بقلم: بشــير القــزّي
تقدّمتْ كثيراً علاقتي بميشا وبدأتُ أُكثِّف زياراتي المسائيّة لمنزلهم. كنتُ أجلسُ على الكنبة المقابلة لها من ناحية الزاوية ونتساير بصوتٍ منخفض. لا أعرفُ من أين كنّا نجد كلّ تلك الأحاديث التي تجعلنا لا نملّ من التسامر والسهر. كانت والدتها تعتلي الكنبة الطويلة القريبة من جهاز التلفزيون وتمدّ رجليها عليها لمتابعة المسلسلات المعروضة! لا بدّ أنها كانت تزاولُ مهمة مراقبتنا وذلك كان يستمر حتى ينتهي العرض التلفزيوني فيتمالكها النعاس وتضطر للخلود إلى سريرها!
في بداية زياراتي المسائية لهم كنتُ أصدفُ شاباً أو أكثر يؤدّون زيارة لهم. شبّهتُ هؤلاء آنئذٍ بالذباب الذي ما ان يشتمّ رائحة قطعة حلوى حتى يحوم حولها! لا بدّ أن والدة ميشأ تفاجأتْ بأن البيت أصبح يعجّ بالزوّار بعد أن كان عددهم نادراً فيما مضى! مع الوقت، بدأ عدد هؤلاء يخفّ بعد ان لمسوا ان ميشا لم تكن تبادلهم ابتسامتها الترحيبيّة!
نظراً للقيود الموجودة على المطاعم وقتئذٍ، لم يكن من السهل ارتيادها برفقة فتاة! لذا كنا نفضّل الذهاب بالسيارة لزيارة إحدى أختيها أو منزل أحد الأقارب! من أجمل الذكريات أننا كنا نسلكُ شارع الجسور، والذي كان يحوي على ما لا يقل عن ثلاثة عشر جسراً، ونستمع عبر تسجيل “الكارتريدج” إلى أغنية “ليلَة ليلَة ليلَة يا ليلَة” مسجلة من حفلٍ لمحمد عبده! كنا في قمة السعادة ونحن نردّد الكلمات مع الأغنية!
واظبَتْ الجارة على إظهار وجهها كلّما رَصَدتْ وجودي في زيارة لميشا. لم تكن تمكثُ أكثر من دقائق معدودة. كلّ همّها هو تعبئة مخزونها بآخر المستجدات، وأدقّ التفاصيل التي تريد ان تعرفها قبل غيرها! وكانت تُنظّم في منزلها من آنٍ لآخر جلسات للعب ورق الشدة وتدعوني لأكون بين المعازيم!
في إحدى الأمسيات، وبينما كنتُ جالسًا بالقرب من ميشا في الصالون، رنّت الجارة جرس الباب. فتحَتْ لها والدة ميشا واستقبلتها. دخلتْ وألقت التحية على الجميع ثم وقفت كالعادة في محيط باب المدخل. أخذت تهْمُزُ بحقّ زوجة ابن عمّي، وتسردُ أخباراً مسيئة لها! قاطعتها قائلاً: “لا أسمحُ لك ان تتكلّمي بهكذا كلام عن سيدة أكنُّ لها كل احترام!” تفاجأتْ بردة فعلي. توقّفتْ عن الكلام. كانت ذراعاها ممدودتين الى الأسفل وهما على شكل رقم ٨. حنتْ رأسها قليلا نحو اليسار ونظرُها متجهٌ نحو الأرض أمامها! وإذ بها تدور بجسمها وتفتح الباب وتخرج دون أن تتلفّظ بكلمة!
مرّت قرابة العشر دقائق كنت ما زلت خلالها متعجّباً مما حدث، وإذ بنا نسمع طرق الباب مجدّداً! فتحت والدة ميشا الباب لتجد الجارة تدفع الدرفة وتدخل وهي تُزمْجرُ وتتوعّد وتحرّكُ ذراعيها على شكل مقص صعوداً ونزولاً محدقةً بعينيها نحوي وتحاول الوصول إليّ للاقتصاص مني وهي تردّد: “كيف تكلمني بهذه الطريقة؟ انت لا تعرفْ من أكون! لم يُخلقْ بعد الذي يكلّمني بهذا الأسلوب! لن أدَعكَ تعود إلى هنا!” وكانت والدة ميشا تحاول إبعادها عني بكل قواها، بينما هي مصرّة على ان تطالني بيديها! لم أحرّك ساكناً، ومضت دقائق والجارة تلعنُ وتشتُم حتى جاء زوجها وساعد بإخراجها!
تعكّرت الأجواء بعد ذاك المساء! شعرتُ بامتعاض تجاه ماحدث! كانت والدة ميشا تربطها صداقة طويلة الأمد بتلك المرأة وتعتبرها بمثابة أخت صغيرة لها!
أما ميشا فكان موقفها صعباً! كانت تريدني ولم يكن بإمكانها معاداة الجارة التي تربطها بوالدتها صداقة كبيرة!
امتنعتُ عن زيارتهم لبعض الوقت وكنت اتحادث مع ميشا بواسطة الهاتف. قررت الذهاب الى لبنان لزيارة والديّ وتمضية أسبوعين او ثلاثة!
وإذ لم تكن والدتي على علم بعلاقتي مع ميشا، وكانت تتهيّأ لتعرّفني على فتاة على ذوقها، غادرتُ الرياض باتجاه لبنان !
ما ان وصلتُ حتى بدأتُ أرافق والدتي بزيارات متنوعة! وبالفعل تعرفت على عدة فتيات!
إلّا ان خبراً سبقني الى الرياض مفاده أني خطبت فتاة من لبنان!
والتتمة في الجزء الرابع…