بقلم: كنده الجيوش
يحكى انه عندما خسر حزب انفصالي في مقاطعة كيبيك سعيه للاستقلال في القرن الماضي .. بدأت الاحتفالات في بقية كندا ، كانت معركة سياسية كبيرة وكان هناك طرف ربح المعركة وآخر خسر. وطبعا جزء من الشعب أحس بالهزيمة.
في نشوة هذه الاحتفالات بالنصر و تحقيق هدف سياسي، تقدم احد أهم الزعماء السياسيين حينها و طلب من شعبه تخفيف حدة الاحتفال. أي أن نحتفل ولكن لا نعزز الإحساس بالهزيمة أو العداوة بين أبناء الشعب الواحد.
وبرأيه حينها انه وان كان التيار الفيدرالي ربح سياسيا من اجل وحدة البلاد… فإنه هناك جزء من الشعب كان مع الانفصال ويجب أن لا نعزز الشعور لديهم بالانهزام والهزيمة والعزل بسبب الوحدة.. أي أن وحدة البلاد يجب أن تكون سببا للأمن والاعتزاز للجميع ، وعلى هذا يجب إبداء الاحترام لمشاعر من كان مع الانفصال وانهزم .. حتى ولو كانوا قلة.. وأن يُسّهل عليهم تعزيز فكرة ومحبة الاندماج .. والعبور إلى الجهة الأخرى وتغيير الموقف السياسي. كيف ؟ .. كان الرد بان نريهم الميزات الجيدة للاندماج ، وأننا نقدر مشاعركم حتى وان كنتم تخالفوننا أرائنا ولكم وجهة نظر مختلفة… مختلفون سياسيا ولكننا نحبكم ونحن أبناء الوطن الواحد.
وقال حينها: «امتي اليوم جزء منها يتألمون.»
هل يمكن لنا أن نقدر ما يمكن أن تُحدثهُ من أثر مبادرة رفيعة على هذا النحو في سوريا؟ و كيف لمثل هكذا مبادرات التقريب بين الناس وكل الأرواح التي تحس بالهزيمة أو النصر على كلا الطرفين مع أو ضد ، وبعض المتحمسين وحتى بعض المغالين داخل الوطن الواحد؟
في سوريا اليوم هناك الليبراليين والإسلاميون والعلمانيون وحتى نسبة .. وان كانت قليلة وتتراجع وتراجعت يوما بعد يوم.. على جانب أفكار وأحزاب سياسية قديمة.
هذه الرفعة في الموقف السياسي والإنساني الكندي هي مهمة جدا لأنها تُقصر المسافة بين المتباعدين في الرأي السياسي و الاجتماعي ، وتخفف من حدة الهزيمة وترفع من معنويات النصر وتوسع رقعة القبول للموقف الجديد وترأف بحال من حمل راية لزمن طويل … وخسر وتساعده على رؤية الخطأ في موقفه. وهنا يهمنا أن نخفف عن أبناء الوطن الإحساس بالهزيمة حتى ولو كانوا أقلية.
وفي وطن مثل سوريا حيث تتنوع فيه الأقليات العرقية والدينية، كما وتتنوع المواقف السياسية ، والذي نجح أخيرا بالتخلص من ديكتاتورية أرهقته نحتاج إلى مواقف للتقريب بين الناس.
اليوم هناك سعي كبير من اجل بناء مجتمع قوي وديمقراطي ، والغالبية العظمى تشعر بالرضا و السعادة بانتهاء الديكتاتورية ، ولكن البعض ورغماً عن إحساسه المشترك بالسعادة هذه مع غالبية أبناء سوريا بانتهاء الديكتاتورية ، إلا انه متوجس من أي محاولات لبناء مجتمع ديني يقوم على إيديولوجيا متفردة.
ورغم أن حكومة الإدارة المؤقتة تتبنى الكثير من المواقف الإيجابية ، وهناك الكثير من التفاؤل ويجب علينا أن نتقرب منها ونساعدها على التقرب من الجميع وتشكيل حكومة وطنية متنوعة تمثل الجميع في البلاد، إلا أن الخوف قائم من ترسيخ الإحساس بالهزيمة لدى فئة من معينة من الشعب مهما كان عددها او نسبتها .
والإحساس بالهزيمة يؤدي إلى الإحساس بالمرارة والانشقاق بين أبناء الوطن والتأثير سلبا على بناء المجتمع المسالم الديمقراطي ونشر مفاهيمه في احترام الحقوق و الحريات في المجتمع.
وبالتأكيد طبعا لا نتحدث هنا عن وجوب التسامح مع حكومات اضطهاد فاسدة و ديكتاتورية دموية، وإنما مساعدة أبناء البلد الواحد ان يبقوا يدا بيد وان اختلف المنظور السياسية لديهم على اختلاف تنوعهم وسعيا في اتجاه توافقات ديمقراطية.
ونحن لا نتحدث عن حروب مع دول أجنبية متباعدة أو احتلال ، وإنما نتحدث عن أبناء وطن عزيز واحد، وقرروا أن يخوضوا معركتهم بطرق سلمية ، وان ينتصروا دون إراقة دماء.
ما أريد أن أقوله انه في بلادنا هناك الكثير من التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية وكلنا نأمل أنها تسير نحو الأفضل. والكثير من ملفات إعادة البناء السياسي سيتم النظر بها لاحقا كالفساد.
ولكن يبقى أهم ملف لإراحة الأرواح المتعبة والنهوض في بلدنا الأم سوريا مثلا ً و ليس حصراً هو الإصلاح بين أبناء الشعب السوري الواحد بمختلف أطيافهم وإيمانهم فمنهم من هو مقتنع تماماً بالتغيير ، ومنهم من لم يتوفر لديه الوعي أو المعلومات ذات الصلة المباشرة بالصراع، ومنهم لم يستطع الاعتراض خوفاً ، وكلهم نعم كلهم خسروا في سوريا مثلما خسر بقية السوريين.
اليوم جزء من أمتنا يتألم ، تعالوا نمد أيدينا لبعضنا البعض ونبني شامنا معا حتى وان كنا نختلف بالمواقف السياسية.