بقلم : م. هيثم السباعي
تذكير: لا تهدف هذه الدراسة الطويلة نسبياً إلى تخوين أواتهام أحد بالمسؤولية عن ماحدث ويحدث في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي عامة وسورية خاصة. ولكنها تهدف إلى إلقاء نظرة موضوعية عن أسباب هذه الأزمات وتطورها المستمر حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من تدهور وتفرقة وتمزق شمل جزءاً كبيراً من العالم العربي، وصلت حديثاً إلى الجزائر والسودان.
أود قبل أن أستأنف الحديث عن العصور الإسلامية أن ألفت كريم نظر السيدات والسادة القراء إلى إيلاء أهمية كبرى على خصائص الحكم الأموي لأنني شخصياً أعتبر أنه أسس لمبادئ حكم ينطبق بشكل ما أو بشكل كامل على مانعانيه اليوم. قد يعترض البعض على صفات الحكم الأموي التي ذكرت أدناه لأنه ظالم، وأن الأمويين لم يكونوا كذلك. هذا صحيح، فلديهم بالمقابل من النقاط الإيجابيه الكثير أيضا، ولكن ما يهمنا هنا إلقاء الضوء بصورة أساسية على الأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم من صراعات.
أ) العصر الأموي:
بدأت التغيرات الجذرية بأساليب الحكم ومفاهيمه في عهد معاوية بن أبي سفيان الذي رسم معالم مراحله القادمه المستمرة حتى يومنا هذا، باستثناء فترة حكم عمر بن عبدالعزيز.
استلم معاوية الحكم بعد إعلان العصيان على الخليفة المنتخب. كان من أهم صفات حكمه أنه:
١. اغتصب الحكم فكانت شرعيته مبنية على قوة السلاح، وليس على توافق أكثرية المسلمين على اختياره بدون إكراه.
٢. تصرف ببيت مال المسلمين وكأنه ماله الخاص خارجاً مرة أخرى عن الأطر الشرعية.
٣. أحدث نظام التوريث بالخلافة.
٤. شجع العصبية القبلية، الموجودة أصلاً، بين القيسية واليمانية واعتمدها وسيلة لتثبيت حكمه، هادماً جهد الرسول (ص) والخلفاء الراشدين بمحاربتها، واعتماد مفهوم الدولة الإسلامية، والتي امتدت جذورها – القبلية – حتى يومنا هذا.
٥. قام فقهاء السلطان الذي اشترى فتاويهم بالمال بإضفاء الطابع الشرعي على قراراته وأفعاله. وقد وضعت كثير من الأحاديث المنسوبة إلى الرسول (ص) في تلك الفترة.
٦. بدأت في هذا العصر أيضاً عسكرة الأنظمة من خلال الصلاحيات الواسعة التي منحت لعمالهم في مختلف الأمصار.
٧. لم تعد الحروب بعد الآن غايتها الدفاع عن الدين أو نشره. إنما أصبحت حروباً غايتها الفتح والكسب المادي أو السياسي.
٨. أصبحت الروح القبلية من جديد أساس شرعية الملك.
ب) العصر العباسي:
١. ثبت أبو العباس السفّاح (عام ١٣٢ هجرية) حكم العباسيين بمساعدة أبي مسلم الخراساني الذي قتله أبو جعفر المنصور.
٢. اعتمد المنصور على ولاء ولاته للبيت العباسي ماساعده على السيطرة والتخلص من اللعبة العشائرية التي كانت أساس الحكم الأموي.
٣. وصلت الدوله العباسية أوجها في عهد هارون الرشيد وكانت القوة العظمى في العالم وازدهرت بغداد وعرفت نهضة ثقافية وعمرانية كبيرة.
٤. تزوج هارون إبنة عمه زبيدة حفيدة المنصور وأنجبت له الأمين، كما تزوج مراجل الفارسية وأنجبت له المأمون.
٥. خالف الأمين وصية والده وجعل إبنه ولياً للعهد فأعلن المأمون العصيان وقام رجاله بقتل أخيه فنقل عاصمته إلى مرو في خراسان.
٦. أوعز إلى أخيه وولي عهده المعتصم بجلب العسكر التركي كمرتزقة والإعتماد عليهم لتثبيت شرعيته.
٧. نتيجة الحرب الأهلية بين الأخوين زالت البقية الباقية من هيبة الحكم وتتالت الثورات ونشأت على الأطراف الغربية للدولة إمارات وراثية، قبل أن تسقط بغداد بيد هولاكو عام ٦٥٦.
خلاصة اليوم: أوضح الجزء الأول مفاهيم وأسس الحكم حتى يومنا هذا. العباسيون كان لهم فضل السماح بالتدخل التركي والفارسي في الشؤون الداخلية للدولة والمنطقة قبل بداية الحروب الصليبية والتي نراها تتكرر اليوم.
في العدد القادم سنلقي نظرة سريعة على الإمارات التي تشكلت في عصر الإنحطاط والحروب الصليبية ونتوسع ما أمكن بفترة الحكم العثماني وتداعياته على المنطقة عامة وبلاد الشام خاصة التي كان يطلق عليها أيضاً إسم سورية الطبيعية أو سورية الكبرى،التي لاشك أن المنطقة تعاني منها حتى اليوم.