بقلم: سليم خليل
خضعت البضائع اليابانية لرسوم جمركية أعلى من مثيلاتها في الأسواق التابعة للنفوذ الغربي وتوقف هذا التمييز بعد استقلال الدول من الإستعمار . لكن الغزو الياباني للأسواق العالمية بدأ في الخمسينات من القرن الماضي مع إختراع الترانزيستور.
بالرغم من أن الإختراع تم في مختبرات شركة – بل – للهاتف كانت اليابان المستفيدة الأولى من الإختراع صناعيا وتجاريا و غزت كافة الأسواق العالمية بالأدوات الكهربائية مثل الراديو والمسجلات الصوتية والتلفزيون والكثير الكثير من الآلات المنزلية والصناعية إلخ…
كانت هناك ضجة كبيرة من الدول المنتجة لذات السلع ضد اليابان بدون عقبات لتصدير السلع اليابانية لأن أكثر المصانع اليابانية كانت مرتبطة برؤوس أموال أميركية مثل غيرها في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية التي إزدهرت بمشروع مارشال الأميركي لإنعاش العالم بعد الدمار الشامل من الحرب .
يمكن القول إن الإقتصاد الأميركي تضرر مثل غيره وعانت أميركا من المضاربة والبطالة في اليد العاملة وتبلور هذا الوضع السلبي بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي في الثمانينات من القرن الماضي والحملة الأميركية لتشجيع الدول المستفيدة من الأسواق الأميركية وخاصة اليابان لإستيراد المنتجات الأميركية بهدف معادلة الميازين التجارية التي أَهملت خلال الحرب الباردة لكسب النفوذ والتبعية .
في تلك المرحلة قام الرئيس الأميركي جورج بوش الأب بزيارة اليابان مع وفد إقتصادي ضمنه أربعة رؤساء شركات سيارات أميركية لتشجيع اليابان لشراء المنتجات الأميركية ومعادلة الميزان التجاري بين البلدين . هناك أجمعت الصحافة اليابانية على توجيه كلمة للرئيس بوش بما معناه:
- سيادة الرئيس قل لرؤساء مجالس إدارة شركاتك أن يعملوا أكثر ويقبضوا أقل .
المعروف أن رواتب المدراء الأميركيين بالملايين سواء ربحت أو خسرت الشركة وإذا خسرت الشركة يكون سبب الخسارة المضاربة اليابانية. أما في اليابان فإذا خسرت الشركة يخسر المدير عمله ويمكن أن ينتحر ؛ لذلك تكون تضحيته لنجاح شركته هائلة لأن نتائج إدارته لمركزه في الميزان .
في اليابان كما في الصين كلمة إجازة للعمال والموظفين غير موجودة ولا معروفة وحدثت ضغوط من منظمات حقوق الإنسان على البلدين لإجبار العمال أن يتمتعوا بنوع من الإستراحة بعد العمل المضني والساعات الإضافية .
في آخر السبعينات والثمانينات من القرن الماضي نعمت الكرة الأرضية بإزدهار هائل نتيجة حرب صدام العراق وإيران ؛ بلدان غنية بثروات نفطية وطبيعية هائلة ؛ وحدثت تطورات مثيرة عالميا: إحتلال روسيا لأفغانستان سبع سنوات ثم إنسحابها ؛ إنهيار وتفكك الإتحاد السوفييتي وإنضمام دول أوروبا الشرقية للإتحاد الأوروبي ؛ وقرار إعتماد اليورو كعملة موحدة في أوروبا.
نتيجة هذه التطورات إنعدمت المنافسة على النفوذ في العالم الذي دخل مرحلة حرجة بمستقبل غامض وخرج الإقتصاديون بقرارات العولمة الإقتصادية وفتح الأسواق التي كانت لصالح الصين التي انطلقت ككقوة إقتصادية غزت الأسواق بكاملها الغنية والفقيرة وبكافة أنواع السلع بدون إستثناء ؛ يالإضافة إلى توقيع إتفاقية السوق الحرة في أميركا الشمالية – الولايات المتحدة-كندا-المكسيك التي كانت لصالح المكسيك لرخص اليد العاملة فيها وإنتقال الإنتاج الصناعي إليها !!!!
المواجهة ضد الصين تختلف عن المواجهة ضد اليابان !!!
في اليابان كان وما يزال للشركات الأميركية حصص هامة في الشركات اليابانية وترفَعت اليابان عن تصدير السلع البسيطة الإستهلاكية وتخصصت بالتقنيات الحديثة والجودة وواجهت مضاربة من كوريا الجنوبية وتايوان وأفلست شركات عالمية يابانية نتيجة المضاربة ؛ بينما الإنتاج الصيني شمل كافة السلع وتحولت الشركات الأميركة للإستيراد من الصين مستفيدة من مغريات الأسعار الزهيدة التي يمكن وصفها -أسعار سياسية- لأنه لا يوجد رابط بين سعر الكلفة وسعر المبيع، حققت الشركات أرباح كبيرة على حساب الكثير من المنتجات الأميركية المحلية التي أغلقت مصانعها نتيجة المضاربة الهائلة. هذه الأوضاع شكلت خطرا على كافة الأسواق والبلدان في العالم أجمع ؛ وسيستمر الخطر إذا لم تتخذ الدول خطوات جدية لحماية إنتاجها المحلي بمنع الإستيراد أو بالرسوم الجمركية المرتفعة ؛ وهذه خطوات صعبة لأن المستهلك إعتاد على شراء سلع رخيصة وهذا يرفع من قيمة العملة المحلية وقوتها الشرائية ؛ وأي تغيير في هذا المجال يمكن أن يهز الأسواق إلى سلبيات لا تعرف نتائجها !!! تعيش الكرة الأرضية حاليا هذا الإضطراب بإتخاذ قرارات ثم التراجع عنها دون رسم طريق واضح للإقتصاد العالمي.
تشكل الصين جزءا من المشكلة لأن الشركات التجارية في الأسواق الحرة لن تتردد في إيجاد البديل عن الصين لإيجاد سلعا جيدة بأسعار أرخص من الصين كما حدث يوم تحولت الشركات من اليابان إلى كوريا تايوان وهونغ كونغ وغيرها .
غموض كبير في الأسواق المالية والأحوال الإقتصادية !!! يستحيل الإستمرار بالعولمة وفتح الأسواق !!! بطالة عارمة في كافة البلاد – تؤكدها المعارضة في فترة الإنتخابات – !!! عجزالدول عن إيجاد حلول !!! الحروب الأهلية محلية صغيرة لن تحل المشاكل الإقتصادية !!!!
سؤال : هل سيفتح – فايروس الكورونا- أفقا جديدة لإنقاذ الإقتصاد العالمي من الإفلاس ؟ ماذا يخطط علماء الإقتصاد للمستقبل خلال إغلاق الأسواق وتعطيل الخدمات الغير ضرورية والمرافق العامة ؟ أسئلة تنتظر الكرة الأرضية الخلاص على يد العلماء بالإساليب السلمية .