ترجمة: إدوار ثابت
الشركة بين الناس غالباً لا تجدي ولا سيما إذا كانت مع متسلط مستبد عنيد متصلب الرأي لا يراعي رأي غيره ولايقنع به. هذا ما تعرضه هذه الحكاية فهي تحكي أن عجلة وماعزة ونعجة كونوا شركة مع الأسد أتفقوا فيها معاً على الربح والخسارة . ففي يوم تصطاد العجلة غزالاً تحمله إلى أختيها فيأخذنه إلى الأسد فيقبل نحوهن وقد أتنفرت مخالبه ويقول لهم وهو يحصي بها أن يقتسموا الفريسة إلى أربعة أجزاء كعددهم وأن يكون لكل منهم جزء فيطأطئن رؤوسهن ينتظرن ماذا يفعل ولكنه يعطي لكل له لمكانته وحقه وشجاعته ويهددهن إن أعترضن عليه أو تجرأن فلمسن الفريسة وها نحن نترجم الحكاية كما هي في نصها الفرنسي .
يقول الشاعر :
أنشأت العجلة والماعزة وأختهما النعجة في الزمن الغابر
شركة مع الأسد المتعجرف مولى الجوار
أتفقوا فيها معاً على الربح والخسارة
ففي شرك الماعزة وقع غزال
فأرسلته من الفور إلى شريكتيها
ويقبل الكل فيأخذ الأسد يحصي على مخالبه
فيقول : نحن أربعة فلنقتسم الفريسة
وبقدر الأجزاء قسم الغزال
فيأخذ الأول له لكونه المولى يقول في ذلك
يجب ان يكون لي والمبرر أن أسمي الأسد
وإلى هنا لم يقل الكل شيئا
أما الثاني فبالحق يحق لي وهذا الحق
تعرفونه هو حق الأكثر قوة
وبما أنني الأكثر جرأة فأنني أطمح في الثالث
« وإن لمست أية منكن الرابع فسوف أخنقها فوراً»
وهكذا يستولى الأسد على كل ما بينهم ويهدد من يعترض منهن – ومن ذلك يبدو مغزى الحكاية وهو مغزي ضمني ولكن يمكن أستنتاجه بسهولة وهو أن الشركة مع المستبد القوي ليست مضمونة أو مطمئنة وإن كانت الرغبة فيها من الطير المتواضع والمرن المتساهل هي الحماية التي ينشدها من القوي فهذا المتسلط يهدف قبلها إلى حماية نفسه وتنفيذ ما يسعى إليه وكأنما الشاعر يحذر من مثل تلك الشركة التي تكون خسارتها أقرب منها إلى الربح .
ثم هل نقول أن في الحكاية مع هذا المغزى الاجتماعي وما فيه من تحذير مغزى سياسياً كالكثير من حكايات الشاعر التي يرمز فيها إلى الملك بالأسد وهو ملك الغابة كما يقال عنه ولهذا نراه يرمز إلى السلطة المطلقة المستبدة التي كانت في يد لويس الرابع عشر وقراراته التي يعطي لنفسه فيه فيها الحق والتي يراها دائماً هي الصواب فينتقدها ويسخر منها ويكون الحق بها مع الأقوى وإن أختلفت مبرراته فينتقد ويسخر معها من طغيانه وتهديده من يعارضه أن يتعرض للضرر والعقاب . فهل يمكننا أن نقول أن بالحكاية هذا المغزى السياسي أما نحن فنقول نعم تتضمنه . ولكن الشاعر يكتب أن الحكاية حدثت بالزمن الغابر فلا تهدف بذلك إلى الزمن الذي كان به والذي يحكم فيه الملك لويس الرابع عشر فرنسا وإنما تتحدث عن أيام مضت قبله أما نحن فنقول أن في المر النفي والتأكيد معاً ولكن كيف يحتمل الأمر المنفي والمؤكد معاً أو الإخفاء والكشف أو الشك واليقين في نفس الوقت ؟ ذلك لأن في أنكار الشاعر تلك الخشية وذلك الخوف اللذين يتملكان ويمسان الكتاب والأدباء فيحرصون فيهما على ألا يصرحوا في وضوح بما يرغبون الأفصاح عنه حتى يتجنبوا من السلطة المستبدة ضرراً أو عقاباً يتعرضون لهما فإذا هم يكتبون عكس ما يهدفون إليه ويتركون للمحللين والمثقفين أن يعرفوا الحقيقة فيما يخفون . أما في تأكيد الشاعر عندما يقول « في الزمن الغابر» هو ذلك الأسلوب الذي يستخدم فيه الكتاب والأدباء بما يستخدمون تلك الصيغ الأدبية كالرمز والأستعارة وغيرهما فلا يكتبون في تصريح ماذا يرغبون .
والشاعر أستخدم هنا التورية وهي أن تحمل كلمة أو جملة صغيتين أولهما الواضحة ولكنها ليست الحقيقية وثانيهما الخفية ولكنها الحقيقية فلفظ التورية من ورَّ عن الشئ أو الشئ أي أخفاه وأبدى غيره وحجبه ولهذا فقد يغلفها التناقض ولكن هذا التناقض يمكن معرفة جانبيه أو بعديه وإلى ماذا يرمي جانب منه في التدقيق والتفهم وتحمل شيئاً من الغموض ويمكن كشفه بالتبصر فيه والبحث عن عما يحويه . وهذا ما فعله الشاعر بهذا الأستخدام عندما كتب تلك الجملة وكأنما يقول مثلما حدثت هذه القصة في الزمن الغابر فهي تحدث في الوقت الحاضر فإذا هو يشبه بعض الذين يقولون ذلك المثل الشعبي العامي عندما يرون شخصاً يلمح إلى شيء غير ما يقوله فيقولون هم : « الكلام لكِ يا جارة» .