بقلم: كنده الجيوش
ليس في الأمر من أفكار كثيرة متشعبة وإنما هي فكرة بسيطة هي كيف أن شيئا ما ماديا مثل منزل تصبح له قيمة معنوية وروحانية كبيرة .. وهي فكرة أيضا تقارب مثلا قيمة الأرض للفلاح .. وتستعير … ونرى الكثير من الأعمال الفنية والمسلسلات العربية من مختلف البلدان العربية والأجنبية تتحدث عن هذا الأمر وتظهر جوانبه الإنسانية.
وكم يصعب على الكثير منا أن يتخلى عن تاريخه وذكرياته .. أو يبيع .
المنازل في المدن .. أو مجرد أن يغادرها إلى بلاد أخرى ويرحل.. هذه البيوت تمثل محبة قائمة وذكريات كثيرة وخاصة إن عاش بها مدة طويلة أو توارثوها عن الأجداد.. وهنا تصل معنوياً إلى مقام يعلو على أنها مجرد جدران أو مجرد بيت.. هي بيت عائلة بكل تفاصيله الإنسانية البسيطة ، هو حيث عاش فيه أبناء كبروا وقبلوا أيادي أبيهم ، واحتضنتهم أمهم، ولعبوا في ثناياه ، ذاكروا كأخوة معاً، وتسامروا مع الأصحاب والجيران.. ولكن الحياة العملية تفرض أحيانا الابتعاد وان يكون الإنسان منطقيا وفق حاجاته.
وهي اقرب إلى أشعار نزار قباني وعشقه للبيوت الدمشقية القديمة نحافظ عليها مثل الأرض ، وبالتأكيد المفاهيم القديمة حرصت أيضا على أن البيوت لها منزلة الأرض في المحبة والحفاظ عليها.
البيوت الدمشقية تثير دوماً حنيناً خاصاً ، وربما طريقة بناء هذه البيوت توحي بالكثير من ذلك التقارب و الحنو من ساحاتها الداخلية إلى الأشجار المثمرة مثل الليمون والنارنج والأزهار والياسمينة وبحرة الماء داخل المنزل والليوان والزخارف والجدران والأثاث المتقن الصنع بأيد أحبت ما صنعت وزينته بالموزاييك تجعل من هذه البيوت عالم قائم بحد ذاته وواحة جمال وطبيعة بعيدة عن العالم الخارجي ولكنها متصلة به وبالحي بأشكال مختلفة.
هذه البيوت بعضها صغير وبعضها كبير وبعض منها فخم يقارب القصور والآخر صغير ولكنه له نفس القيمة المعنوية الكبيرة لأنها جميعا احتضنت المحبة وتسامر الأهل والأصحاب.
وطبعا مكانة البيوت المعنوية لا تقتصر على التقليدي والأثري منها فقط ، لان من عاش كذلك في شقة وأحبها وكانت له روابط روحية معينة فيها لا تقل أهمية عن البيوت الأخرى..
ومع ظروف الحرب والحياة التي عاشتها سوريا كل ما يتبقى للكثيرين منا مع كل هذا البعاد والفقدان المتعدد الأشكال هو ذكريات قليلة وهذا إن نجت هذه الذكريات من عامل الزمن والآلام التي تقع على كاهلنا وتنهش بهذه الذكريات دون هوادة مثلما تحت الرياح الحجارة القوية. … ولا تبقي على شي.
من منا لم يتألم لرؤية باب لبيت مهجور أو سقاطة باب .. وربما شكلها على هيئة يد فتاة صغيرة .. وقد اعتلاها الغبار … ولم يرحمها من امسك يدي يدق بها بشدة باب بيت رحل أهله …
الحرب مؤلمة … ولكن يبقى من الشام أبوابها الكثيرة الحانية ، يبقى منها ما هو غالٍ على قلوبنا جميعاً، يبقى منها و من أوائلها باب الجامع الأموي محتصناً للجميع وهو الجامع والكنيسة والمعبد والمزار والفضاء والأرض والسماء لكل من يلجأ إليه.
من قال هذه الأبيات …
ياطارقَ الباب رفقاً حين تطرقهُ….
فانه لم يعدْ في الدارِ أصحابُ….
تفرقوا في دروب الأرض وأنتشروا….
كأنه لم يكن أنسُ وأحبابُ….
إرحمْ يديك فما في الدار من أحدٍ…..
لا ترجُ رداً فأهلُ الودّ قد راحوا
ولترحم الدار لاتوقظ مواجعها….
للدُورِ روحٌ … كما للناس أرواحُ