بقلم: عادل عطية
في مرحلة تمدّرسنا الابتدائية، كان لنا زميل في صفنا من أصعب الشخصيات التي يمكن أن تواجهها في حياتك، خاصة لو كانت فيمحيط تعاملك القريب!
ومع انني، وزملائي، كنا ننفر منه ونتجنبه، لعنفه وعدوانيته التي لا حدود لها، إلا أنه رأي في يوم من أيام شره أن يتنمر عليّ، وقد آلمنيذلك أشد الألم!
وعندما عرضت الأمر على أبي، ربت على كتفي في حنان أبوي، وقال لي: “يجب أولاً، أن تشكر الله على طبيعتك الهادئة المسالمة. كما يجب أن ترثي لحال زميلك وتطلب من العلي القدير أن يساعده في الانتصار على طبعه الحاد العنيف، فهو قبل كل شيء مريض بداء الشر. وأن تجتهد في ألا تكون مساوياً لخصمك، لكي تتمكن من السيطرة عليه”!
ولما رأى والدي أن كلامه لم يُغيّر من معاناتي شيئاً، طلب مني أن نخرج سوياً للتنزه. وبعد قليل كنا عند جرف النهر، الذي يمر في مدينتنا، وهناك أخذ بيدي، ولما اقتربنا من المياه، قال: “الماء يبدو أنهأكثر المواد المرئية نعومة واعتدالاً، كما يبدو هادئاً ومأموناً. وبالتالي ضعيفاً”!
وفجأة، أخرج من طيات ملابسه سكيناً مصقولاً لامعاً، هلعت من منظره القاسي. فلما رأى أبي مدى اضطرابي، أخذ يلاطفني ويهدئ من روعي حتى عادت السكينة إلى نفسي، ثم تابع حديثه قائلاً: “من ناحية أخري، يبدو السكين الذي في يدي الآن قوياً وعنيفاً، وبالتالي مخيفاً ومرعباً”. وأخذ يضرب الماء بالسكين بشدة، وبعد فترة وجيزة، رماه في النهر ليستقر نهائياً في القاع. ثم نظر إلي، وقال: “إن السكين القوي لا يمكن أن يتغلب على المياه الهادئة الساكنة عن طريق طعنها.يمكن أن يُبتلع بواسطة المياه وبذلك ينهزم. إن القوي بيننا قد يبدو مروعاً على أن صاحب القلب الطيب هو الثابت الدائم”!
عدنا إلى البيت، وأنا أشكر أبي لأنه ضحي بالسكين الجديد الثمين، لكي يعلمني درساً لن أنساه: فليس الذي يستقوي بقوته الجامحة على الناس هو الغالب، وليس الذي يعامل الشر بالشر هو المنتصر…!