بقلم: نعمة الله رياض
جلس الصديقان علي مقعدين متقابلين في محل بوسط المدينة يراقبان المارة وهما يتناولان الفطائر والمشروبات ، سأل أحدهما الآخر :- ماذا ستفعل في عيد زواجك الخامس عشر ؟ أجاب صديقه:- لا شيء فنحن لا نحتفل عادة بأعياد الميلاد ، ونكتفي بإطفاء شمعة مثبتة في تورتة صغيرة .. إن علاقتي مع زوجتي دائماً متوترة وهي تختلق المشاكل في كل صغيرة وكبيرة ، فبماذا نحتفل ؟..أوضح الصديق ما يقصده من كلامه قائلا :- جرب ان تقدم هدية قيمة لزوجتك وستري الفرق في التعامل جلياً ، سأله الصديق :- ماذا تقصد بالهدية القيمة ؟ أجابه الصديق :- زوجتك موظفه وتذهب لعملها بالمواصلات العامة وانت لا تحتاج لسيارة ، اشتري لها سيارة مستعمله بالتقسيط المريح وستكون هذه أعظم هدية للأسرة جمعاء.. عمل صاحبنا بنصيحة صديقه وعاين عدد من السيارات المستعملة حتي وجد سيارة مناسبه في معرض للسيارات المستعملة وحصل علي الأوراق والمستندات اللازمة للشراء بالتقسيط …
القي الزوج نظرة علي عقد شراء لسيارة هيونداي/ فرنا مستعملة وتصفح أوراقه التي ينقصها توقيع زوجته لتنتقل ملكية السيارة من معرض السيارات إليها، ثم قرأ الرسالة المرفقة التي كتبها وراجعها للمرة الثالثة : زوجتي العزيزة كل سنة وانتي طيبة بمناسبة عيد زواجنا الخامس عشر .. مرفق هديتي المتواضعة التي أرجو أن تخففك من عناء إستخدام المواصلات العامة مع تحياتي وقبلاتي.. طوي الزوج الأوراق والرسالة وأعادها متبرماً للخزانة التابعة له في المصلحة الحكومية التي يعمل بها .. بقي من الزمن بضع دقائق ليحين موعد الإنصراف .. أغلق أدراج مكتبه وتأهب لمغادرة مقر عمله وعلي وجهه ابتسامة جامدة خالية من الحياة .. كيف يحتفل بعيد زواجه من نادية ؟ وكيف يقدم لها هديه ؟ ، وهي لم تفكر في إهدائه إلا الكلمات القاسية التي لا رحمة فيها ولا طيب خاطر.. هو زوج كمعظم الأزواج ساخط علي الزواج ، حياته أصبحت مملة ورتيبة وحسرات كثيرة تملأ قلبه .. إنتهي وقت الدوام فإستقل الحافلة العامة ليتوجه لمنزله وفي قلبه مرارة ، تتابعت خطواته متثاقلة وكأنه ذاهب إلي السجن المؤبد ليقضي فيه بقية حياته ، وبالرغم من كونه فاقد الامل الا انه لم يمنع نفسه من تمني شىء ، ان تكون زوجته نادية قد تذكرت المناسبة وأعدت له مفاجأة ، إلا أن المفاجأة التي كانت تنتظره ما ان فتح الباب هي ضجيج الأولاد وصراخهم وزوجته بشعرها المنكوش تطارد الإبن الأصغر وتحاول ضربه لإجباره علي تناول الطعام ، والطفل يسرع ليحتمي بين ساقي والده ، ورائحة الطبيخ تملأ أرجاء الشقة ، وعندما رأت زوجها يقف وسط الصالة بلا حراك بسبب تعلق الأطفال بملابسه صاحت :- روح اتفق مع المدرس ليعطي دروساً للولد قبل الإمتحان ، والعديد من المشاكل والطلبات في انتظاره ولا شئ آخر سوي الهم والغم .. كيف يتحمل هذه الحياة وتلك الزوجة ؟ إنها لم تعد إمرأة يشتهيها ولا حتي صديقة يلجأ إليها لتساعده في حل المشاكل المتراكمة ، كل ما بينهما خلاف يتجدد كل دقيقة وتصر دائماً انها علي حق ، وانه دائماً علي خطأ ، ويتحول الخلاف البسيط إلي شجار ويندفع الزوج غاضباً نحو باب الشقة ليغادرها وحين يصل إلي السلالم تخرج ورائه وتقطع الشجار وتصيح : – متنساش تشتري الدواء للولد الصغير !! تعجب ما الذي يربطه بها مع كل هذه الحروب المستعرة ، انه يفكر كل يوم عشرات المرات أن يطلقها أو يخونها ، ومع ذلك لا ينفذ حرفا من هذه الأفكار ، حتي الأبناء انه يكرههم بسببها ، ومع ذلك تبقي العائلة متماسكة ! ما كنه تلك العلاقة الغريبة التي تجمعهم.. مشي في الطريق وهو مصمم ألا يشتري الدواء الذي طلبته للإبن الصغير ، ولكنه ما إن لمح صيدلية يدخلها ويشتريه ! عاد إلي المنزل ونام كالعادة وحين استيقظ بعد الظهر كان قد نسي تماماً أوراق شراء السيارة القابعة في الخزانة بمقر عمله ، جلس مع زوجته وأولاده في الصالة يأكلون الفاكهة ويتناولون المشروبات وبعد ان دخل الأولاد حجراتهم لأداء واجبات المدرسة وتحضير كراسات وكتب اليوم التالي ، إنضموا مع الوالدين لمتابعة برامج التلفزيون ، وعندما انتهت السهرة دخل الأولاد غرفهم وتوجه الزوج وزوجته إلي غرفة النوم وقام الزوج بادآء واجباته الزوجية بكل قوته ولكن بطريقة روتينية ليس فيها زخم العاطفة أو الحب…ومرت الأيام وهو لا يشعر بمرورها ، لم يعد يحس بالزمن كأنه فقد ذاكرته فلا يذكر نفسه قبل الزواج ، وكأنما وعي فوجد نفسه زوجاً واحس انه يذوب ويفقد ذاته ونفسه .. مضت سبعة أيام كاملة علي يوم ذكري زواجه وقد نسي فيها تماماً عقد شراء السيارة المستعملة ، لعن ذاكرته المشوشة وأسرع بالاتصال بمعرض السيارات وعلم أن السيارة ما زالت متوفرة ولم تباع لأحد آخر ، ونصحه بسداد دفعة مقدمة لحجزها ، أسرع الزوج بطلب سلفة شهرين من عمله تسدد علي ستة أشهر بدون فائدة ، وبهذا حسب قيمة الخصم الشهري من أجره ، مضافاً اليه القسط الشهري لمعرض السيارات فوجد أنه يستطيع تحملها خاصة انه صرف مؤخراً علاوة من عمله الوظيفي ، الآن يمكنه استلام السيارة فور توقيع زوجته علي عقد الشراء .. عاد إلي منزله وهو يتوقع خوضه معركة كبري مع زوجته بسبب هذا الموضوع .. بعد الغذاء طلب من زوجته أن يحدثها علي انفراد في غرفة النوم .. بعد أن شرح لها الموضوع باسهاب بدت الصدمة جلية علي ملامحها ،ثم بدأت هجومها القاسي وفتحت له محضراً طويلاً من أين جاء بالدفعة المقدمة التي سددها ؟ ومن أين يدبرا هذه الأقساط ؟ وراحت تضيق عليه الخناق وهي تعرف دخله الشهري بالمليم والسحتوت ، وأخذ يشرح لها السلفة التي صرفها من عمله والعلاوة التي حصل عليها ، لكن زوجته قالت ان الدخل الشهري سينقص حتما مع ارتفاع أسعار المعيشة ، وفي لحظات ارتفعت الإتهامات المتبادلة والتهديدات والشتائم خرج بعدها الزوج غاضبا من الغرفة وجلس في الصالة وهو فائر .. لا فائدة إطلاقا ، إنها حرب بلا هوادة ، انه يخوض معارك متتالية يدافع فيها فقط عن نفسه ، والحرب استهلكته واتت عليه .. وفجاه وعلي غير توقع رأى زوجته نادية قد خرجت من غرفة النوم ووقفت أمامه لا تتحرك وفي يدها أوراق السيارة وفي اليد الأخري رسالة المعايدة وسألته إن كان جاداً حقاً فيما كتب في الإهداء، فزفر ولم يجبها بل أدار وجهه بعيداً ، لكنها أخذت تلاحقه بالسؤال حتي اجابها قائلا:- ايوه يا ستي هدية بحق بمناسبة عيد النيلة الزواج ، فوجئ بها تنخرط في بكاء ثم ضحك ثم بكاء ثم بعد صمت قصير قالت له انها أيضا قد أعدت له كارت معايدة وذهبت مسرعة لغرفة النوم لإحضاره ، وأعطته لزوجها وقد كتبت عليه : الي زوجي العزيز الغالي المحب في ذكري زواجنا ..المخلصة جداً زوجتك ، فرت الدموع في الحال من عينيه ، ما أروع كلماتها ، حتي أخطاؤها الإملائية وطريقتها الساذجة في التعبير عن مشاعرها ، إنها حقاً أجمل إمرأة في العالم ، أخذها علي كتفه وقبلها وأحمر وجهها خجلا وهي تبادله القبل ، وتحسس شعرها المنكوش ونسي صوتها الحاد .. إن حياته معها خلاف في خلاف ومواقع تليها مواقع .. ان الخلاف يباعد ، لكن العجيب ان خلافاتهما كانت تقربهما أكثر!! أيكون ما يعيش فيه هو سعادة حياته الواقعية ، وهو لا يدري ؟ إنه كان يعتبر نفسه دائما احد طرفي الخلاف ولكنه لم يفكر ابداً كزوج له زوجة ولا تتم سعادتهما إلا معاً، ولا يسعد الشخصان معاً إلا إذا إقتربا واحتكا واختلفا ، وينتج من ذلك موجات من الرضا والغضب والحب والكره ، أتكون هذه الموجات هي السعادة نفسها ؟ تلك المرأة التي يضمها بين ذراعيه الآن رفيقة عمره التي عاشت معه لحظة بلحظة لابد أنها كانت تقاسي مثله تماما وتحملته مثلما تحملها ، كل ذلك قد مضي وأصبح ذكريات مرت وطعمها الآن من طعم العمر الذي ولي ، لقد أسعدتها هديته إلي درجة البكاء .. إن الشجاعة الحقيقية هي ان يتقبل حياته وزوجته وأولاده وبيته وهو المسئول عنه ، وقد توصل الزوج لهذه الحقيقة البسيطة والسعادة الغامرة تملأ جوانحه …