بقلم: أ.د. ناهدة العاصي
قامت الحكومة الكنديّة بفحص البيانات العائليّة وبجمعها لأهمّيتها كعدسة مكبّرة يمكن من خلالها فحص صحة المجتمع وبالتالي صحة البلد.
بيانات وإحصائيات عام ٢٠١٧ تفيد بالتالي:
أنّ من بين جميع الأزواج في كندا، تتصدّر ولاية كيبيك
ـ أعلى نسبة طلاق وصلت إلى ٤٩،٧٪ في عام ٢٠٠٣. وبالطبع هذه الإحصائيات تضمّنت فقط أولئك الذين كانوا متزوّجين قانوناً وليس الأزواج الذين انفصلوا دون التقدم بطلب رسمي للطلاق ولا المتزوّجين بالمُساكنة.
ـ بينما تشير لأقلّ نسبة زواج وهي ٥٢٪. بنِسبة انخفاض من ٨٤٪ في ٢٠٠١ إلى ٧٨،٧٪ في ٢٠١٦.
ـ بينما تأتي علاقات المساكنة بنسبة أعلى حيث ارتفعت من ١٦،٤٪ عام ٢٠٠١ إلى ٢١٪ عام ٢٠١٦.
ـ والأغرب والأدهش هو إرتفاع نسبة زواج المِثليين. ارتفعت من ٠,٣ ٪ عام ٢٠١١ إلى ٢،٢٪ عام ٢٠١٣.
ـ بينما وصلت نسبة معدّلات الإنجاب بدون زواج إلى أقصى نسبة بين دول العالم المتحضّر (بريطانيا، الولايات المتّحدة الأميركية، أوستراليا، نيوزيلاند وكندا).
وهو ما يظهر بأن معدّلات الطلاق المذكورة، وإن أخذت في الإنخفاض، فذلك لأنّ معدّلات الزواج أيضاً في انخفاض بينما نِسبة المساكنة ونسبة زواج المثلِيّين في ارتفاع أيضاً بعد تشريعها في كندا بصورة رسميّة. أمّا العوامل الأخرى التي اسهمت بصورة مباشرةً في ارتفاع معدّلات الطلاق، فنجد منها على سبيل المثال لا الحصر:
ـ غياب البرامج التربوية التي تركّز على توطيد العلاقات الأسريّة السليمة.
ـ بناء وقبول ثقافة الإنفصال عن الأهل عند بلوغ سنّ الثامنة عشرة أو حتى أقلّ من ذلك.
ـ كون الزّواح أصبح خياراً فرديّاً أكثر منه اختياراً دينيّاً في حين لا علاقة له بفئةٍ عمريّةٍ معيّنة.
ـ العنف الأُسري (العاطفي أو النفسي أو الجسدي أو المالي) لسنوات ينتهي بالإنفصال من أجل الأزواج أو من أجل أولادهم.
ـ انخفاض الدخل الفردي، والفقر، والزواج المبكّر وعدم قدرة الزوجين على تحمّل المسؤولية بشكل صحيح.
ـ تحرير قوانين الطلاق التي جعلت الطلاق عملية سهلة وجعلته أكثر قبولاً من النّاحية الإجتماعية بشكلٍ عام.
ـ الزواج في سن مبكّرة وحدوث تغييرات مهنيّة تفرض انفصال الزوجين بحال إنتقال أحدهما إلى مدينة أخرى للعمل.
ـ تعلُّق الأمر بتقاسم الأموال، خاصّة حين يزدهر سوق العقارات، أو بعد تلقي الميراث، أو عند استحقاق مدخرات التقاعد.
في ظل هذه العوامل المؤثرة وفي غياب أي عملية ضبط للكثير من الأمور من قِبل الدولة، لا بدّ من التذكير ببعض الثوابت:
ـ إن نمو الطفل في حياة زوجية سليمة يزيد من احتمال حصوله على مستوى جيد ومتقدّم من التحصيل العلمي، كما يقلل من احتمال مشاركته في سلوكيات محفوفة بالمخاطر مثل تعاطي المخدّرات أو الشروع الجنسي المبكّر. فالزواج السعيد يؤدّي إلى زيادة إستقرار الأسرة ورضاها عن الحياة وصحة أفضل في مجالات رئيسية، من بينها صحة القلب والوقاية من أمراض خبيثة كالسرطان.
ـ الأولاد الذين يعيشون في كنَفِ زوجين سبق لكلِ منهما إن تزوّج ورزق أطفالاً هم أقلّ حظّاًّ، ويعانون من زيادةً في الفقر ونتائج تعلُّميّة أقلّ ومشاكل عاطفيّة أكثر.
ـ والمساكنة أقل استقراراً من الزواج ونسبتها ترتفع مع انخفاض نسبة الزواج وهي أيلة للزوال في أكثر الأحيان إلا في بعض الحالات منها. على سبيل المثال إنني أعرف سيّدةً رُزقت بولدين في فترة المساكنة التي أمضتها مع الرّجل الذي أصبح زوجها بعد سبع سنوات. والآن قد مضى على زواجهما ٣٠ عاماً. والخلاصة تكمن في إيمانها بالمساكنة سبيلاً للتأكّد من صحّة العلاقة التي تنتهي بالزّواج ويدعمه الإستمرارية. كما أعرف أيضاً العديد من حالات المساكنة التي كُلّلت بالزّواج. وأشير هنا إنّ أهم عنصر لنجاج العلاقة كان بأنّ الزّوجين قد بدآ علاقتهما في عمر ليست مبكّرة. لذلك من الخطأ التّعميم بأنّ كلّ تجربة مساكنة ستكون ناجحة لأن العوامل التي تؤدّي إلى فشلها أكثر بكثير من تلك التي تؤدي إلى نجاحها.
لذلك، ونظراً لأهمّيّة الزّواج كعامل استقرار، يتعيّن على الدولة الكندية أن لا تقف موقف العاجز أمام هذه الأرقام المثيرة للقلق، ولكن عليها وأقصد هنا الدولة
ـ أن تبحث عن أسباب ارتفاع نسبة المساكنة مع تراجع نسبة الزّواج وكيفيّة ارتباطهما في تحقيق الإستقرار الإجتماعي.
ـ وأن تجد الحلول التي تخفّف من التكاليف الإجتماعية والعاطفية والنفسية على الفرد والدولة بسبب هذه العلاقات الأقلّ استقراراً.
ـ كما عليها أن تعزز استقرار العائلة باعتبارها الوضع المثالي لتربية أطفال أصحّاء على كافة المستويات.
ـ وأن تبدأ في مراجعة البرامج التّربويّة وصولاً إلى القوانين الأخيرة التي كانت تؤثر بالسلب وما زالت على المجتمع والأفراد، وأوّلها قانون تشريع مادّة الماريجوانا وثانيها إلغاء مادّة تعليم الجنس في سنّ مبكّرة وتعليمها في المدارس، وهو من أهم المطالب.
ـ كما على الدولة مراجعة وتعديل القوانين المتعلّقة بالأحوال الشّخصيّة بما يخدم توطيد الأواصر العائلية.
ـ كما لا بد وأن تتعاون مع الجمعيّات والمؤسّسات العامّة والأندية للقيام بهذه النشاطات الإجتماعيّة التوعويّة لتعزيز فكرة إقامة العائلة السليمة والسعيدة في آن واحد.
وللحديث شجون … ولنا عودة