بقلم / مسعود معلوف
ترتبط الولايات المتحدة بالمملكة العربية السعودية بعلاقات قوية منذ تأسيس المملكة في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي. تشمل هذه العلاقات الشؤون الإقتصادية والتجارية والأمنية والثقافية في إطار من التعاون، وتُعتبر المملكة من أهم حلفاء أميركا ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، بل أيضا في العالم.
من تجليات هذه العلاقات الثنائية القوية أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قام بأول زيارة خارجية له بعد تسلمه الرئاسة الى المملكة خلافا للتقليد السائد إذ أن الرئيس يزور أولا دولة قريبة مثل كندا أو المكسيك، أو دولة حليفة مثل بريطانيا.
ولكن مقتل الصحافي السعودي في صحيفة الواشنطن بوست جمال الخاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول عام 2018، واتهام السلطات السعودية وعلى رأسها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بموافقته على ذلك، وتصريحات المرشح الأميركي للرئاسة آنذاك جو بايدن التي طاولت ولي العهد بالذات، وتأكيد بايدن في حملته الإنتخابية وبعد فوزه بالرئاسة على موضوع حقوق الإنسان في انتقادات واضحة للمملكة، كلها أمور أدت الى تعكير نسبي للعلاقات الثنائية.
العلاقات الممتازة والتاريخية القائمة بين هاتين الدولتين لا تعني بالضرورة عدم حصول اهتزاز ما أو بعض التوتر في هذه العلاقات، كما أن حصول بعض التوتر أو إهتزاز ما لا يعني بالضرورة عدم استمرار العلاقات الممتازة.
منذ تسلمه الحكم الفعلي للمملكة، سعى ولي العهد الى تحقيق إستقلالية نسبية في قرارات ومواقف الحكومة السعودية في بعض مجالات السياسة الخارجية، دون التنسيق المسبق مع الولايات المتحدة كما كان يحصل في السابق، ولكن هذه الإستقلالية في القرارات السعودية تعززت بعد تسلم بايدن الرئاسة.
من هذا المنطلق، يجدر توضيح بعض المسائل السلبية التي طرأت على العلاقات الأميركية-السعودية في الآونة الأخيرة.
أولا، بالنسبة الى روسيا: لقد سبق للأمير بن سلمان أن زار موسكو عام 2017 حيث بدأ مسار التقارب الروسي-السعودي كما أن الرئيس فلاديمير بوتين زار المملكة السعودية بعد عامين من ذلك وهاتين الزيارتين نتج عنهما تعزيز واضح للعلاقات الثنائية ما أدى الى بعض الإمتعاض لدى واشنطن كون علاقاتها في ذلك الوقت مع موسكو لم تكن على ما يرام.
ولكن ما جعل الولايات المتحدة تستاء من مواقف المملكة تجاه روسيا كان رفض الأمير بن سلمان تلبية طلب بايدن بزيادة انتاج البترول وتصديره الى اوروبا لتعويضها عن النقص الناجم في وصول البترول الروسي الى دول الإتحاد الأوروبي نتيجة للعقوبات المفروضة على روسيا بسبب حربها على أوكرانيا.
كذلك فإن قرار المملكة مع دول أوبيك تخفيض انتاج البترول أدى الى ارتفاع أسعاره فاستفادت منه روسيا وهذا ما أدى الى الى امتعاض إضافي لدى واشنطن.
ثانيا، بالنسبة الى الصين: أثناء زيارة قام بها الأمير محمد بن سلمان الى الصين عام 2019، وقعت شركت أرامكو السعودية المملوكة من المملكة اتفاقا مع الصين بقيمة 10 بليون دولار أميركي لتطوير معامل صينية لتكرير البترول، كما أن الصين تأمل أن تساهم المملكة السعودية في تمويل مشروع “الحزام والطريق” وهو مشروع صيني ضخم يرمي الى تشييد بنى تحتية من طرقات وجسور وخطوط حديدية تربط الصين بعدد كبير من الدول في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا.
لقد جاء هذا الإنفتاح السعودي على الصين في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة في حالة حرب تجارية مع هذه الدولة، وقد زاد الإستياء الأميركي أيام الرئيس بايدن عندما زار الرئيس الصيني شي جينبينغ المملكة السعودية أواخر العام الماضي لتعزيز العلاقات الثنائية حيث لقي استقبالا حارا وترحيبا كبيرا من السلطات السعودية، ولكن الإمتعاض الأميركي الكبير حصل عندما رعت الصين التقارب السعودي-الإيراني حيث اتخذ في بيجينغ قرار إعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة وإعادة فتح السفارات في كل من الدولتين، علما بأن الولايات المتحدة في عهد بايدن تعتبر الصين خصمها الأول في العالم وعلاقاتها مقطوعة بالكامل مع إيران منذ سنوات عديدة.
ثالثا، بالنسبة الى سوريا: منذ فترة زمنية طويلة تفرض الولايات المتحدة عقوبات على سوريا وقد بلغت هذه العقوبات ذروتها بإصدار ما عرف بقانون قيصر منذ ثلاث سنوات، والإدارة الأميركية لا تشجع إطلاقا قيام أي تقارب مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد. بالرغم من ذلك، بدأت بعض الدول العربية إعادة علاقاتها مع سوريا، وقد كان آخرها تبادل الزيارات بين وزراء خارجية المملكة السعودية وسوريا منذ أسابيع قليلة، يضاف الى ذلك موافقة المملكة على عودة سوريا الى جامعة الدول العربية، وهذا ما أثار حفيظة الولايات المتحدة وأزعجها كثيرا.
رابعا، بالنسبة الى مجموعة البريكس: تضم هذه المجموعة كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وقد أبدت المملكة السعودية رغبة في الإنضمام الى هذه المجموعة، وفي حال حصول ذلك، فإن المملكة ستحقق مزيدا من الإبتعاد عن الولايات المتحدة وهذا الأمر، إن تم، لن يكون لمصلحة أميركا لأن المملكة في هذه الحالة ستنسق في الكثير من قراراتها الإقتصادية مع كل من الصين وروسيا التي تعتبرهما الولايات المتحدة من أكبر خصومها إن لم يكن أعدائها.
بعد هذا العرض السريع لبعض الأمور السلبية في علاقات الولايات المتحدة مع المملكة السعودية في الوقت الراهن، هل يعني ذلك أن العلاقات الأميركية-السعودية في طريقها الى المزيد من التدهور والتوتر؟ طبعا لا. فقد تحصل بعض الأمور التي تزعج هذا الفريق أو ذاك ولكن من المعروف ان كلا من هاتين الدولتين بحاجة الى الأخرى مهما شاب علاقاتهما من سوء تفاهم.
الولايات المتحدة بحاجة الى حليف قوي لها في منطقة الخليج والى موطئ قدم لمواجهة إيران من جهة ولحماية إسرائيل من جهة ثانية، علما أن اسرائيل هي من أولى الأولويات الأميركية في المنطقة. كما أن هنالك حاجة أميركية للبترول السعودي، ليس بالضرورة للولايات المتحدة نفسها التي عندها كميات هائلة من البترول ولا تستورد من المملكة أكثر من 10% من حاجاتها الإستهلاكية، وهي الآن تبتعد تدريجيا عن استعمال البترول عبر تحولها الى الطاقة النظيفة، ولكنها تود تأمين البترول لحلفائها في أوروبا واليابان ودول أخرى.
كذلك فإن المملكة بحاجة الى الولايات المتحدة كون القسم الأكبر من أسلحتها الدفاعية أميركي الصنع وليس من السهل استبداله بأسلحة من مصادر أخرى وهذا ما يقتضي سنوات طويلة للتدرب على استعمالها وعلى أمور لوجيستية عديدة ليس من السهل تحقيقها. تؤمن ايضا الولايات المتحدة غطاء دفاعيا قويا وفعالا للمملكة يصعب على هذه الأخيرة استبداله بنظام دفاعي روسي أو صيني.
فإذا كانت المملكة تود تحقيق استقلالية في علاقاتها الخارجية وهذا حق لا خلاف عليه، فإن ذلك لا يعني بالضرورة إنهاء التحالف مع الولايات المتحدة التي لها حلفاء يقيمون علاقات جيدة مع دول غير صديقة للولايات المتحدة.
ومن منطلق حرص الولايات المتحدة على استمرار العلاقات الجيدة مع المملكة، أوفد الرئيس بايد منذ أيام قليلة مستشاره للأمن القومي الى جدة للتباحث مع ولي العهد في أمور ذات اهتمام مشترك، مثل إنهاء الحرب في اليمن، والوضع في السودان، والمساعدة السعودية في إجلاء مواطنين أميركيين من السودان، كما شملت الزيارة لقاء لمستشاري الأمن القومي في كل من الأمارات العربية المتحدة والهند والمملكة السعودية لبحث وسائل التعاون الإقتصادي بين هذه الدول الأربع ربما في إطار مسعى أميركي لتعزيز التعاون الخليجي مع الهند لمنافسة الصين في هذه المنطقة.