بقلم: شريف رفعت
أخذ يفكر في الموضوع و هو لا يصدق ما جرى له، اعتقد دائما أنه على قدر وافر من الذكاء فكيف فاته هذا الأمر، هل لم تكن هناك بوادر لما هو آت؟ أم كانت هناك لكنه لم يلاحظها في غمرة حـُـسْن النية المتوفر من ناحيته و الذي يتوقعه من الآخرين؟ أخذ يستعرض الأحداث التي قادت للوضع المؤسف الحالي، تعرفه عليها عن طريق أحد أصدقائه و الذي هو صديق لأخيها، أخوها هذا يبدو شخصا عاديا، مظهره و طريقة تفكيره يبدوان عاديان و يمكنه بسهولة التواصل و التفاهم معه، هي نفسها بدت عادية أثناء زياراته لهم و حتى تم عقد القران، أخوها الآخر الكبير هل هو سبب المشكلة؟ منذ لقائه به أول مرة لم يسترح له، ذقنه طويلة غير مشذبة، زبيبة صلاته كبيرة مُسْتَفِزَة تشبه قرحة على جبهته، دائم البسملة و الحوقلة حتى بغير مناسبة، هل كانت شخصية هذا الأخ الإنذار الذي لم ينتبه له؟ أسرتها بدت معقولة كملايين الأسر في البلد، كلهم جامعيون، مستواهم المادي مقارب لمستوى أسرته فهم من الطبقة المتوسطة أو المتوسطة المتيسرة، مواضيع كلامه معها و مع أسرتها مواضيع عادية تتناول الحياة عموما، لكن هل كان ذلك ستارا خبيثا للواقع؟ واقع أن زوجته مخها ضارب و فهمها للدين مختلف تماما عن فهمه هو، تقبل بعض تصرفاتها في البداية بدون مبالاة، بل وجدها طريفة لحد ما، يتذكر مثلا عندما دخلا شقتهما لأول مرة بعد حفل الزفاف مباشرتا و إصرارها على أن يصليا معا فور دخولهما الشقة ركعتين حمدا و شكرا و طلبا للبركة، لا عيب في ذلك و قد استجاب لطلبها دون تعليق، أيضا ترديدها دعاء الجـِماع عندما يبدأ في ممارسة الغرام معها، فلتدعو ألف مرة لا يضيره ذلك في شيء، لكن الموضوع تطور بعد ذلك فخلال الستة أشهر الماضية و من وقت زفافهما و هي تخرج عليه كل يوم بطلب أو تقليعة تصيبه بالجنون، بدأت بطلبها منه أن يطلق لحيته، رفض طلبها فدخلت معه في نقاش فقهي لم يقنع خلاله أحدهما الآخر، تلى ذلك إصرارها على ذهابهما للمسجد لصلاة المغرب جماعة ثم حضورهما لدرس ديني حتى يحين موعد صلاة العشاء، عندما لم تجد استجابة منه قررت أن تذهب بمفردها بعد أن أخذت إذن منه حتى لا تكون زوجة ناشز، لاحظ عدم سماعها للموسيقى و الأغاني و تسللها من الحجرة بهدوء إذا بدأ هو في سماع ما تعتبره حرام، تقضي أغلب وقتها في قراءة القرآن و الأحاديث و الكتب الدينية، قد لا تكون أي من هذه التصرفات في حد ذاتها خطأ أو مـُنـْتـَقَدَة لكن ما يضايقه هو اختلافهما في التفكير، فهما لا يفعلان أشياء مشتركة معا نتيجة لاختلاف الاهتمامات، أيضا هناك جو عام و إن كان خفي من لومها له، كأنها بتصرفاتها هذه تذكره دائما بأنها أفضل إسلاما منه.
في الأيام الأخيرة زادت تصرفاتها تطرفا، في لقاء لهما مع أحد أصدقائه و زوجتة اعتذرت عن مصافحة الرجل مما وضعه في موقف حرج، كالمعتاد كان هناك نقاش بينهما حولته هي إلى مساجلة فقهية فأنهى النقاش دون التوصل لحل، بدأت تحدثه عن ارتدائها للنقاب فلما رفض مجرد مناقشة الفكرة أعلنت أنها ستستجيب له ليس على اقتناع و لكن لأن واجبها الديني كزوجة أن تطيع زوجها، و إن كانت قد عادت لتسأل لاحقا هل تجب طاعة الزوج حتى فيما يغضب الله، فقررت أن تستشير شيخها في المسجد بخصوص هذا الموضوع و الذي حرص هو على ألا يفتحه مرة اخرى.
بلغ الأمر ذروته من حوالي أسبوع حيث كانا في مكان عام رجعت منه للمنزل غاضبة، كان سبب غضبها أنه ينظر للفتيات و النساء الموجودات بالمكان، بمصطلحها هي كان “لا يغض بصره”، كالمعتاد صار بينهما نقاش، كانت وجهة نظرها أنها تعترض على ما فعله ليس بسبب الغيرة و لكن لخوفها عليه من سعير جهنم حيث يذهب من لا يغضون الأبصار، و كالمعتاد لم يحسم النقاش الموضوع و ظلت غاضبة، إلى أن جاءته من يومين و أخبرته أنها فكرت مليا في موضوع عدم غضه لبصره، و هداها تفكيرها إلى أن هذا شيء طبيعي حيث الرجال عموما لهم احتياجات جنسية لا تكفي زوجة واحدة لتلبيتها، و قد قامت بالاستخارة و التي بناءا عليها تطلب منه أن يبحث لنفسه عن زوجة ثانية و بذلك يمكنه غض البصر و عدم النظر أو التفكير في نساء أخريات، ثم شرحت له و على وجهها ملامح الشهداء أنه كان هناك صراع عنيف داخلها بين كونها أنثى تود أن تنفرد بشريك عمرها و بين كونها مسلمة صالحة تقدم على هذه التضحية كي لا يرتكب زوجها الحرام. صُدِم مما قالته، أخبرها بكلمات قليلة أنه سيفكر في الموضوع، و ها هو يجلس في النادي بمفرده و يفكر، أتضح له أن الموضوع زاد عن حده و أصبح غير محتمل، سأل نفسه أين هي من بنات الأسرة و بنات النادي المتفتحات المنطلقات المستمتعات بالحياة؟ ما هذا الخبل الذي يسيطر على تفكيرها، و أي قدر تعس قاده لهذه الزيجة. هداه تفكيره إلى أن زيجته فاشلة و أنه يجب أن ينهيها بأسرع ما يمكن فالفرق بين تفكيرهما رهيب، بالطبع القرار له تبعات صعبة، فالأسرتين سوف يصدما، هي نفسها رغم خلافاته معها يصعب عليه أن يجرح شعورها، لكن أليس هذا أفضل من أن ينتظر أكثر من ذلك، أليس أفضل من أن يكون عندهما أولاد فيعانون من توابع الطلاق أو يحجم هو عنه بسببهم و يعاني باقي حياته، قرر أن يقدم على هذه الخطوة الصعبة اليوم قبل الغد و قد تأكد له أنها الصواب الذي سينهي معاناته.
توجه عائدا إلى منزله، دخل عليها و هو يفكر كيف سيفاتحها في الموضوع، قرر أن أنسب وسيلة هي الصراحة و أن يكون مباشرا.
بادرته قائلة: أبشر يا حبيبي.
سأل نفسه “ما هي البشرى هذه المرة؟ هل انتهت من حفظ جزأ آخر من القرآن؟ أم وضعت يدها على كتاب نادر في الفقه سيزيد من معلوماتها الفقهية؟”.
سألها دون حماس: خير؟
أجابت: أبشر حبيبي، أنا حامل.