بقلم: كنده الجيوش
الفقراء والضعفاء هم الرهائن الحقيقيين في صراع الكبار.
إنها حرب العقوبات اليوم ضد روسيا.. شكل كبير وجديد من أشكال المقاطعة في ظل غياب الرد العسكري الواسع. ومع نشاط الانترنت وقواعد عالمنا الجديد هناك مقاطعات حتى عبر الفضاء السيبراني.
ومن هذه العقوبات ماهو سخيف ومسف ومؤلم إلى درجة الحيرة مثل قيام جامعة في مدينة ميلان الإيطالية بمنع تدريس أعمال الكاتب الروسي الشهير فيودور دوستوفسكي التي هي من أعظم ما كتب الكتاب في عالمنا… وكلنا يعرف دوره الكبير في فهم النفس البشرية من خلال الأدب إبداعاته.. وتبدو هذه المقاطعة هي اقرب للعنصرية منها إلى الموقف الأخلاقي !
ومن هذه العقوبات ما هو منطقي وموجه في حال غياب الرد العسكري وهو الرد على المليارديرات ورجال الأعمال الداعمين للحكومة الروسية.
ولكن أيضا .. وفي غياب الحلول الأخرى أو في محاولة لوضع الضغط على الحكومة في روسيا.. تنشط أشكال أخرى من العقوبات والمقاطعة تحت اسم «البوصلة الأخلاقية» مثل منع فنانين كبار من العمل لاتهم لم ينتقدوا الحرب.. ويبدو لي إنهم بين نارين…
ومن هذه العقوبات أيضا ما هو صوري إلى درجة بعيدة مثل دور الأزياء العالمية التي تقاطع روسيا اليوم. ..أي أن الغني سيتألم لأنه لم يشتري في موسكو حقيبة أو حذاء فاخر .. أو انه لن يشتري هذه القطع في باريس مثلا؟؟!!.. ولكنه جهد مشكور لتقوية الحملة.. وربما من سيتضرر هو العامل والبائع البسيط في هذه المحلات التي أغلقت .. إلا إذا كانت هذه الشركات كريمة لتعوض هؤلاء العاملين ماديا وتحفظ أعمالهم لحين عودتهم.
وكذلك سلاسل المحلات الكبيرة للأغذية وغيرها وهذه تؤذي الفقير العامل فيها والفقير الذي يعتمد على سندويشة رخيصة!
كل هذا هو خارج إطار العقوبات الرئيسية في مجال النفط والغاز والمعادن الثقيلة وأسواق المال وتجارة مواد الغذاء الرئيسية التي تجلب الألم الحقيقي للكبار والحكومات والأفراد عند كلا الطرفين من النزاع وتبدو القضية هي مثل لعبة العض على الأصابع ومن يصرخ أولا يخسر… أو يذهب للتفاوض وهو ضعيف.
والحرب بين روسيا وأوكرانيا مؤلمة للكثيرين لأنها بين شعبين متقاربين جدا وهم اقرب ما يكونون للأهل.. ثقافة وتاريخ وحتى ديانة!
ولكن هل نتذكر في هذه الأزمة الرهائن الحقيقيين والذين يدفعون الثمن أنهم الفقراء… الفقراء العاملين في أوكرانيا وروسيا الذين يعانون من حرب وفقدان الأعمال بسبب الحرب والمقاطعة والجوع. وكذلك الفقراء حول العالم الذين سيعانون من ارتفاع الأسعار والجوع.
جملة قرأتها في إطار دعوة للسلام وأراها مهمة جدا.. ونحن نعرف انه أحيانا كثيرة يجب مواجهة التسلط وإلا أزداد عدد الأشرار… وهناك مواقف أخلاقية لا يجب تجاهلها على طرفي النقاش مع أو ضد..
الجملة تقتبس قولا ل جان بول سارتر وتقول :عندما الأغنياء يشنون الحرب، الفقراء هم الذين يموتون.»
الرد والعقوبات مهمة في محاولة حل الأزمة ولكن من سيتأثر بالدرجة الأولى… وكيف يمكن تجنب ذلك. الشعب في العراق دفع الثمن من دماء أبنائه وتجهيل جيل كامل .. الشعب السوري اليوم يدفع الثمن كل يوم بسبب عقوبات لا تؤثر إلا على الفقراء وتزيدهم فقرا وتحرمهم من مقومات الحياة الكريمة والتعليم..
وهل آن الأوان أن يكتشف عالمنا المبدع أو يتفق معا في منظماته الدولية أن يتوصل إلى شكل أو أشكال من المواجهة والردع غير هذا الشكل من المعاقبة الجماعية للفقراء حول العالم!
أم أنها أشبه بمحاولة اختراع البارود من جديد؟!