بقلم: د. خالد التوزاني
تمثل دارة ابن الزكري واحدة من دور النشر الثقافي المنتشرة في ربوع ألمانيا والتي أسسها المفكر البحريني الدكتور محمد الزكري القضاعي، ومقرها مدينة برلين، وهي مؤسسة ثقافية تعمل على نشر الكتب ورقيا ورقميا ولها علاقات تعاون موسعة مع عدد من الشركاء في العالم العربي والإسلامي، ومنذ تأسيسها وهي تعمل على تطوير النشاطات الثقافية المثمرة وخاصة مجال صناعة الكتاب ونشره، وذلك بجميع اللغات، مع التركيز على الكتابات المفيدة للإنسانية، من خلال البحث عن موضوعات جديدة، تحاول طرح أسئلة مغايرة، لأن الكتب التقليدية لم تعد تغري القارئ بالإقبال على قراءتها، وهذا يعني أنَّ أزمة القراءة في العالم العربي راجعة في كثير من الأحيان إلى غياب الكتاب المناسب، والذي يستطيع أن يأسر اهتمام القارئ ويدفعه لاقتناء الكتاب ومطالعته بشغف، بدليل أنّ بعض الكتب في العالم العربي تحظى بإقبال القراء عليها، مثل كتاب “لا تحزن” لعائض القرني وكتاب “أربعون” لأحمد الشقيري، وكتب التنمية البشرية، وبعض الروايات، إضافة إلى بعض الكتب الدينية، ولذلك تسعى دارة ابن الزكري الألمانية إلى انتقاء أجود الكتب وأكثرها فائدة للقارئ بحيث تلبي فضوله المعرفي وتحفزه على التفكير والبحث والمطالعة.
ومن منشورات دارة ابن الزكري الألمانية للنشر المعرفي، نستحضر آخر إصداراتها الجديدة، ويتعلق الأمر بكتاب جماعي قام بتحريره الدكتور محمد الزكري القضاعي، وقدّم له الدكتور أحمد عبد العزيز الخليع، ويحمل عنوان: التصوف الذي بيننا ومعنا. وتعميماً للفائدة، وتأكيداً على ريادة هذه الدار في انتقاء الموضوعات الفريدة والجديدة، نستعرض محتوياته من خلال الآتي:
الصّوفِيُ ابنُ زَمَانِهِ: فضيلة د. أحمد عبد العزيز الخليّع
المُنْعَطَفُ فِي دِرَاسَاتِ التّصَوّفِ الجَدِيْدِ: تَجَارِبُنَا عَبْرَ دِرَاسَاتِ التّصَوّفِ المُشَرّطَةِ، د. محمد الزّكري القُضاعي
التصّوف من خِلالِ مَدِينَةِ اللاذِقِيّة، ذ. قصي حاتم
التّصَوّفُ وَعِلْمُ القَانُونِ: مَدْخَلُ مُوْجَزٌ لِتَأطِيرِ العَلاقَةِ ، د. علي الصديقي
تَهْيُئَةُ المَسْجِدِ للقَاءِ المُتَعَالي بِالفَانِي: قِرَاءَةٌ رَوْحَانِيةٌ لِلمَكَانِ ، د. أناليزا أورسيلي-ديكسون
التّاجِرُ وطَائِرُ البَبّغَاءِ… مِنْ مَثْنَوِيّاتِ جَلَالُ الدّينِ الرُوْمّيُ، ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
شَغَفُ المَرْجَعَيّاتِ اللادِينِيّةِ بالأُفُقِ الصّوْفِيّ ، د. محمد الزّكريّ
الحضور الصوفي في الإبداعات الفنية المعاصرة، ذ. منتصر حمادة
الشّعْرُ والرّمْزُ فِي الخِطَابِ الصّوْفِيّ ، د. إيهاب عروة حمّاد
نَهْجُ المُتَصَوّفة في تَصْمِيمِ الحَدِيقَةِ الفَارِسّيّةِ ، د. حميد شيرفاني
التصوّف – التكنولوجيا، أحمد عبد الجواد حماد
العِلَاجُ الرّوحِيّ فِي صَالُونَاتِ المُتَصَوّفَاتِ، د. منى غزال
ولا يخفى مدى التشويق والدقة في هذه العناوين التي تعكس روح الابتكار والتجديد في العمل الثقافي المتميز، وتجعل القارئ يُقبل على الكتاب لأنه يثير فضوله ويقدم معرفة قد تبدو مألوفة، لكن من زوايا جديدة غير مألوفة، الشيء الذي يعطي الحياة للمعرفة ويجعلها أكثر إمتاعاً.
ومن إصدارات هذه الدار أيضاً نستحضر كتاباً يحمل عنوان: المجالات العامة لتلقي التراث الإسلامي، وقد صدر باللغة الإنجليزية للدكتور محمد الزكري القضاعي ولهذا المؤلف أيضاً كتاب آخر بعنوان: حكايات المرأة العربية عن الهوية والمعتقدات.
وتعبيراً عن الانخراط في التكنولوجيا ومتابعة التحولات الجديدة في عالم المعرفة وخاصة توظيف الميديا الجديدة، تمتلك دارة ابن الزكري الألمانية، قناة على اليوتيوب، تحمل اسم “ثقافاتنا” المنصة الثقافية من ألمانيا، والتي تواكب جديد الدار واهتماماتها، حيث يشرف عليها الدكتور محمد الزكري القضاعي.
وفي سياق انفتاح دارة ابن الزكري الألمانية للنشر المعرفي على مؤسسات ثقافية في دول أخرى، وخاصة في العالم العربي، من أجل تعزيز التعاون الثنائي وتنمية الاستثمار الثقافي والابتكار في مجال صناعة الكتاب والنشر، وقعت دارة ابن الزكري مذكرة تفاهم مع المركز المغربي للاستثمار الثقافي – مساق، والذي يرأسه الأكاديمي المغربي الدكتور خالد التوزاني، من أجل العمل على نشر المعرفة وتشجيع المؤلفين بتقديم فرص جديدة لنشر الكتب على أوسع نطاق، وبجميع اللغات، في مجالات عابرة للثقافات، مع خدمات المتابعة بعد النشر، عبر إقامة الندوات والتوقيعات وقراءات الكتب وإجراء الحوارات مع المؤلفين ومناقشة تجاوب القراء مع الكتب.
مركز مساق وخدمة المعرفة الإنسانية
إيماناً بأهمية الدبلوماسية الثقافية في تعزيز مكانة الشعوب والأمم بين الدول وخلق فرص جديدة للتواصل الأكاديمي والتكامل المعرفي والحوار الحضاري الذي يسهم في التعريف بالثقافة العربية العريقة، والدفاع عن القضايا الكبرى للأمة الإسلامية، وجعل الثقافة قوة اقتراحية قادرة على مواكبة تطورات العصر والتفاعل الإيجابي مع تحديات العصر الجديد وتحقيق الاقلاع النهضوي المرتقب والذي تشكل الثقافة فيه عصب الحياة ومهد البناء، إذ لا مستقبل بدون ثقافة منسجمة مع الهوية والتاريخ، وتحقيقاً لهذه الغايات الكبرى أسّسَ الأكاديمي المغربي الدكتور خالد التوزاني المركز المغربي للاستثمار الثقافي (ويعرف اختصاراً بعبارة: مساق) بمدينة فاس، مع نخبة من الفاعلين والمؤثرين؛ منهم أطباء في القطاع العام والخاص وأساتذة في التعليم العالي والأساسي ورواد في التدريب والتنمية والتواصل والمقاولة، حيث يشكل فريق المركز تنوعاً في التخصصات، نظراً لشمولية الثقافة وصلتها بجوانب نظرية وتطبيقية، علماً أنَّ المركز مستقل عن جميع الهيئات السياسية والحزبية ويعمل بإمكانات خاصة، وله تعاون أو شراكة فقط مع الهيئات التي يمكن أن تساعد المركز على تحقيق أهدافه، ومنها دارة ابن الزكري الألمانية للنشر المعرفي، والتي أثمرت إصدار سلسلة نفائس مساق، وهي سلسلة من الكتب في مجالات
معرفية متنوعة وبأقلام جادة من جنسيات مختلفة ومن تيارات متباينة يجمعها البحث والتنقيب عن موضوعات فريدة ورائدة ومبتكرة، حيث تقدم للقارئ أجود الكتب وأفضلها.
يسعى المركز المغربي للاستثمار الثقافي- مساق، إلى بناء اقتصاد المعرفة، وتأهيل الثقافة لتسهم في التنمية، وخلق فرص النجاح والتميّز لكل المواطنين، عبر مشاريع الاستثمار الثقافي التي تروم تثمين الرأسمال الرمزي “المغربي” بالأساس المتمثل في المعارف والمهارات وفي العادات والتقاليد والأعراف العريقة والقيم الوطنية، لتغدو منتجةً وذات قيمة في عالم اليوم، لأنَّ الثقافة إن لم يكن لها امتداد في المجتمع، وفي النسيج الاقتصادي، وفي تواصل الوطن مع العالم، تصبح الثقافة خالية من كل فعالية، فالمؤكد أن عجلة الاقتصاد لا تتقدم إلا بالأفكار الجديدة والرؤى الملهمة والفريدة، ومن مهام فريق المركز العمل على إيجاد جسور الالتقاء بين ما هو ثقافي وامتداداته التطبيقية، فالمشاريع الناجحة هي التي تؤطرها خلفية ثقافية وعلمية دقيقة ومدروسة، تضمن استمرارية النشاط، وتطوره وتقدمه، وفي الآن ذاته تكيّفه مع المستجدات وتحولات العصر.
إن الثقافة لا تسهم في التنمية فحسب، وإنما تساعدنا أيضا على أن نفهم من نحن وما نحن عليه هنا والآن، كما تعطي للفعل الإنساني معناه وقيمته، فهي تشكّل الهوية الذاتية وتحدد موقع الأفراد والمجتمعات بالنسبة لنظيراتها في مختلف أرجاء المعمور، كما أنَّ الثقافة لا تصنع الوعي فحسب، وإنما تسهم بشكل فعال في التربية، لأنها تعمل على تنمية مواهب الأفراد وتأهيلهم من أجل التكيف مع المحيط وخلق الفرص وحل المشكلات ونقل المجتمع والأفراد من التحصين إلى التمنيع، ومن الاستلاب إلى التأثير ومن التقليد إلى الإبداع والتجديد.
وهكذا، عندما تتوحد الرؤية الثقافية في اتجاه خدمة الإنسانية فإنها تستطيع تحقيق الكثير من النجاح والتميز، ومثل هذه المؤسسات التي تستثمر في بناء الإنسان، ينبغي أن توليها الحكومات والدول كل الاهتمام لأنها تخلق بيئة مناسبة للعمل والإنتاج وتوفر فرصاً جديدة للارتقاء بجودة الحياة من خلال ما تقوم به من أنشطة تستهدف بالأساس تنمية العقول وترقية النفوس ليكون الإنسان فاضلاً بالعلم والأخلاق والإيمان.