بقلم: تيماء الجيوش
مناهضة النسوية و النسويات أمراً ليس بالجديد بل له جذور تاريخية رافقت نشأتها و ظهورها الاول. في البدء كادت النسوية أن تكون كلمةً سيئة بل و حتى نوعاً من الشتيمة والسباب وهي لا تزال كذلك في بعض المجتمعات المتخلفة ما دام البعض يعتبرها أي النسوية أمراً مزعجاً، خطيراً ، مُربكاً و لابد من انهائه و عدم الاعتداد به على اقل تقدير. .
على أية حال و تعريفاً مناهضة النسوية هي: معارضة المبادئ و الأفكار و القيم النسوية في مطالبتها بحقوق المرأة و المساواة ، و هي لا زالت تأخذ أشكالاً متنوعة على امتداد تاريخها. و لا زال العداء للنسوية في جانبٍ أساسي منه يرتكز على وجود فرقٍ بيولوجي جسماني بين الرجل و المرأة. و جديرٌ بالذكر أن من يناهض النسوية هم رجال و نساء بذات الدرجة و لطالما كانت بعض النساء أشدُّ شراسةً في مناهضة النسوية و النسويات. وإذا كان لا بد لنا من أن نفهم أسباب محاربة النسوية ،أبعادها، نتائجها فلا بد من فهم تاريخها .
فهي ليست بالأمر الحديث أو الطارئ ، بل تعود بجذورها الى نشأتها في أوروبا في القرن التاسع عشر و امتدادها الى امريكا الشمالية و الى بقية المناطق تباعاً . جنح البعض الى المبالغة و الخروج عن دائرة المنطق في محاربة النسوية بل و حاول أن يجد حججاً علميةً مُقنعة تدعم ما يناقشه و يهدف إليه من إبعاد المرأة عن الحياة العامة و مشاركتها الاقتصادية و السياسية ، حتى وصل الأمر بأحدهم و هو من جامعة هارفارد أن قال: إن دخول المرأة عالم العلم و الثقافة و تزودها بهما يمُكّن المرأة من أن تكون أكثر ذكاءً (يصبح حجم العقل أكبر) و لكنه بالنتيجة سيؤدي الى ضمور رحمها و إنجابها للاولاد.كان هذا في العام ١٨٧٣ أي من حوالى قرنٍ و نصف ، و على ضعف هذه الحجة و خلوها من المنطق و العلم لكنها عكست تياراً حاملاً لأنحيازٍ تام ضد تغيير الأدوار الأجتماعية أي تغيير دور المرأة و مثل هذه الآراء على سذاجة حجتها زادت من حجم التأثير السلبي لتغيير مثل هذا الدور على الأسرة و النسيج المجتمعي ككل،كما عكست ثقافة و فكر من يحارب النسوية و يعدُّ المساواة أمراً كارثياً ، فوضوياً لا يمكن له أن يعود بنفعٍ مجتمعي أو أسري.
النسوية في العالم العربي لم تكن بمأمن أيضاً فحالها حال الحركة النسوية في الكثير من البلدان، فقد حوربت و دون هوادة و لا زالت حتى الان.
و كان لها أن تُجابه الحجج الواهية في مناهضتها و منها أن المساواة في الحقوق ستقوم بسلب المرأة مكانتها المميزة من حيث أن هناك من يُعيلها وأن هذا واجباً عليه سواء كان أباً ، أخاً، جداً، أو أي قرابةً عصبية بالعموم و بالتالي هي معفية من العديد من المسؤوليات الاقتصادية -الاجتماعية و المالية و منها العمل الذي يعتبره الجناح التقليدي مهانةً للمرأة و تقليل من شأنها و ليس ممارسةً كريمة لحقٍ أساسي لها. و هذا حديثٌ لا يُعوّلُ عليه ما دام الضرر الذي يلحق بالمرأة هو من الفداحة بمكان. فلا يمكن لعاقل أن يقبل لإمرأة أن تكون حبيسةً مرتهنة لدورٍ مختزلةً فيه و مجتمعها باكمله يحتاجها شريكةً حقيقية تعمل مناصفة مع الرجل من أجل مستقبلٍ مغاير بشرائطه و نوعيته و حفظه للكرامة الإنسانية . و يُسجّل للحركة النسوية العربية أنها تقف دون دعمٍ يُذكر و بشجاعة في وجه ممارساتٍ ثقافية و اجتماعية و قانونية يندى لها الجبين. النسوية العربية كانت ولازالت تشهد تجدد مسارات الثقافة على ضعفها وتفاعلها مع عوامل عديدة و تأثرها كماً و كيفاً في منعطفاتٍ متنوعة الى جانب الوعي الفردي و الاجتماعي و كلاهما لم يختلفا حالاً، فكلاهما كانا حاملاً و محمولاً. و يُسجّلُ للنسوية العربية في ظل هذه الظروف المعقدة أنها لم تنفك و هي تسعى و بجهدٍ مُضاعف لأن تُحدث تغييراً ضمن عوامل من بؤسٍ على صُعدٍ مختلفة ناهيك عن النمطية وإعادة انتاجها دون كلل، ثم الحلم بالحداثة التي تقف عند نقاط لا تتجاوزها الى عمق مسألة الحقوق و المساواة و تجاوز الإرث التقليدي الذي أثقل كاهل مجتمعاتٍ عربية بأكملها.
المثير للأنتباه و السخرية معاً في العالم العربي أن هناك من النساء من يناهضنّ و هنّ من يُدافعن عن الدونية و محاربة مطالب النسويات دون هوادة في المساواة و احترام الحقوق . و لهنّ في هذا باع طويل و الأمر ليس ببساطة القول أن لهنّ حمايةً ذكورية- اجتماعية-ثقافية و حسب تمنحهم المساحة و الأدوات ، بل الامر هو قرون متراكمة من إختزال المرأة و امتهانها، و مصالح بالغة التعقيد و استراتيجية تستقي منبتها من البنى التقليدية و المتخلفة و المراجع البعيدة عن الحداثة و الإبقاء على ثقافة بالية عفى عليها الزمن و لا نجافي الحقيقة إن قلنا أن هذا هو مكمن حمايتهن الحقيقية. هذا التواطئ بين الذكورية و أعني هنا ذكورية بعض الرجال و بعض النساء على حدٍ سواء و ما بين البنى الاجتماعية التقليدية المتخلفة هو ما أبقى النساء عامة مهمشاتٍ و مُعنفات.
يستوي في هذا تنوع الصور و الأمثلة من النسوة من تأتي و هي ممن لم تنل حظاً كافياً من الثقافة و التنوير و تتموضع كي تنال من نسويات يُطالبن بالكرامة بناء أسسٍ قانونية حداثية ، مناقشة الحقوق الاساسية من تعليم و عمل و جنسية و طلاق و احترام حق الحياة و المشاركة الكاملة غير المنقوصة في بناء المجتمع سياسياً، اقتصادياً و ثقافياً ، بل و تهزأ بالنسوية و مبادئها و تنتقل غير مترددة في هجومها الى النسويات لتُلقي عليهن من فقرها و عوزها الفكري و ما يفيض من سبابٍ و تشكيك و بكل ما تفيض به عقدتي الدين و الجنس من الكفر الى الإلحاد الى العلاقات المُحّرمة ….الخ في مجتمعات ليس لديها نسبةً يُعتدُّ بها من حيث الوعي المعرفي و الفكري للتحليل و الدراسة و فهم المنطق الذي تستند اليه الحركة النسوية و ما تدعو حقاً إليه ، بل والى الان تُستخدم عقدتي الدين و الجنس و بشكلٍ منهجي في مهاجمة أي نقاشٍ يكون محوره حقوق المرأة كجزءٍ من حقوق الإنسان أو احترام مبدأ المساواة الذي تستند اليه المجتمعات الديمقراطية . المرأة هنا لا ترى في المرأة النسوية إمرأةً مثقفة تتمتع بالعلم و المنطق و الحجة و الإدراك و الثقة بالنفس ، لاترى فيها مدافعة عن حقوق المرأة و كرامتها ولكن ترى فيها عدواً لا بُدّ من اجتثاثه.
عندما نذكر النسوية وماهية عملها و ما انجزته و ما عانته وكيف هوجمت وأية أبواقٍ تقليدية وُظِفتْ لهذا الامر فإننا أيضاً و من مبدأ احترام حقوق الإنسان و بكل بالتأكيد ندفع لاحترام حرية التعبير و الرأي الاخر و الاختلاف الذي يُغني المجتمعات. غير أن الحركات المناهضة للمرأة و مناهضة النسوية يمكنها أن تُنتج العديد من العواقب الوخيمة و منها إنكار العنف ضد المرأة أو ثقافة الاغتصاب او العنف الاجتماعي القائم على الجندر .
خلال عملي كمحامية و باحثة أشعر بالسعادة و التقدير لكل من دعم عمل النسويات عموماً و عملي الذي يدعو لتغيير الأسس القانونية البالية و تعديل القوانين و منها انهاء جرائم الشرف ، زواج الصغيرات، الحق في الطلاق ، الحق في الإرث، الحق التعليم ، و كل ما ينضوي تحت حقوق الانسان ….الخ . و بذات الوقت أعلم يقيناً أن ضحالة الوعي و الثقافة ولدى البعض رجالاً و نساءً و رغبتهم في بقاء العفن التقليدي تدفعهم الى مزيدٍ من الضراوة. ألم يحن الوقت كي تُقرأ و تُفهم النسوية بطريقةٍ علمية؟ ألم يحن الوقت أن تُنهوا إستخدام كل ما تشحنه المخيلات المريضة من سبابٍ و تُهمٍ شعبوية ضد النسويات ؟؟ أضع السؤال و أنتهي بالقول دعم الحركة النسوية بات أمراً ضرورياً كي نصل الى مجتمعاتٍ صحية ترقى الى مستوى الكرامة الإنسانية.