بقلم: عادل عطية
الأنف، يمثل ـ عند الإنسان ـ موطن: العزة، والرفعة، والأنفة!
وقد قيل: “صديقك أنفك”؛ لارتباطنا به، وارتباطه بنا، بنسائم الحياة المتدفقة!
ومع ذلك، كثيراً ما نسمع ـ ضده ـ مثل هذه العبارات، القاسية..
.. على رغم أنفه، وأنف من أرسله ـ عند التحدي!
.. مرّغ أنفه في التراب ـ عند الهزيمة، والشماتة!
وعندما نقول “أرغم فلان أنفه”، فهذا يعني أنه ألصقه بالتراب، بما في ذلك من: اكراهية، وذل، وهوان، وخزي، وعار!
وكثيراً ما تساءلت..
كيف نجعل عضواً في غاية العزة، عضواً في غاية المذلة؟
وما الذنب الذي يقترفه الأنف، حتى نعاقبه على تصرفات صاحبه؟
أنظر، كيف نسخر منه، كلما رأينا شخصاً متطفلاً، ونقول عنه: “يحشر أنفه في كل شيء”!
ونسخر منه، كلما رأيناه ضخماً يملأ الوجه، من ذلك ما قاله أحد الشعراء، ساخراً من رجل كبير الأنف:
لك أنف يا ابن حرب
أنفت منه الأنوف
أنت في القدس تصلي
وهو في البيت يطوف
أما الشاعر الحلبي “فتح الله بن محمود”، فله بيتان في النظارات، قالهما لصديقه عابه في حملها، ثم اضطر هو إلى استعمالها؛ فقال ساخراً ـ مع أن الأنف هنا: يحمل الأسية، ويحمل النظارة ـ:
رب صديق عاب نظارة
يقوى بها الناظر من ضعفه
وعن قليل صار في أمرهما
يحملها رغماً على أنفه
وكثيراً ما تخطت بعض الشعوب، حدود السخرية من الأنف، إلى حدود الاجهاز عليه!
فقد كان الرومانيون يعاقبون الزانية، بجدع أنفها!
ولأن المصريون القدماء، كانوا يعاقبون الزاني بسمل عينيه ـ وكأنهم لا يريدون لأحد أن يرثي الأنف في مواويل: “يا ليل يا عين” ـ؛ قرر الشاعر اللبناني “طانيوس عبده” أن يربط بين الشريعتين؛ فقال:
فلو وصلت شرائعكم إلينا
على ما نحن فيه من مجون
لأصبحت النساء بلا أنوف
وأصبح الرجال بلا عيون
وقد أشار المقريزي إلى أن أنف “أبو الهول”، هشمه المتصوف “صائم الدهر”، وكأنه أنف لمعبود من دون الله!
ولأن “ربّ ضارة نافعة” ـ كما يقول المثل السائرـ، ففي تصوري: لو أن “أبو الهول” كان رجلاً؛ لشكر “صائم الدهر”، على فعلته هذه، التي تحمية من أبخرة التلوث، ومن روائح الفساد المتغلغلة والمنتشرة فكراً وعملاً!
ولك الله يا أنف! …