كيف ستكون النتيجة عندما تطلب من الروائية الإماراتية ريم الكمالي أن تكتب عن خمسة كتب مؤثرة في حياتها؟. لا أقل من عاصفة، ولا من محاولة سرد مواز. رغم أن عدد الكتب قليل إلى درجة صعبة، إلا أن هذا القليل يتحول كثيراً، كما في معجزة المسيح «إكثار السمك»، حيث تعيدك إلى إعادة اكتشاف الكلاسيكيات والشغف والتجارب المكثفة، والروايات واالملاحم التي تغوص في منابع السرد والخيال والرائحة، وبعد ما يشبه التقديم كانت هذه الخيارات.
«الجحيم» للإيطالي دانتي ألليجيري، فتح باب الخيال من زوايا نعرفها أو لا نعرفها، الخيال القادم من الأبواب والنوافذ المحرمة والمقدسة ليتسع كما يشاء.. ملحمة شعرية ذات إيقاع قوي وبنظرة خيالية عن الجحيم الذي يصفه على مراحلٍ عديدة وبشكل دائري إلى أن يصل للمنتصف، حيث الشيطان الذي خان الله. عذابات متخيلة كثيرة تفوق الخيال، لكن من بين تلك العذابات التي تلفت النظر وتؤثر في النفس، هو التعذيب إبعاد الأمل عن الإنسان وكيف تبقى إلى أبد الآبدين بلا أمل. الأمانة الأدبية لدانتي كانت خالصة لأبعد مدى، ونثرياته الناضجة التي قدمها عن طريق كمية كبيرة من الأناشيد المغناة والقصائد ذات الإيقاع القوي تدعو للدهشة.
«دون كيخوت» للأسباني ميغيل دي ثربانتس، الرواية الرومانسية الفاضلة لأنها تشعرك بالإستياء من سخريتها الشديدة.. فيها من التأملات الجمالية المختلطة بين الأدب السحري والحياة بأكملها. بائس يقرأ كتب الفروسية كلها فيفقد عقله، يقرر حينها وبأسلوب خالص في النبل أن يحارب الأشرار ليصارع طواحين الهواء. كيف لخياله أن يخلق الإشكالية من الوهم حتى يصدقها فتصبح حقيقة.. تحمل السخرية في روحها، لتظهر الجوانب التعيسة حولنا ونحن نبتسم، وقد اتخذ من حياة الرعي حكاياته وحبكاته، يبدأ من الصباح الباكر وينتهي بالشروق. هناك روايات مرآة لأوطانها، ودون كيخوت فخر أسبانيا لأنها تعبر عن عمق المعاناة الوجودية للإنسان في صورة شخصيات بسيطة ورمزية.
«العطر» للألماني باتريك زوسكيند. سَرّبَتْ إلى روحي هذه الرواية بعد أن قرأتها كل روائح العالم شرقاً وغرباً، من رائحة المسافات إلى أقصى ما نتصور، هذه الرواية الخطيرة في سردها الذي لا يشبه أية سردية في العالم تأخذنا إلى مئات الروائح في العالم التي نشمها دون أن نعرفها، نحبها أو لا نحبها، وحتى تلك التي نتخيلها. لم يدع الروائي الروائح في روايته العطر أن تعبرنا دون أن تتركنا، لنتخيل روائح لا يمكن أن تكون موجودة كالغبار في المطر، ورائحة الطوب والأموال الورقية، ورائحة الأسنان المقلوعة، إلى البصل الذابل والأخشاب والأنفاس، ورائحة الراهب في المساء، والفلاح في الصباح.. تقرأ قاموساً من الروائح يمررها لنا البطل القبيح بالقتل.
«خرجنا من ضلع جبل» للإماراتية لولوة المنصوري. الخيال الشعري واللغة الشعرية وتماسك لغة لولوة جعلتها تسرد في رواية قصيرة عن كل ما في رؤوس الجبال وكل ما فيها من ثغرات وشقوق ووديان، الخرافة في عمقها كيف تكون لدى لولوة التي تسكن في إمارة رأس الخيمة المطلة على جبال تجعلها تنام بعد أن تضطرب الأرض وتدير الرياح ظهرها وتحفر الصخرة من أجل الحصول على حجاب، وأن يولد الطفل كهلاً ليدفن مباشرة وأن يفتى في المسجد ولا يسمعها أحد.. وكل الفرضيات عن جذور الخرافة والموت واللعنة.. باختصار تُشعرك قراءتها بأن الجبل يتنفس أو ربما يتحرك. بلغة عذبة وخيال خصب تضع لولوة طاقتها الهائلة لتعبر بنا وتشكلنا خيالاً نحبه.
«سمرقند» لأمين معلوف الروائي الفرنسي اللبناني الفرانكفوني إن حددنا هويته.. رواية تنتصر للأدب والحب من خلال وقائع حقيقية.. يذهب بنا معلوف لشخصيات تاريخية كانوا أصدقاء من نفس المدينة، وزملاء في مدرسة واحدة، لكنهم يكبرون وتتغير إتجاهاتهم تماماً، يذهب من يدعى الشاه نظام الدين نحو المُلك والسياسة، والآخر حسن الصباح إلى الدين لتكوين طائفة جديدة (الإسماعيلية).. فيجمعهما الانتقام والدم من أجل الإستمرار، بينما الثالث وهو عمر الخيام الشاعر والفلكي المعروف، إتجه لعلومه ونجومه وفكره وشعره.. ليكتب رباعياته الأبدية والتقويم الشمسي الهجري المطبق إلى الآن في فارس.. مبتعداً عن همجية الطمع والسطة والدين.. إعتزل مبتعداً عن الحروب والقتال مقترباً من الإبداع الذي خلده.
*ريم الكمالي: روائية إماراتية حريصة على قراءة التاريخ بعمق، والنهل من منابع المعرفة لتشكيل مزيج قشيب من المتعة والمعلومات التاريخية والحكايات، حيث تواصل في روايتها الثانية (التي لن نكشف عنوانها) تنقيبها في تاريخ المنطقة وتعود إلى أكثر من 3 آلاف عام، بعدما نجحت في اختبار الدخول إلى نادي الرواية بروايتها الأولى «سلطنة هرمز»