أجرى الحوار: فريد زمكحل
حققَّت مدينة “أصيلة المغربية” من خلال مؤسسة منتدى أصيلة للفنون والثقافة على مدى مسيرتها الطويلة لرعاية وتنشيط الحركة الثقافية العربية الأفريقية تحت الرعاية السامية الكريمة للمغفور له جلالة الملك الحسن الثاني ومن بعده لخلفه جلالة الملك محمد السادس حفظه الله نقلة نوعية أشاد بها كل من عايش مسيرة هذه المؤسسة الفاعلة منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا من كتاب وشعراء وفنانين ومثقفين إلى آخره من الذين عرفوا وتيقنوا السبب الحقيقي وراء تحقيق هذه المؤسسة الثقافية التنويرية لكل هذا النجاح يكمن في المجهود المضنى والدور البناء الذي قام به ومازال يقوم به مؤسسها وأمينها العام معالي محمد بن عيسى وزير خارجية المغرب السابق وعمدة مدينة أصيلة منذ 20 عاماً وحتى يومنا هذا ومن هنا بزغت فكرة وجودي ومشاركتي في فعاليات هذا المنتدى تلبية لدعوة كريمة من معاليه وفي إجراء هذا الحوار الشيق الذي أثق بأنه سوف ينعكس بكل الخير على كل من يعمل أو يهتم بمسيرة الثقافة العربية ما بين الماضي والحاضر والمستقبل . وكان لي ما أردت حيث إلتقيت مع معالي الوزير الإنسان الأستاذ / محمد بن عيسى الذي رحب بي بشاشته المعهودة وكرمه المعروف والذي استهليت حديثي معه بهذه الكلمات:
معالي الوزير محمد بن عيسى أسمح لي بادئ ذي بدء أن أتقدم منك ولك بكل الشكر والتقدير على دعوتكم الشخصية لي للمشاركة في أعمال منتدى مؤسسة أصيلة الثقافية والشعرية لعام 2019 بمناسبة مرور 41 عاماً على تأسيسها تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس وإدارتكم المميزة له منذ قيامكم بتأسيسه وطيلة مسيرته المعطاءة والمتميزة كل التميز حتى يومنا هذا. كما يسعدني أن أبلغكم بشكر وتقدير جميع الزملاء الكتَّاب والمحررين في جريدة الرسالة ومنظمة الكتاب الكندية الأفرو أسيوية على هذه الدعوة الكريمة وهذا الكرم الحاتمي المعهود فيكم والمعروف عنكم وعليه دعني أبدأ حواري معكم بالسؤال التالي :
س) أسمح لي بأن اطالب معاليك بتقديم نبذة شخصية عنكم للسادة قراء جريدة الرسالة في كل مكان؟
ج) أنا محمد بن عيسى من مواليد أصيلة وتعلمت فيها ونمنها حيث كانت في ذلك الوقت تحت الاحتلال الأسباني وكما تعلم بأن المغرب كان مقسماً بين اسبانيا وفرنسا، وبعد المرحلة الابتدائية قمت بإكمال مراحلي التعليمية في مصر وهناك حصلت على الإعدادية والثانوية حتى السنة الجامعية الأولى حيث حصلت على منحة دراسية في الولايات المتحدة الأمريكية وكنت في إحدى الجامعات القريبة من الحدود الكندية وبعد تخرجي منها ذهبت والتحقت بجامعة كولومبيا وبعد ذلك عملت ملحقاً صحفياً في البعثة الدائمة المغربية لدى الأمم المتحدة ثم بعد ذلك انتقلت للعمل في هيئة الأمم المتحدة وعملت مدة في نيويورك ثم أديسا بابا ثم بعد ذلك انتقلت للعمل في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة كما أمضيت 5 سنوات في غانا كمستشار إعلامي في أفريقيا ثم بعد ذلك أمضيت 5 سنوات في روما وبعد ذلك قررت العودة إلى المغرب وتحديداً إلى مسقط رأسي مدينة أصيلة وكان ذلك بعد المسيرة الخضراء ” المغرب الجديد” حيث تقدمت مع بعض زملائي لانتخابات البلدية سنة 1976 وكان تعداد سكان أصيلة 17 ألف نسمة وبعد ذلك تقدمت لخوض الانتخابات التشريعية وكان هنالك مقعد لأصيلة فزت به وأصبحت نائباً في البرلمان وانتخبوني مقرراً عاماً للجنة الثقافية والإعلام وفي عامي 77، 78 تبين لي أنه ليس في مقدور البلدية وفق ما كان متوفراً من إمكانيات أن تنهض بالمدينة حيث كانت المدينة في حالة غير مُرضية على الإطلاق من خدمات ومرافق عامة إلى آخره وهنا قررنا القيام بتأسيس جمعية لمساعدة البلدية اطلقنا عليها أسم جمعية المحيط الثقافية وكنا من خلالها نعتني بالجانب الاجتماعي والأسلوب العمراني المنشود، وفي سنة 1984 تم انتخابي رئيساً للبلدية أي عمدة للمدينة، وفي سنة 1985 عينت وزيراً للثقافة وأستميت في هذا المركز لمدة 7 سنوات أي لسنة 1992 ، عُينت بعدها سفيراً لجلالة ملك المغرب في واشنطن لمدة 7 سنوات حيث تم تعييني بعد ذلك وزيراً للخارجية وأمضيت في العمل بهذا المنصب قرابة 9 سنوات حيث تقاعدت بعد هذه المدة حيث قمت بتركيز كل عملي على مدينة أصيلة مدينتي ومسقط راسي من خلال تحويلنا لجمعية المحيط إلى مؤسسة أطلقنا عليها أسم مؤسسة منتدى أصيلة، والتي اشغل بها منصب الأمين العام، وهي تُعنى بالقضايا الثقافية وتقوم في كل عام بتقديم مهرجان ثقافي كما تُعني باستقطاب رؤوس الأموال الباحثة عن الاستثمار في المدينة مع المجلس البلدي والسلطات المحلية، وفي سنة 1978 قررنا أن نُحيي لدى السكان فكرة الشعور بالذات حيث قمنا بدعوة 11 فناناً مغربياً من كبار الفنانين للصباغة على الجداريات ومع كل فنان ألحقنا 15 طفلاً مع كل فنان أصبحوا الآن من كبار الفنانين، والهدف كان إشعار الناس بالجمال وضرورة العمل على الحفاظ على البيئة وهبات الطبيعة، وفي نفس العام قمنا بتأسيس مشغل للفنون مازال يعمل حتى اليوم وأول مساهم فيه كانت المنظمة الكندية للتنمية cida حيث ساهمت بما قيمته 15 ألف دولار كندي وذلك من خلال شرائهما لماكينتين للحفر، وكان أول مشغل للحفر في أصيلة، ومازال يعمل حتى الآن ، كما قمنا بدعوة الشاعر الراحل محمود درويش وغيره من الشعراء وكان ذلك في العام الأول للتأسيس، وخطوة خطوة قمنا بتطوير هذا العمل الثقافي الذي أسهم أولاً في إحداث أرضية نلتقي فيها العرب مع الأفارقة مع الآخر في جميع إنحاء العالم من خلال مؤسسة غير حكومية وثانياً في استخدام الثقافة كمورد للتنمية المالية حيث لا نملك بترولاً أو ذهباً ومازلنا على هذا النحو إلى آخره لذا اتجهنا لتوظيف مُخيلة الإنسان للابتكار والإبداع والاستثمار في هذا الاتجاه ..
س) معالي الوزير هل سأكون محقاً إن قلت بأنك صاحب مدرسة فكرية سبَّاقة ؟
ج) لا هذا كثير في تقديري لأنني قمت بعمل بسيط كبر مع الأيام هدفت من خلاله كما قلت سابقاً في استثمار وتوظيف مُخيلة الإنسان لتصبح مورداً لاستقطاب الاستثمارات وللفت انتباه الدولة لتحسين المرافق حيث لم يكن هناك ميناء للصيد مع ضعف الكهرباء كما كان الماء الصالح للشرب متاحاً لمدة ساعة في اليوم ولكن تم معالجة كل هذه المشكلات من خلال توظيف ما لم يكن مورداً من قبل قيامنا بتوظيف مخيلة الإنسان في اتجاه الفن والثقافة لاستقطاب رؤوس الأموال للاستثمار في مدينة أصيلة .
س) معالي الوزير أنت رجل متزوج فهل أثر عملك المستمر والمتواصل سواء على المستوى السياسي أو الخدمي أو الثقافي المدني على حقوق العائلة بشكل ما في التمتع بحياة أسرية أكثر هدوءا من الآن؟ وكيف كنت تجد الوقت لتحقيق المساواة ومتطلبات الزوجة والأبناء ؟
ج) في الحقيقة اقسى مرحلة كانت لأولادي عندما شغلت منصب وزير للخارجية ولك أن تتصور بأنني لم أحضر أي حفلة تخرج لأي ولد من أولادي، ولم أحضر أعياد ميلادهم، حيث كنت دائماً في مهمات رسمية ولكن زوجتي كانت قائم مقام من ناحية أخرى كنت أحاول بقدر المستطاع التوفيق بين البيت والعمل .
س) منّ من أولادك ورث عنك حب الخدمة العامة والعمل في مجال الثقافة ؟
ج) أعظم ظني أن هناك غالباً قاعدة إنسانية تقول أن الأولاد لا يخلفون إبائهم وأنا عندي أبني البكر أمين الآن هو أستاذ في جامعة أكسفورد كما عندي ابنتي تزوجت الآن ولديها طفل بعد تخرجها أيضاً من جامعة أكسفورد وللأسف ليس لديهما ذات الاهتمامات ولا يشاركونني سواء على المستوى السياسي أو الخدمي ، لكنهم استفادوا من معايشتهم لي خاصة في البدايات حيث كنت اناضل لاستقطاب الموارد الضرورية وإقامة هذا الملتقى السنوي كذلك تعرفوا على قاعدة كبيرة من كبار المثقفين والفنانين العرب والأفارقة والعلاقات الطيبة من أهم العوامل المساعدة للتنمية العامة بمفهومها الشامل سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي .
س) لو سألت معاليك عن أهم هواياتك الشخصية بماذا تُجيب ؟
ج) من أهم هواياتي التصوير وقد أقمتُ العديد من المعارض في هذا الخصوص، وهوايتي الأخرى هي عشقي لمدينة أصيلة، فحينما عدتُ من الأمم المتحدة في أغسطس سنة 1976 جلست بمفردي في منزلي واللهِ العظيم لأقرر ماذا أفعل حيث قلت وقررت أن أعطي نصف ما تبقى من عمري لبلادي والنصف الآخر لمدينتي .. أولادي كبروا ولم يعد هناك سوى أنا وزوجتي ..
س) طيب وماذا عن حبك للكتابة ؟
ج) كنت زمان أكتب أما الآن فأنا لم أعد كالسابق لأسباب كثيرة وأنا كنت رئيس تحرير جريدة الميثاق وأحب القراءة من حين لآخر ، قاطعته قائلاً يعني أقدر أصفك بالزميل !! أجابني قائلاً أنا حياتي بالمناسبة كلها في الإعلام إلى اليوم الذي عُينت فيه وزيراً للثقافة حيث عدت للصحيفة ولم يكن يعلم أحد نبأ تعييني وزيراً للثقافة حيث قلت للجميع أثناء إجتماع مصغر ، أنا آسف سوف أخبركم بخبر غير سار سأغادركم .. وزير العدل الحالي محمد أوجار كتب مقالاً بعنوان وداعاً سي محمد ظهر في اليوم التالي لهذا الاجتماع .. حياتي كلها كانت في الإعلام حيث درست الإعلام في الولايات المتحدة وعملت في الإعلام وتدربت في الـ NBC في نيويورك وعملت كمذيع لعدة سنوات وأشتغلت كرئيس تحرير لجريدة ، كما عملت كمصور ” كاميرا مان” وأنا طالب .. ومازلتُ مغرماً بالإعلام والعمل الإعلامي .. الإعلام يدخل دماء الإنسان (فيروس إيجابي) .
س) ما هو السؤال الذي كنت تتمنى أن أتوجه به لمعاليك ولكني لم أفعل ؟
ج) السؤال الذي كنت أتوقعه منك ولكنك لم تطرحه هو، ثم ماذا بعد موسم أصيلة للعام الـ41؟
س) لو أفترضت بأنني قمت بطرح هذا السؤال عليك بماذا كنت ستجيب عليه ؟
ج) سأقول بأني بذلت جهدي لتكوين فصيل عريض أو كبير من الشباب والشابات لمتابعة هذه المسيرة وبطبيعة الحال العائق الأول والأكبر هو في كيفية توفير الموارد اللازمة لتحقيق ذلك .. لأنك حين تقوم بتنظيم عملاً بهذا الحجم أنت في حاجة لمشجعين وداعمين له ونشكر الله بأننا نحظى حتى اليوم بأكبر تشجيع حقيقة سواء على المستوى الإنسانى أو العاطفي أو المادي من خلال جلالة الملك محمد السادس الرئيس الشرفي لمؤسسة أصيلة منذ عام 1978 وكان عمره في ذلك الوقت 15 عاماً وكان ولياً للعهد ومنذ ذلك التاريخ وجلالته مرتبطاً بهذا المشروع إرتباطاً وثيقاً ويصبغ عليه رعايته السامية في كل عام ويُدعمنا في كل الأحوال كما نتلقى العديد من المساعدات من بعض المؤسسات والهيئات سواء الخاصة منها أو المحلية ومن البلديات وخوفي يتمحور فيمن سوف يخلفني ربما لن تتوفر له تكوين كل هذه العلاقات أو لايكون له القدرة على فعل ذلك لأن المسألة برمتها مسألة علاقات وأملي أن تتولى الدولة رعاية هذا المشروع من خلال تخصيصها مبلغاً سنوياً من خلال وزارة الثقافة لتدعيم موسم أصيلة الثقافي بالتعاون مع رؤساء البلديات إلى آخره .
إلى هنا عزيزي القارئ أنتهى حديثي مع معالي الأستاذ محمد بن عيسى وزير خارجية المغرب الأسبق وعمدة مدينة أصيلة بعد أن قمت بشكره على خالص أمنياته لي وللرسالة بدوام التألق والتوفيق … نعم محمد بن عيسى ظاهرة تستحق كل الإعجاب والتقدير شخصية قلَّ أن تجد مثلها في عالم اليوم .