بقلم: نعمة الله رياض
أطفأ حلمي ضوء المصباح المثبت علي الجدار خلفه بعد أن ظل جالساً علي الفراش يتأمل زوجته الجميلة النائمة بجواره، وجهها جذاب ببشرته الخمرية وحبات العرق تسيل ببطئ علي خديها بلونهما الوردي .. واضح أنها مرهقة بعد يوم طويل حافل في المدرسة التي تعمل بها . فتح عينيه في ظلام الحجرة كما كان يفعل في الأسابيع القليلة الماضية ، يفكر في المعضلة التي تواجه زواجهما ، لقد كان عمرها 34 عاما عندما تزوجته وكان عمره وقتها 39 عاما ، ولم يشعرا بتقدمهما في السن إلا عندما تأخرت زوجته في الحمل رغم مرور سنة ونصف علي زواجهما، في البداية لم يأخذا الأمر بجدية وقال لها دعينا نمارس الجنس بصورة منتظمة ومكثفة ، وإذا لم يحدث حمل خلال الثلاثة أشهر القادمة ، فليس أمامنا سوي عرض حالتنا علي الأطباء المختصين .. مضت المدة المتفق عليها بدون نتيجة ، بدأ القلق يتسرب لهما خاصة للزوجة التي شعرت بمرور الزمن ولا يتحقق حلمها بطفل يملأ عليها حياتها.. هذا بالإضافة لضغوط والديها ووالدي حلمي وأيضاً الأصدقاء والمعارف .. رتب حلمي زيارة لطبيب أمراض نساء وزيارة آخري لطبيب أمراض الذكورة ، طلب الأطباء عمل تحاليل كما طلب من حلمي إختبار عينة من السائل المنوي .. ظهرت نتيجة التحاليل للزوجة ايجابية وعدم وجود موانع للحمل ، بينما أظهر ألفحص المجهري لعينة السائل المنوي ان عدد الخلايا المنوية اقل من 15 مليون خلية لكل ملليلتر من السائل المنوي وهو، أقل من العدد اللازم ، بالإضافة إلى إن حركة الخلايا ضعيفة وبطيئة لإتمام الإخصاب ، وعلم حلمي أن ذلك ربما يعود لعوامل وراثية أو نتيجة للتعرض المستمر لبعض المواد الكيمائية أو لإدمان الكحول أو التبغ .. أما عن العلاج فقد علم انه يجب الامتناع عن المسببات التي ذكرت تواً وإتباع نظام صارم في الطعام والمكملات الغذائية، وقيل له ان تحسن حالته وظهور فرصة حقيقية للحمل تحتاج لبضعة أعوام حسب كل حالة..سأل حلمي:- وهل يوجد علاج فعال يمكن أن يعطي نتيجة في وقت قصير بالنظر لكبر عمرنا ؟ أجاب الطبيب:- للأسف لا يوجد حالياً علاج يعطي نتيجة في وقت قصير ، ولكن هناك أبحاث حديثة يتم اجرؤها الآن باستخدام الخلايا الجذعية الموجودة في خصية الرجل وتحويلها لبيئة ملائمة في المختبر لإنتاج خلايا منوية صحيحة ومكتملة النمو ، وتستخدم هذه الخلايا في التخصيب الصناعي للمرأة .. أدرك الزوجان انه لا توجد طريقة سريعة لتحقيق حلمهما ، حتي إن الزوج حلمي عرض علي زوجته الطلاق وإخلاء سبيلها لتحقيق امنيتها التي هي حق لكل إمرأة ، ولكنها رفضت بشدة الطلاق لإنها تحب زوجها ، بدأ الزوجان في النظر في اقتراحات الأصدقاء والأقارب واشتروا كافة العطور والتوابل الموصوفة للعلاج من محلات العطارين بلا نتيجة ، إلي أن إقترح عليهما أحد الأصدقاء أن يحضرا حفلات الزار التي تقيمها الشيخة أم سالم ولها شهرة كبيرة في شفاء الأمراض النفسية وحتي حالات عدم الإنجاب ، منها مثلا ولادة طفل لسيدة لم تنجب خلال خمس سنوات بعد الزواج.. سأله حلمي :- وما هي حفلات الزار هذه ؟ أجاب صديقه :-
الزار هو مجموعة من الطقوس الشعبية، لها رقصات وعبارات خاصة، تصاحبها دقات معينة صاخبة على الدفوف وإطلاق البخور فى طقس احتفالي لطرد الجن والعفاريت ، وتتطلب طقوس الزار وجود سيدة تكون عادةً الوسيط بين الإنس والجن، أو ما يسمى في الطقس الشعبي الملبوسين بالجن والأسياد، وعلى السيدة أن تجلس على كرسي في وسط الغرفة، ويتم ذبح أي حيوان على رأسها للتقرب من الأسياد، وتدور مجموعة من النساء والرجال حولها في رقصة معينة يحركون فيها بشدة رؤسهم واذرعتهم وأجسادهم يميناً وشمالاً ، يصاحبهم الضرب على الدفوف والطبول بصوت عالي وصاخب وإطلاق البخور، ويستمر هذا الطقس إلى أن تسقط إحدى المريضات أو الملبوسات بالجن على الأرض وتبدأ بالصراخ والتوجع أو فقدان الوعي ، وأكثر من يحضر هذه الجلسات هم النساء، وتؤدي هذه الطقوس في القرى والمناطق الشعبية مثل الغورية والسيدة زينب .. سأله حلمي :- وهل للزار تأثير علاجي ؟ أجاب الصديق :- نعم فله الفضل في علاج كثير من الحالات النفسية والهستيرية وينُظر له كوسيلة لها أثر اجتماعي ايجابي حين تتقرب الزوجة من الأسياد وتحقق طلباتهم بغرض تحسين حياتها الزوجية أو المعيشية ،سأل حلمي :- وهل للزار خصائص معينة؟ أجاب الصديق :- نعم فلهم طعام وموسيقى وأغاني وعطور وبخور وملابس ولغة محددة لهذا الطقس، فيما يتكون فريق الزار من شخصية أساسية في أداء الطقوس تسمى «شيخة الزار» وهي هنا أم سالم، ولها سالم إبنها كمساعد لها ، كما يوجد نائبة تتولى مراقبة الحفل وضبطه، والحفاظ على نيران البخور مشتعلة، وهناك شخصية «النجيبة» التي تخدم الحضور، وشخصية «الجراية» التي توزع الدعوات والرسائل، وشخصية «حبوبة الكانون» التي تتولى مهمة الطبخ، و«بنات العدة» وهن العازفات، بالأضافة إلى شخصية «العروسة» أو «المزيورة» وهي الممسوسة..عندما وصل حلمي وزوجته لمقر الحفلة في الدور الأرضي لعقار كائن في منطقة شعبية ، دفعا رسم دخول أربعمائة جنيها لكل فرد ، وجلسا مع باقي الحضور في صالة كبيرة ملحق بها غرف ، ذهب إليهما سالم مساعد أمه الشيخة ورحب بهما ونادي علي نائبة الشيخة للتعرف علي طلباتهم ، فشرح لها حلمي مشكلتهم بالتفصيل ، قالت لهما النائبة :- إن مشكلتكما لها حل ، وسنطرد الجني الذي يلبسكي ويعطل الحمل ، وسنختار في هذه الحفلة زوجتك لتكون المزيورة أي العروسة للتخلص من ممسوسها ، واصطحبتها لغرفة مطلة علي الصالة حيث تخففت من ملابسها وارتدت فستاناً ابيض ، ثم عادت للصالة بجوار زوجها في انتظار بدء الطقوس.. بدأت أصوات الموسيقي وضرب الدفوف يصدح بصوت عالي وأخذت نائبة الشيخة بيد زوجة حلمي لتنضم إلي الراقصين في حلقة الرقص وبعد وقت قليل إندمجت في الرقص وزاد إهتزاز جسمها ورأسها يمينا وشمالا حتي وقعت علي الأرض مغشيا عليها .. قام حلمي بسرعة لإفاقتها ولكن نائبة الشيخة منعته من ذلك وقالت له إنها ستذهب بها للغرفة للتخلص من ملبوسها الجني ، وطلبت أن تترك وحدها في الغرفة ، خرجت نائبة الشيخة وهمست لسالم فى أذنه فهز رأسه بالموافقة وخرج من الصالة ليدخل من باب خلفي يؤدي لغرفة زوجة حلمي المغشي عليها .. أخرج فوطة بها مادة مخدرة من ملابسه ووضعها علي وجه زوجة حلمي ثم قام بعمل اللازم !!عندما إنتهي ، خرج إلي الصالة وأشار خفية للنائبة فدخلت الغرفة وساعدت زوجة حلمي في إرتداء ملابسها.. في نهاية الحفل صافح حلمي الشيخة أم سالم وابنها ونائبتها وشكرهم علي مجهودهم !! ووعد بإخطارهم بأي تطورات .. بعد تسعة أشهر تقريباً ولد طفل فرح به للغاية حلمي وزوجته وجميع الأصدقاء وقالت أم حلمي عندما رأته :- الخالق الناطق شكل أبوه !! إتصل حلمي بنائبة الشيخة أم سالم ليعلمها بولادة طفله فعلقت علي ذلك قائلة :- مبروك دي من بركات الشيخة أم سالم !!