بقلم: ابراهيم شير
ليفترض أي مواطن سوري أنه استيقظ في الخامسة فجراً ليجد نفسه مرافقاً شخصياً للرئيس السوري بشار الأسد، وقبل أن يتحرك من كرسيه يرى الرئيس لا يزال على مكتبه يقلب بين الاوراق والملفات التي أمامه ويقرأ بعض التفاصيل من الحاسوب، ثم يأخذ الهاتف العسكري ليتصل بالضابط المسؤول على الجبهة في المنطقة الشمالية الغربية ويأخذ آخر المعلومات التي حدثت منذ آخر اتصال أجراه معه قبل مدة لا تتجاوز الثلاث ساعات، وبعد محاورات مع الضابط يعطيه بعض التعليمات العسكرية ويغلق السماعة حتى يتصل بمسؤول المنطقة الشرقية ويطلع منه على الأوضاع في الحسكة، ويستمر في الاتصالات بين الرقة ودير الزور وجبهة ريف حلب الشمالي والمنطقة الوسطى والجبهة الجنوبية لسوريا، وبعد كل هذا ينظر الرئيس الأسد الى المرافق ويقول له اتشرب القهوة فيذهب الرئيس بنفسه ليقوم بتحضير القهوة له ولمرافقه ويقول له (لن تستطيع معي صبراً).
ما أن يذهب الرئيس ليغسل وجهه ويتناول الإفطار حتى يأتيه اتصال من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ويناقش معه الوضع العسكري والسياسي والاقتصادي وأوضاع اللجنة الدستورية وهنا يحاول المتصل أن يقدم اقتراحات بشأن اللجنة أو الانتخابات الرئاسية، فما يكون من الرئيس إلا أن يتصرف بحزم وبما يمليه عليه واجبه الدستوري وهو الحفاظ على هيبة الدولة واستقلال قرارها، فيقول له هذا شأن داخلي يقرره السوريون فقط، نحن نتقبل منكم كحلفاء النصائح والمشورة ولكن أكثر من ذلك لا، وكل هذا يجري وهو على طاولة الطعام التي اكل منها الرئيس الاسد القليل فقط ويذهب الى مكتبه فوراً ليكمل عمله.
أثناء نزول الرئيس المرأب ليركب سيارته يسلم على كل من يراه في طريقه سواء المرافقة أو المزارعين في الحديقة وحتى السائقين ويطمأن على أوضاعهم جميعاً ثم يركب سيارته والى جانبه مرافقه ويذهب إلى مكتبه. أثناء الطريق يحاور مرافقه عن الأوضاع الاقتصادية في البلاد وأزمة المحروقات وطوابير الغاز وارتفاع الأسعار وسعر صرف الدولار وأثناء الحديث يقول الرئيس لمرافقه في الامس كتب فلان على الفيسبوك هذا المقترح وارى أنه جيد لو طرح بهذه الصورة وأُضيف له هذا التفصيل، وفلان كتب كذا لكنه هاجم الحكومة بطريقة ليست إيجابية ليته قام بإعطاء النصائح وليس الهجوم فقط، هنا يتفاجئ المرافق كيف علم الرئيس بكل هذه التفاصيل؟
يصل الرئيس الأسد إلى مكتبه وكالعادة يتفقد أحوال الجميع من عامل النظافة وحتى مدير مكتبه، وما أن يجلس على كرسيه حتى تنهال عليه الاتصالات من كل حدبٍ وصوب، يأتيه رئيس مجلس الوزراء ليناقش معه الميزانية العامة للدولة وأثناء الاجتماع يدخل وزير المالية ليناقشه الرئيس بقرار رفع الرواتب ويقترح الرئيس اعفاءات مالية للموظفين بالإضافة الى المنح والقروض، ثم يتناقشون عن سعر صرف العملة الأجنبية والسعر في السوق السوداء وطريقة ضبط هذا الأمر، وهم في الاجتماع يستأذن وزير النفط للدخول ويبلغ الرئيس الأسد بأن هناك أزمة في مخزون الدولة من المحروقات ويطرح أفكاره لتجاوز الأزمة في الوقت الراهن وهنا يبدأ نقاش بين شد وجذب بخصوص هذا الأمر، وما هي إلا دقائق حتى يدخل وزير الكهرباء ويفتح نقاش عام بخصوص الكهرباء والتوريدات النفطية لها وأزمة القطع في المحافظات السورية ومحطات الكهرباء التي قيد الترميم والتي دمرت بسبب الأعمال الإرهابية يتم خلال هذا النقاش وضع الخطوط العريضة للمرحلة القليلة المقبلة وينتهي الاجتماع.
هنا تكون الساعة قد وصلت الثالثة عصراً، ويتنفس المرافق الصعداء لأنه يتصور أن الرئيس الأسد قد انتهى من الاجتماعات لكنه كان مخطئأ لأن ما إن شرب الرئيس الماء حتى دخل وزير الصحة ليناقش مع الرئيس الأسد آخر التطورات الصحية في البلاد ووضع وباء كورونا ويدخل بعدها وزير التربية ووزير التعليم العالي ويتم النقاش حول تفشي الوباء من عدمه في البلاد وضرورة الإغلاق الصحي أم يبقى الوضع على ما هو عليه، وهنا يكون وزير الداخلية ووزير حماية المستهلك في الاجتماع ليتم بحث قضية الإغلاق هل هي فكرة سديدة في ظل هذه الأزمة أم لا وهل سوف تفيد المواطن فعلاً أم لا ايضاً، بالاضافة الى الاوضاع الامنية.
هذا الاجتماع ينتهي في المساء ويتصور المرافق أن اليوم قد انتهى وسوف يذهب ليتناول الطعام الفاخر برفقة رئيس الدولة، لكنه كان مخطئاً أيضا لأن وزير الدفاع وضباط رفيعي المستوى يدخلون الى مكتب الرئيس ليعقدوا اجتماعاً عسكرياً يتناول كل القضايا بداية من طعام الجنود ولباسهم على الجبهة حتى آخر التطورات العسكرية، يقدم الضباط اقتراحاتهم ويناقشهم الرئيس بكل تفصيل بخصوص الوضع العسكري، وفي نهاية الاجتماع يقول لهم الرئيس ألم تنسوا شيئاً؟ فيقولوا مثل ماذا؟ فيقول لهم التسريح العسكري فيطلب منهم دراسة قرارات تسريح دورية ويقول لهم العسكري هو أخي وابني لذلك يجب أن يبقى بخير لأنه حامي هذا الوطن.
هنا نكون قد وصلنا الى نصف الليل وفعلاً انتهت الاجتماعات الداخلية لتبدأ أخرى خارجية يتم خلالها تبادل الاتصالات مع زعماء وقادة دول العالم الذين بينهم حليف وآخرون على الحياد العلني فقط، وبعدها يقول الرئيس الأسد لضيفه فلنذهب لنتناول الطعام، المرافق هنا يتصور أنه سوف يأكل الآن أفخر أنواع الطعام، لكنه يصدم عندما يرى طاولة طعام عادية جداً وبسيطة ايضاً عليه ما يوجد على طاولة أي عائلة سورية ويقول له تفضل فأنا ايضاً لم أتناول الطعام الاساسي منذ يومين أو ثلاثة ولم أنم منذ تلك الفترة ايضاً، وهو يتناول الطعام يفتح حاسوبه على مواقع التواصل الاجتماعي ويتابع جميع ما ينشر من المواطنين السوريين وأي مشكلة يراها يكتبها على ورقة ثم يعطي الأوراق لمدير مكتبه لكي يتم حلها، ويلتفت على الضيف ليقول له كل منزل لا توجد فيه الكهرباء ويشعر سكانه بالبرد أو بالحر أنا من يتألم، كل لاجئ في الخارج سواء كان معارضا او مؤيدا أنا من يتألم عليه، كل حجر دمر في الوطن أنا من يتألم، ولكن هذه الحرب فرضت علينا ويجب أن نخوضها، والله لو كان الحل برحيلي لرحلت ولكن الحل هو إنهاء سوريا من على الخريطة لذلك بقيت.. ثم يلتفت الى المرافق ويقول له، لقد نسيت ان اليوم هو عيد زواجي، هل تتصور ان اسماء سوف تتجاوز هذا الامر؟ فانا لم ارى عائلتي منذ عدة ايام بحكم ضغط العمل الهائل.
هذا يوم تخيلي رفقة الرئيس الاسد ولكن جميع من يعرف الرئيس شخصياً يعلم أن هكذا هو يومه، ومن يتابع القرارات الرئاسية التي تصدر منه شخصياً يعلم أنه على علم بكل التفاصيل مثلاً منذ بداية العام الجاري وحتى الآن، صرف العديد من المنح المالية للموظفين في الدولة المدنيين والعسكريين، وقدم إعانة مالية لزيادة قيمة القرض الطلابي الشهري ليستفيد من ذلك اكثر من 300 الف طالب، ورفع أجور الساعات التدريسية للمكلفين بالتدريس في التعليم الأساسي والثانوي، ثم أقر القانون رقم 8 لتأسيس مصارف التمويل الأصغر لدعم المشاريع الصغيرة لمحدودي ومعدومي الدخل، ومنح عفواً عن الجرائم التي ارتكبها المكلفون بخدمة العلم بقصد التملص من الالتحاق، ووجه بدعم الصناديق التعاونية في المؤسسات ليتمكن الموظف من الحصول على مبلغ يسند فيه حاجته، بالإضافة الى قرارات كثيرة اخرى وهو بهذه الفترة كان مصاباً بوباء كورونا ولم يعفيه هذا من متابعة هذه التفاصيل واتخاذ هذه القرارات.
من يرى صورة الرئيس الأسد قبل عشرة أعوام ويراه الآن يشاهد كم التعب الذي اعترى وجهه، فهو يعيش يومياً ضغوطات خارجية من الأعداء والحلفاء على حد سواء، بالإضافة الى الضغوطات العسكرية والسياسية، ثم ضغوطات الشارع السوري والحصار وأزمة قيصر ناهيك عن أزمة الفساد واللاجئين والمناطق المحتلة، ورغم ذلك يتابع كل التفاصيل في البلاد ويراقب كل تصرف للحكومة ويصدر قرارات مهمة وحساسة تفيد المواطن السوري لأنه بوصلة الرئيس.