بقلم: المطران ميلاد الجاويش
أَمَرُّ دمعة تلك التي تسقط حزنًا على وطنك، لأنّ الوطن يجاور فيك القلب. إن طُعِن، فقلبك هو الذي يُطعَن.
أحيانًا أدمع على وطني وعلى ما آلت إليه حاله. لم أتخيّل يومًا أن يوصلَه أبناؤه إلى هذا الدَرَك من البؤس. «بلد الأرز» يتناحر بنوه على وزير أو رئيس! الاقتصاد مشلول، الناس يائسون، المستقبل غامض… وقادتُه يَلهون به لَـهوَ صبيةٍ في الأزقّة.
ابيضَّ لبنانُ مؤخّرًا بالثلج وغَزَتْ صورُه البديعة مواقع الإنترنت. فتحسّرتُ، عند رؤيتها، على بلدي الذي يحكمُه السيّئون.
رأيت فأيقنتُ أنّ في بلدي جمالًا نثره الله ولا يكترث متى سيتآلف أهلُ الحكم،
ووردةً تنمو ولا تأبه إن أُلِّفت حكومة أم لا،
ونحلةً تستنشق العبير ولا يهمّها كم سيأخذ هذا الحزب وذاك من حصص في الحكم،
وأشجارًا رأسها في السماء… كي يبقى في الأرض كرامة،
وطبيعةً تحكي لغةً أخرى لا يفهمها إلاّ من أحبّ الله وأحبّ لبنان.
كلّ شيء يُبكيني على بلدي: إن شاهدتُ صُوَره، إن سمعتُ فيروز، إن التقيت لبنانيًّا مبدعًا في الغربة… الواقع مرّ، والأمرُّ يأسُ الناس.
اللبنانيّون بدورهم ليسوا بريئين. أغلبهم تزلَّف وتزلّم لهذا الزعيم أو ذاك.
أين الشباب خرّيجو جامعاتنا الشهيرة؟ يشتمون بعضهم بعضًا.
أين وديعو القلب؟ أصبحوا قساةً غلاظ الرقاب.
أين المتنوّرون؟ انطفأوا وانكفأوا.
أين المثقّفون؟ ضلّوا هم أيضًا في متاهة الآراء السياسيّة المتناقضة.
بلدي لم يعد نورًا، «بلدَ الحضارة» كما قرأناه في الكتب.
نظمَ سعيد عقل في كتابه قدموس: «وطني الحبُّ، ليس في الحبّ حقدُ». فإذ بالحقد يملأ وطني. شبابه يجرّحون بعضهم بعضًا على صفحات التواصل الاجتماعيّ من غير خجل ولا وَجَل.
نظم أيضًا: «وهو نورٌ فلا يضِلُّ فَكَدٌّ ويدٌ تُبدعُ الجمالَ وعقلُ». فإذ بنا لم نعد نحصي أُدباءنا بل صواريخنا. لغتنا باتت لغة حرب.
اللبنانيّون ليسوا بريئين. أغلبهم اتَّسخ. تلوّثَ العقل فيهم وفسُد. يحشدون لطوائفهم، حتّى لو لم يدخل معظمهم كنيسةً أو مسجدًا. لو اختَلَوا ولاقَوا ربّهم في السماء لَتابوا ولاقوا إخوتهم في الوطن.
لبنان، لم نعرفه هكذا وضيعًا كما هو حاله اليوم. فرجاءً، لا تُنزلوا هذا البلد من عيون محبّيه…
هو أيضًا يدمع على أبنائه. ودمعة الوطن، ما أمرَّها!