بقلم: تيماء الجيوش
أي تحليلٍ أو دراسة للمجتمع الحديث يتطلب دراسة التغيير السياسي والاجتماعي فيه وما يشمله هذا التحليل من التحول الديمقراطي ، التغيير الثقافي، مسألة الهوية، البدائل ودور المجتمع المدني، التغيير النظرية والتطبيق و دورهما في إنتاج رؤية حديثة . كما لا بد من دراسة العوامل المحلية والدولية المؤثرة.
والتغيير هو مسألة طبيعية يقع في المجتمعات الإنسانية كافة دون استثناء على اختلاف العوامل و الأهداف و لعل أهم هذه الأهداف هو مجتمعٍ تعددي يتمتع بالمساواة و الديمقراطية ، احترام الحقوق و شمول دون تمييزٍ .
على الصعيد السياسي، عادة تتغير السياسة وفقاً للتغيير الاجتماعي، لكن و ليس بالضرورة عندما تتغير السياسة يحدث التغيير الاجتماعي. في التغيير الاجتماعي هناك مواجهة واضحة قد تكون حادة احياناً مع مسألة السلطة ، لكن تغيير السياسة يمكن ان يحدث دون أن تعود بتحديث أو تنظير لمسألة السلطة.
أما على الصعيد الاجتماعي، يُرّجح علماء علم الاجتماع على أن التغيير الاجتماعي هو تغيير في ديناميك التفاعل الاجتماعي و ما يليه من علاقات اجتماعية و بشرية والتي بالتالي تقوم بتحويل أساسي وفاعل في بنية و أداء المؤسسات الثقافية والاجتماعية. يحدث التغيير الاجتماعي بمرور الوقت وغالبًا ما يأتي بنتائج جذرية بعيدة المدى على المجتمع. لعل من أهم الأمثلة على هذا التغيير هو ما دفعت به الحركات الاجتماعية نحو احترام الحقوق المدنية ، احترام حقوق المرأة …فبات من حق المرأة الترشح، الانتخاب، العمل ، الطلاق، الزواج، …الخ. حيث تغيرت العلاقات ، وتغيرت المؤسسات و تغيرت الأعراف الثقافية نتيجة لهذا التغير الاجتماعي .
في هذا الحيز من المفيد أن يُدرك الأفراد عمق تأثيرهم كقوة جماعية قادرة على التغيير الاجتماعي. ليس هذا وحسب بل تشذيب و خلق نوعٍ جديد، نوعٍ مختلف من التغيير و الذي ينسجم مع رغبتهم و رؤيتهم المتطورة الحضارية- المدنية دون السكون لما هو ثابت او قبول ما تغير سابقاً كقانون دائم ، هو القدرة على التغيير النوعي بكل معاييره وكل ما يتطلبه من اهتمامٍ و التزامٍ وعمل من اجل عالمٍ أفضل. يحدث هذا في زمن السلم لكنه أيضاً يحدث في زمن الحرب.
وهذه الأيام قد يكثر الحديث عن الحروب والحروب الأهلية و الصراعات المسلحة عموماً، ربما لتعددها في أكثر من بلد لا سيما في عالمنا العربي.يرافق ذلك الاهتمام دراساتٍ عن أسبابها، مفاعيلها ونتائجها القريبة والبعيدة ، وهذه الأخيرة أي النتائج وإبعادها يتم تناولها مع إدراٍك لماهيتها . فالحروب آثارها تنتقل الى مركز المنظومة الاجتماعي، هي تتجاوز الجانب المادي إلى المجتمعي إلى المعتقدات والقيم و ربما بعضاً من الثقافة و على اختلاف وتيرة هذا الانتقال فهو قائم و يحدث و يؤثر في المجتمع ومنظومته القيمة ، لا يمكن أن يقع عنفاً ، صراعاً دموياً ، حرباً أهلية دون أن تتغير قيم معينة. حدث هذا في لبنان ، العراق، اليمن ، ليبيا، سوريا و مآلات هذه الحروب و الاستقطابات السياسية والطائفية و طوفان الدم البربري الذي نال من أبناء البلد الواحد، أبناء الجلدة الواحدة.
سياسياً واجتماعياً العديد من الدول العربية اليوم على موعدٍ مع التاريخ، على موعدٍ أن تختار ، أن تدفع نحو احترام حقوق الإنسان، احترام حقوق المرأة والمساواة و بناء الديمقراطية ، تتجه نحو منظومة قيمة لا تخلف فيه ولا جهل فيها ، ثم عبر التغيير تُصلح ما هدمته الحروب و تُعيد بناء الوطن ليشمل جميع أبنائه. أو أن تنأى عن التغيير ، تُبقي جميع الشرائط السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية على حالها ما يُبقي على أسباب الحروب الأهلية و لتُنكئ من جديد و بسهولةٍ يُغذيها الغضب والخذلان و الجمود السياسي و الاجتماعي.
بحث هذه القضايا ليس بالهام فقط للأفراد و انخراطهم المستمر على مستويات متعددة للمساعدة في بناء عالم و مجتمع حداثي ، بل هو أمر هام للمؤسسات المعنية بالتغيير الاجتماعي والسياسي وهذا ما سيخلق المساحات للنقاش و التعليم و الحوار و تقبل الآخر و أن يكون الوطن وطن الجميع . هي مسألة خيار. هو موعد مع التاريخ.
أسبوع سعيد لكم جميعاً.