بقلم: ابراهيم شير
من دخلَ سوريا الأسد فهو آمن، لا يخرج منها إلا وهو مجبور الخاطر”. بهذه العبارة استُقبِلَ الوفدُ الوزاريّ اللّبنانيّ في دمشق، خلالَ زيارةٍ هي الأولى من نوعها منذُ نحوِ عقدٍ من الزّمنِ. لكن قبل رؤيةِ ماهيةِ هذه الزّيارة، يجب النّظر إلى المشهدِ بصورتهِ العامّة ففي عام 2011 مع بداية الحرب على سوريا خرج رئيس الوزراء اللّبناني ذلك الوقت “نجيب ميقاتي” في تصريحٍ غريبٍ غير مفهومٍ، قالَ فيه: “أنّ بلادَه سوف تستخدم سياسةَ النأي بالنّفسِ عمّا يجري في سوريا، ولن تتدخّل فيه أبدًا”. سرعان ما ضغطت التّيارات السّياسيّة اللّبنانية إلى تجميد العلاقات بين بيروت ودمشق.
تمنّى السّوريّون أن تكون سياسة النّأي بالنّفس الّتي أُعلِنَ عنها حقيقيّة لكنّها كانت ذا وجهين، الوجهُ الأصليّ لها ظهرَ عندَ قيامِ “تيّار المستقبل” بزعامة “سعد الحريري” وطفله المدلّل “عقاب صقر” بالإضافة إلى حزب الكتائب والحزب التّقدمي الاشتراكي بزعامة “وليد” في إدخال الأسلحةِ الثّقيلةِ يوميًّا إلى سوريا عبرَ المعابر غير الشّرعيّة بين البلدين، منطلقينَ نحو المرحلة الثّانية من وجهةِ نظرهم وهي إدخال الإرهابيّين أيضًا، فالمجرم “أحمد الأسير” خير شاهد على من يسمّى بقائد جيش السّت..الّتي يقصد بها “بهيّة الحريري” عمّة سعد.
المخيّماتُ نُصِبت وجُهِّزت للاجئين السّوريّين قبلَ وجودِ ما يدعى “لجوء”، حيثُ غُرّرَ بجزءٍ من أبناءِ الشّعب السّوري للذهاب إلى تلك المخيّمات، لتشكيل ورقة ضغط على دمشق، والارتزاق منهم من خلال سرقة أموال المساعدات الدّوليّة من قبل تيار 14 آذار الّتي تقدّر سنويًا بـ4 مليار دولار، كنت قد نشرت مقالًا مفصّلًا وتحقيقًا كاملًا حول هذا الموضوع يمكن الرّجوع إليه.
جزءٌ مهمٌّ من أبناءِ الشّعب اللّبناني وقفوا مع الدّولة السّوريّة، دافعوا عنها في أرضها وقدّمُوا الدّماءَ والتّضحيات، هؤلاء يُوضعون على الرأس وتضحياتهم تُقدّرُ وهي محفوظة في وجدان السّوريّين، مثلها مثل تضحيات الجيش السوري في لبنان ودماء الشّهداء الّتي سالت على أرضِه بهدف دحرِ الاحتلال، وإعادة توحيد البلاد وبناء مقاومة تستطيع ردّ المعتدي وردعه، هي أمورٌ تقدّر أيضًا لدى اللّبنانيين، فدماء شهداء الجيش السّوري التي بلغت 15 ألف شهيد محفورة في وجدان الشّعب اللبناني، وكان عددُ الشهداء عشرة آلاف في الحرب الأهليّة اللبنانية، وخمسة آلاف في الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 بالإضافة إلى 100 طائرة و500 دبابة، جميعها قدمتها سوريا للبنان.
بعد انفجار مرفأ بيروت على الفور خرجت الأصوات متّهمةً دمشقَ أنّها السّبب، كما قال الشخسعد أي “سعد الحريري”، متّهمًا إيّاها باستيراد الأمونيوم لتصنيع البراميل، واستخدامها في حربها، متجاهلًا أنّ دمشق لو أرادت هذه المواد لما احتاجت تخزينها في مرفأ بيروت؛ بل كانت وضعتها في مرافِئِها سواء اللاذقية أو طرطوس أو بانياس وغيرها الكثير، لكنّه حاولَ أن يتهرّب من مسؤوليّته في وجود هذه النّترات، وقد حُذّر منها لكنّه لم يلقِ بالًا على الرغمِ من أنّهُ رئيسٌ للحكومة. في المقابل دمشقَ تغاضَت عن الاتهامات الّتي لا قيمة لها، وبحسب مسؤول سوري رفيع المستوى سألته في إحدى الجلسات لماذا لا تردّون على هذه الاتهامات؟ فقال: “إذا كل شخص بدو يحكي بدنا نرد عليه ما بنخلص، بس يكون لكلامه قيمة بنرد”.
لبنان دخلَ أزمةً إنسانيّةً كبيرةً بعد الانفجار، يليه انتشارُ وباء كورونا، وختامًا محاولةُ الدّول الغربيّة فرض الهيمنةِ على الدّولة اللّبنانية، وفرض شبه حصار على البلاد، ما أدّى إلى انعدام وفقدِ كلّ شيء حتّى الهواء، حيث أعطت دمشق بيروت مساعدات تخصُّ الأوكسجين لمساعدة مرضى وباء كورونا بعد انقطاعه، وتخلّي الجميعُ عنهم لدرجة أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال “حسّان دياب” اجتمع قبل نحو شهرين مع سفراء الدّول العربية والأجنبيّة في بيروت، في المناسبة لم يتم دعوة السّفير السّوري لهذا الاجتماع، وقال لهم حرفيًا: “لبنان على شفير الكارثة” وناشَدَهم لإنقاذها من الموت والزّوال، ومنذُ شهرين إلى اليوم لم يتغيّر شيء، ولم يكن لدى السياسيّين اللّبنانيّين من خيار سوى طرقِ بابِ السّيد الرّئيس بشار الأسد ولسان حالهم يقول: (أخٌ كريمٌ ابن أخٍ كريمٍ)، وهم على علمٍ أنّ من يطرق باب الأسد لن يخيبَ أبدًا، ومن جاءَه مستغيثًا طَلبه مُجاب. وقبل الزّيارة وجّهَ السّيد الرئيس بتكفُّل الدّولة السّوريّة في نقل حمولةِ باخرةِ الوقود وتكاليفها، الّذي استورِدَت من أجلِ لبنان بعد أن حطّت في ميناء بانياس السّوري، لهذا الأمر وقد كُلّفَ لهذا الأمر 250 صهريج نفط لنقلِ الحمولة إلى لبنان.
تيّار 14 آذار في لبنان عقدَ مؤتمرٍ لحلفائِه العرب والغربيّين، وأخفقوا في إخراج البلادِ من مأزقهَا، فذهبوا باحثينَ إلى عقدِ مؤتمرٍ يريدون تسميتَه “بجيران لبنان” فوجدوا أنّ سوريا تحيطهم من كلّ ناحية، وفي النهاية ذهبت الحكومة اللّبنانية إلى سوريا. هذه الزيارة تؤكّد لنا مرةً تلو الأخرى أنّ السّياسة التي وضعَ أسَاسها الرّئيس الخالد “حافظ الاسد”، ويعزّزُ ثوابتها السّيد الرّئيس “بشار الأسد” لن تنكسرَ بل سوف تبقى صامدةً على الرّغمِ من محاولةِ العالَم بأسرهِ تدميرها أو كسرَها، ومبدأ وحدة المسار والمصير الّذي أسّسه الخالد “حافظ الأسد” ورفاقه وعلى رأسهم الراحل اللّواء “بهجت سليمان” يثبتُ دائمًا أنّه المنتصرُ سواء في الحرب الأهلية اللّبنانيّة، أو تحرير الجنوب عام 2000، أو انتصار تموز 2006، وانتصارِ سوريا على الإرهابِ، وعودة الشّقيق الأصغر إلى حضن شقيقته الكبرى سوريا.
هنا يجب التّذكير أنّ السّيد الرّئيس “بشار الأسد” دائمُ العفوِ والسّماحِ عمّن يخطئ، فمن يستطيعُ نسيانَ ما فعله “سعد الحريري” في حقّ سوريا بعد اغتيال والده عام 2005، علمًا أنّه طرقَ أبوابَ دمشق بعدَ أربعِ سنواتٍ مستقبِلًا إيّاه الرّئيس الأسد في صدرٍ رحب، غير معاتبٍ لهُ على ما قاله، لكن سعد لو وُضِع في القالب 40 عامًا لن ينعدلَ، بل سوفَ يعودُ لينقلبَ على دمشقَ مرةً أخرى.
للعلمِ هذا ليسَ بجديدٍ على سوريا لأنّها من أطعمَت لبنان عندما جاعَ أيّام السّفربرلك.