكنه فشل وفي هذه الأثناء شاهد لوحاته البيشوب جوزيف هيرتزل ورغب بمساعدته وعمل على عرض لوحاته في معرض في سينسيناتي لكنه فشل ولم تباع لوحاته ؛ فقرر البيشوب شراء كافة اللوحات المعروضة ليوزعها على كنائس المنطقة.
في تلك الفترة إزداد بكثرة هائلة وصول مهاجرين من إيرلندا خاصة ومن كافة البلدان الأوروبية وأصبح امتلاك اللوحات الدينية نوعا من الغذاء الروحي ؛ استطاع هنري بيع عدد من لوحاته وهذا ما ساعده ماديا ليخطط لإتمام دراسته في إيطاليا .
خلال دراسته أصبح التلميذ المميز من قبل الفنان والرسام الشهير توماس آتكينز الذي باشر التدريس في المعهد والذي وجد في هنري تانر عبقرية فنية وتفوق على زملائه في لوحاته المختلفة التي أعطته الأفضلية ليستفيد من منحة لزيارة الأماكن المقدسة في القدس .
في رحلته إلى القدس كان قد قرر عدم العودة إلى الولايات المتحدة وكانت رغبته إتمام لدراسة في إيطاليا بلد الفن والرسم والنحت.
كانت طريق رحلته عبر فرنسا ؛ ثم إيطاليا ومنها إلى القدس؛ أمضى أسبوعين في باريس حيث لم يشعر بأي تمييز عنصري فتغيرت رغبته إلى الدراسة والإقامة في فرنسا .
خلال زيارته للأماكن المقدسة رسم اللوحة – نيكوديموس يزور السيد المسيح – رجع إلى باريس حيث رسم أولى لوحاته – قيامة أليعازر – التي أعجبت أهل الفن ونال عليها ميدالية وهذا التكريم يصعب أن يناله غير الفرنسيين ؛ اشترت الحكومة الفرنسية تلك اللوحة واستمر في الرسم وعرض لوحاته التي رفعت شهرته إلى صف المشاهير العالميين ونال لقب فارس .
عُرضت لوحاته في الولايات المتحدة حيث نال لقب – عضو شرف في الأكاديمية الوطنية للفنون في نيويورك ؛ كما قرر الرئيس بيل كلينتون شراء إحدى لوحاته عُلقت في قاعة الفنون في البيت الأبيض .
بعد وفاته أخذت شهرته بالتراجع ؛ قررت إدارة معرض سميثونيان في واشنطن عرض لوحاته وكان هذا المعرض لأول
فنان من أصل أفريقي؛ كما قررت إدارة المعرض تخصيص موقع خاص لعدد من لوحاته مع لمحات عن أعماله وحياته .
في متاحف أكثر الولايات توجد لوحاته تخليدا لعظمته .
إستقر هنري في فرنسا وأنتج الكثير من لوحاته التي اكتسبت شهرة عالمية ؛ في أوج شهرته التقى بفنانة من استوكهولم عاصمة السويد – جيسسي أولسون – مغنية أوبرا قدمت إلى باريس بلد الفن آنذاك والتقت الرسام هنري وتطورت العلاقة إلى الحب ثم الزواج .
كان زواجها منه موضوع نقد وذم وسخرية لأنها تزوجت من رجل أسود؛ لم تنج جيسسي من الإهانات : كيف سيدة شهيرة جميلة مثقفة تتزوج من هذا الأسود إلخ إلخ . ثم رُزقا بطفلا واحدا . في الحرب العالمية الأولى تطوع في الصليب الأحمر وشاهد الويلات والضحايا وأنتج في تلك الفترة عدة لوحات حول كوارث الحروب والدمار .
توفيت جيسسي أولسون عام ١٩٢٥، و توفي هنري بعدها في ٢٥-٥-١٩٣٧ ودفن بجانب زوجته قرب مدينة باريس في فرنسا .