بقلم: خالد بنيصغي
أصبحت الساكنة المكناسية تعيش جميع أنواع البؤس والإحباط بسبب ما آلت إليه مدينتهم من إهمال جعلها تصبح خراباً بكل ما تحمله الكلمة من معنى .. ففي الوقت الذي تزداد فيه المدن المغربية الأخرى جمالا وبهاء وحياة ، تزداد فيه مكناس قبحاً ودماراً وموتاً ، فسكان المدينة التي كانت بالأمس من أجمل المدن ، وكانت عاصمة السلطان مولاي إسماعيل ، وكانت تلقب ب “ فرساي “ المغرب ، وكانت مدينة الدالية والعنقود والزيتون والخضرة و” الماء الحلو “ – سكان المدينة – أصبحوا لا ينتظرون شيئاً من المسؤولين على شؤونها ، لأنها آلت إلى الخراب ولم يبق منها غير ماضيها ، حتى أن لغة السكان عن مكناس لا تعدو تتحدث سوى عن الماضي ، لأنها ببساطة لا تملك ما تفتخر به على الإطلاق في حاضرها بسبب الفشل الذريع لمسؤوليها الذين خذلوها لأسباب متعددة لا تخرج عن إطار الاختلاس أو سوء التدبير أو التعنت ضد أي نجاح أو على الأقل العجز التام عن الإبداع فيها ، إننا نكاد نفتقد لأي أمل في أنها ستتقدم يوما ما .. إننا لا نملك إلا أن نحترق بالنار التي أشعلها هؤلاء المسؤولون في قلوبنا دون خجل ، ولنَصِف بعضاً من ملامح القبح والكآبة والموت الذي أصاب هذه المدينة البائسة :
. جل المشاريع التي شرع فيها المسؤولون منذ القرن الماضي لا تزال كما هي – أزيد من ربع قرن فتصوروا حجم الكارثة – منها على سبيل المثال منتزه الرياض ويقابله منتزه طريق “ سيفيطا “ و المسبح الذي أصبح مرتعا للكلاب والقطط الضالة قرب “ بوعماير “ وهي مشاريع تزيد حتى عن مدة ثلاثين سنة دون أن ترى النور في هذه المدينة البئيسة .
. “ صهريج السواني “ أُفْرِغَ من مياهه وأصبح كالشبح المخيف ، وقد رسم لوحة من القبح والخوف والإحباط وكأنه يمثل حدثاً لن يعود أبدا ، ولن تعود إليه الحياة مرة أخرى ، أحيط بسياج على أنه يعرف إصلاحات إعادة تأهيله ، لكن الساكنة تشك في ذلك ، لأن بداية الأشغال فيه بدأت منذ أكثر من سنة ولا يوجد أي عُمَّال يؤشرون على إصلاحه ، والساكنة تتساءل عن السبب من إفراغه من مياهه وأسماكه طيلة هذه المدة دون أي علامة تدل على عودة الحياة إليه .
. عندما تصاب عيناك بقبح ما تراه من هذه الصور المؤلمة ، فإنك ستبحث عن أي شيء تَبَقَّى من هذه المدينة التعيسة حقا ، لذلك فإنك ستهرول إلى ساحة “ الهديم “ لتنظر في أعظم باب في إفريقيا “ باب منصور العلج “ الذي تحدثت عنه العرب والعجم ، والذي اختارته فرنسا في العقود الأخيرة وجعلته مجسما لزمن المغرب في فرنسا لمدة سنة كاملة ، لكن ستكتشف أنه هو الآخر أحيط بسياج كمؤشر على إصلاحه لمدة مجهولة نخشى أن يكون حظه فيها مثل مشاريع الربع قرن وما يزيد ، لأنه ببساطة لا يوجد أي مؤشر على الاشتغال فيه ، فلا عُمَّال ولا مهندسين ولا أي مسؤول ، ولا أي شيء يدل على إصلاحه ، أحاطوه بسياج وانتهى الأمر . إنه فساد لا يمكن أن تتصوره في هذه المدينة ، يقول الله عز وجل : “ أليس منكم رجل رشيد “.
منذ عقود خلت ونحن ننتظر أن يظهر هذا الرجل الرشيد الذي سينظر بعين الرحمة والأخلاق والطموح والإبداع ليغير ملامح هذه المدينة المنكوبة والمظلومة تاريخيا وجغرافيا واقتصاديا واجتماعيا وحتى أخلاقيا ، لكن لا حياة لمن تنادي ، بل ولم نعد ننادي ولا ننتظر في الأفق أي أمل على ازدهارها إلا إذا تدخّل جلالة الملك محمد السادس بغيرته المعروفة واقتلع هذا الفساد من جذوره ليعيد إليها اعتبارها ، لأن الفساد الذي يطال هذه المدينة ليس وليد اليوم وليس قصير الأمد أيضا ، لذلك يئس سكان المدينة كل اليأس من أي نجاح لمدينتهم في المستقبل القريب ، لكن التشبث بالأمل حق مشروع ، ولهذا السبب تناشد الساكنة تدخل جلالة الملك لإنقاذ المدينة من هذا الضياع وهذا الإهمال الذي طال أمده أكثر مما يتصور ..