بقلم: سونجا الحداد
يقف المرء حائرا أمام ظواهر طبيعية عجائبية وغير مألوفة مما يدعوه الى التصميم على اكتشافها وتفسيرها، أما الظواهر العجائبية الدينية فهي تُقبل دون تحليل أو أي التماس منطقي وعلمي لها… لماذا؟
منذ أن وُجد الانسان وهو بالفطرة يسعى الى تفسير الظواهر الطبيعية والكونية التي تواجهه ولا يقبل بأنصاف الحلول لا بل يسعى حتى النهاية الى ايجاد الاجوبة الثابتة لها. ظواهر قد تصدمه كالصاعقة أو تبهره ولكنه نظرا الى الاكتشافات التي كانت حصيلة هذه الحشرية وحب المعرفة الكلية، يكرس وقته وعقله وأحيانا حياته كلها لأيجاد التفسير المنطقي أو الحقيقة التي تحملها هذه الظواهر. هذا الاهتمام بالبحث العلمي والمادي للأمور هو الذي دفع بالبشرية الى التطور في كل الميادين العلمية والمدنية، ومحاولة التأقلم معها. حتى أن الحكومات والشركات الخاصة تولي أهتمامها الكامل وتدعم معنويا وماديا بأموال خيالية، الابحاث المؤدية الى أيجاد الحقيقة وابرازها على الملئ.
أما بالنسبة الى الظواهر الروحية، فالحالة مختلفة كليا وذلك بسبب عدة عوامل أولها هو شهادة العديد من الناس لهذه الأعاجيب شخصيا بالرغم من عدم فهم أي شيئ من طبيعتها. ثانيا هو الايمان الاعمى بما أُنزل وكُتب في الكتب أو ما يرسخه القائد الروحي في نفوس المؤمنين والمجتمع. إنه الكلام المقدس الذي لا يُشك به، ولا يُحلل. ما قيل هو الحقيقة الابدية ولا حقيقة غيرها أبدا، والويل لمن يحاول الشك علنا بغية الاستفسار والتعمق الفكري الواجب لأي استقلالية أو تفرد في استيعاب الامور. وتاريخ البلدان مليء بقصص الرعب التي عاشها كل من تهيأ له الاستفسار عن أعجوبة ما والتمحص بمصدرها والتفلسف حول طبيعتها. أصبح الخوف من الله هو الرادع الاكبر لأي فكر، من التوغل في الاستفسار وتقصي الحقائق. ثالثا وهو الاهم، عدم قدرة الانسان سواء كان أميا جاهلا، أم نابغة مثقفا، سواء كان مستعبدا فكريا أم حرا، على تفسير الظواهر العجائبية وبالتحديد موضوع اليوم الا وهو الشفاء العجائبي، بدعم علمي مثبّت كليا كما هو الحال في العلوم الدنيوية والطبيعية.
حالات الشفاء العجائبية موجودة ولها أثباتاتها التي لا يضحضها الدكاترة أبدا، خاصة وأنهم يعرفون حالة المريض الميؤوس منها طبيا، ولكن لا يمكنهم تفسيرها علميا أبدا. في لبنان حالات الشفاء العجائبي عديدة وصحيحة ولا مجال للشك بها ابدا. الموضوع هو كيف تحصل هذه الشفاءات التي ندعوها عجائب؟ العديد ممن تم شفائهم، إما رأوا روحا ندعوها طاهرة، او قديسا أم قديسة تتجلى امامهم، تحدثهم ويشفون بعدها. أو أنهم يسمعون صوتا، أو يعيشون احاسيس جسدية غريبة، أو أنهم يعيشون نوعا من الاحلام يصحون من بعدها أصحاء. هذا الكلام ليس خرافة ولكن التفسير هو المهم. أنا مثلا من 12 سنة عرفت أنني أشكو من نوع سرطاني في الرئة دخل مرحلة الخطر وبدأ بأول انتشار له في مكان آخر من الجسم، نتيجة خطأ طبي لم يلفت نظري في الوقت المناسب. فكان القرار استئصال الورم الكبير والأبقاء على الصغير… في اليوم الثاني للعملية كانت الآلام غير محتملة ولدي حساسية على الأدوية مهدئة الالم. وفجأة من دون أي حسبان، رأيت شخصا متواجدا بقربي، نظرت اليه ( بالرغم من أنني كنت غير قادرة على أية حركة حتى ولو كانت تحريك عيني، واذ بي أرى القديس شربل (قديس من لبنان). قلت له من قلب محروق وأنا أمسك بيده وأضعها على كتفي الجهة اليمنى، جهة العملية: «أرجوك يا مار
شربل، ضع يدك هنا، أي على أعلى كتفي اليمنى، وأرحني»…. باللحظة ذاتها دخلت في سبات عميق وكأنني تخدّرت بشدة، ولم استوعب أي شيئ الى أن صحاني الممرض في اليوم التالي طالبا مني الاستيقاظ وقد بدت علامات القلق عليه لانني لم أكن أتجاوب معه وأستيقظ بسرعة. فتحت عيوني وكأنني أعود من بعيد، بعيد جدا، يلفني سلام داخلي عميق لم اختبره من قبل. المهم في هذه القصة هو أنه بعد شهر تماما من هذه الليلة، قمت بأول صورة للرئة والدكتور لم يتمكن من أيجاد الورم الثاني الذي كان موجودا قبل العملية في الجهة العليا لرئتي. كل سنة، ولمدى الحياة عليّ القيام بهذه الصورة، واليوم بعد 12 سنة، لا وجود لهذا الورم أبدا… أنا بطبعي أؤمن بالعجائب حتى لو لم يكن لها تفسير علمي أو منطقي، ولكن هل أؤمن بشكل أعمى في تفسيرها؟ فجوابي هو لا، لانني اخصائية بعلم الطاقة الذي مارسته ولم أزل، وأعرف أن الحقيقة هي أبعد من مدارنا الكوني والفكري.
فالحقيقة في الشفاء العجائبي لا يملكها أحد ابدا ولكن الانسان يحاول تفسيرها بشتى الطرق، حسب الرؤية التي حصلت مع المريض… أو يستغلونها لأثبات الدين والدعوة الى الإيمان الأعمى. الشفاء العجائبي يحصل مع أناس أحيانا لا علاقة لهم بالدين، ولا يصلون … لماذا وكيف؟ هنا موضوع الاشكال. هل الأيمان هو الذي يولد ما نسميه بالاعجوبة؟ وما هو الايمان؟ وهل يجب أن يكون الإيمان بدين ما ام بالنفس البشرية وقدراتها؟ ماذا نعرف عن قدراتنا الفكرية والروحية في اندماجها مع طاقة الكون الالهية؟ المعلم يسوع قال يوما:»لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ. « ماذا أراد أعلامنا به يسوع من خلال قوله (لاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ)؟ هل أراد التكلم عن الايمان الاعمى؟ أكيد لا. هل أراد لفت نظرنا الى قدراتنتا الطبيعية من خلال طاقتنا الخاصة، في الشفاء الذي يبدو لنا عجائبيا؟ هل أراد أن يفهمنا بأن تناسقنا مع طاقة هذا الكون اللانهائي هو الذي يولّد الاعجوبة وما هي معايير هذا التناسق؟ هل التناسق الكوني يحصل من خلالنا وحدنا أم بالاندماج مع طاقات أخرى يهمها أمرنا وتود خلاصنا هي أيضا؟ كل شيء ممكن وكل التساؤلات يجب أن تكون مسموحة ومطروحة. لأن الشك وحده هو الذي يحثنا على الانطلاق على طريق البحث والمعرفة التي تقلبنا راسا على عقب وتقربنا من الأسمى في هذا الكون اللانهائي الجمال.
الكثير من دول العالم والعديد من الحضارات القديمة والحديثة، تؤمن بالطاقة الكونية التي هي أساس فلسفتهم ودينهم أيضا. يقومون بالاختبارات ويشجعون الابحاث المكثفة بغية سبر غورها واستكشافها. لانه في النهاية، الشيء المؤكد هو انه لا أحد يملك الحقيقة ولكننا جميعا نملك حق التفكير، والبحث عنها. علينا الحذر من أي حقيقة عمياء. الإنسان كائن يتملك سر الاعجوبة، فابحث عنها قد تكون في اعمق أعماقك، مرتعها ووسائل الوصول اليها عديدة وغير محصورة.
فكر وابحث عن أي شيئ كان وخاصة في الظواهر الدينية. هذه هي أهم أعجوبة تمر بها في الحياة!