بقلم: نعمة الله رياض
في يوم من أيام شهر فبراير ، كانت السماء ملبدة بالغيوم، والضباب الكثيف يغلف كل شيء، كان الصديقان تامر ومنصور يتلمسان طريقهما في تلك العتمة الكثيفة حتي انهما لا يستطيعان رؤية موطئ لقدميهما . سارا سوياً متلاصقين وصامتين. وكانت الريح المشبعة بالرطوبة تضرب وجهيهما مباشرة، بينما خشخشة الأشجار الكثيفة تنثر قطرات الماء عليهما، لو لم يكن محدداً لتامر موعداً للمقابلة بخصوص التعيين في وظيفة مدير عام لشركة كبري لمنتجات الألبان ، لما غادر هو وصديقه مقر إقامتهما المؤقت في الفيوم .. كان لتامر خبرة كبيرة في الزراعة وتنسيق الحدائق، اكتسبها بحكم تخرجه من كلية الزراعة ومن عمله في مشروعات الدولة العامة والخاصة، بالإضافة إلي دراسته في بعثة طويله في هذا التخصص في الدنمارك .. كان تامر يتمتع بالذكاء وسرعة البديهه والنشاط والإخلاص فى العمل، ورغم ان عمرة تعدي الأربعين سنة ، فإنه كان أعزب ولم يفكر في الزواج ..
قرأ تامر إعلان التوظيف بتمعن وادرك ان فرصته كبيرة لكي يفوز بالوظيفة ، بل انه كان يحقق اكثر من متطلباتها .. أرسل البيانات والمعلومات المطلوبه للشركة وسرعان ما تلقي دعوة منها للحضور لإجراء الاختبار الشخصي ، تذكر تامر أن صديق الطفولة منصور يشغل الآن وظيفة حكومية في مدينة الفيوم ويقيم فيها، فاتفق معه أن يرافقه في الذهاب لمقر الاختبار الشخصي، حيث انه لم يذهب للفيوم من قبل ، تصادف أن الأحوال الجوية في هذا اليوم كانت سيئة للغاية ولكن لم يكن أمامهما إلا المجازفة بالذهاب لمقر الشركة في الموعد المطلوب .. بدأت المقابلة التي حضرها تامر وصاحبة الشركة وهي سيدة في منتصف العمر، حسناء الوجه، ممشوقة القوام ، واضح من مناقشتها معه انها علي دراية تامه بكافة تفاصيل العمل وانتهت المقابلة بقبول توظيف تامر وابلغته صاحبة الشركة ان عليه إستلام العمل في غضون ثلاثة ايام علي الأكثر ..
في طريق العودة قال تامر لمنصور:-
قل لي بماذا أدين لكً “فأنا أكره أن أكون مديناً لأحد بأي شكل، ولقد سهرت معي قبل يومين من المقابلة في تجميع معلومات عن الشركة التي أتقدم للعمل بها ، قال منصور :-”كيف يمكنك أن تتكلم على هذا النحو؟ ما هذا الدين الذي تفكر فيه ؟ أنت لا تدين لي بشيء. بل أنا مسرور لنجاحك الباهر في المقابلة، واسمح لي أن أعرض عليك إقتراحاً نعمل علي تنفيذه سويا للحصول علي افضل النتائج والوصول الي نجاح يخلب الألباب ، وهو أني مستعد للتفرغ من عملي لتوفير المساعده اللازمة لك يا صديقي العزيز- اشكرك يا منصور علي كل ما قدمته لي ، وسأقترح علي صاحبة الشركة تعيينك مستشاراً لي ، وهكذا يمكننا التعاون سوياً لتحقيق الإزدهار والنجاح للشركة .. ظهرت بوادر النجاح في زيادة أرباح الشركة وشغلها مركزاً متقدماً بين الشركات المنافسة.. في الإجتماع الأسبوعي الذي تعقده صاحبة الشركة، مدحت فيه مجهود تامر المدير العام الجديد ، وقررت صرف مكافأة له ولفريق عمله .. شعر منصور بأن تامر ينال كل التقدير وهو لا يحصل علي ما يستحقه نظير مجهوده الإستشاري وإتصالاته مع العملاء ،وهو سر النجاح المتعاظم للشركة، فطلب مقابلة صاحبة الشركة وأوضح لها قائلاً :- صحيح ان تامر حاصل علي أعلي المؤهلات في تعليمه الجامعي وانا لم أحصل الا علي مؤهل متوسط ، لكني كونت في تعاملاتي الوظيفية السابقة في الوزارة ،اتصالات لتسويق منتجات الشركات لسد حاجة الاسواق المختلفة ، وهي خبرة تؤتي ثمارها كما لمسناها جميعا.. قالت له صاحبة الشركة :- أنا أقدر مجهودك يا أستاذ منصور ، وأرجو أن تستمر زياراتك لمكتبي لتطلعني علي أخبار الإدارة ،ولتكن هذه الزيارات كل اسبوع بعد مواعيد العمل الرسمية ، ولا داعي أن يعلم الأستاذ تامر بهذه الزيارات .. لاحظت صاحبة الشركة اثناء مقابلة منصور، انه يختلف كل الاختلاف عن الآخرين فهو فارع الطول وسيم الوجه رياضي الجسم ، وذوقه راقي في اختيار ملابسه المصنوعة من أفخر الأقمشة، وحذاؤه المصنوع من الجلد الطبيعي الفاخر ، هذا عدا الخواتم الماسية والسلسلة الذهبية التي يرتديها علي الدوام، ولم يكن ثمة شك أن منصور كان غاية في الأناقة، بالاضافة لفهمه – وهذا هو الأهم – لدقائق وتفاصيل اقسام الشركة وأسرار العمل بها، فنال ذلك إعجابها به أيما إعجاب … كانت صاحبة الشركة تلاحظ باهتمام التنافس بين تامر ومنصور الذي تطور إلي حرب باردة بينهما للفوز بتقدير صاحبة الشركة وبذل كلا منهما أقصي جهدة لتحقيق النصر في هذا السباق ، لكن منصور أثبت تفوقه بفضل اهتمامه بعلاقاته الشخصية بمديري الأقسام وصاحبة الشركة والتي كان يوافيها بكافة اخبار سير العمل في اجتماعهما الأسبوعي .. اسفر ذلك عن ترقية منصور إلي مستشار لرئيس مجلس الإدارة وهو منصب أعلي من وظيفة تامر .. أحس تامر بوضعه الجديد فقال لمنصور:- بما أننا الآن نتعامل معاً كندين، وقد ترعرعنا معا منذ الطفولة ً، ألا ينبغي أن نتعامل معا كصديقين ونرفع الكلفة بيننا .
قال منصور :- اسمح لي أن أقول لك ان بعض الناس تقشعر أبدانهم عندما تخدش لوح زجاجي بمسمار، وهذا تماماً ما أحس به حين تحدثني بنبرة الند والألفة. إنني أشعر وكأنني ارتددت إلى مكانتي الأدني بالنسبة اليك، لهذا السبب لا أستطيع أن أسمح لك برفع الكلفة معي ..شعر تامر بالإهانة الشديدة من كلمات منصور التي أصبحت غصة في حلقه، وعمل كل واحد منهما علي الإيقاع بالأخر، في صبيحة يوم من الأيام فوجئ الجميع برجال الشرطة يحاصرون مبني الإدارة ويفتشون مكتب المدير العام تامر ويعثرون علي لفافة كبيرة بها مخدرات ، فيتم القبض علي تامر ويسلم للنيابة .. توطدت العلاقة بين منصور وصاحبة الشركة واتفقا علي الزواج واحتفل الجميع بهذه المناسبة احتفالاً مبهراً ، عدا تامر الذي كان قابعاً في السجن ينتظر المحاكمة …