بقلم: كلودين كرمة
عندما تفرض علينا الأيام ان نتعامل ونتعايش مع اناس هم بالحقيقة اهل وأقارب وأحبة ولكن فى الواقع يفصل بيننا وبينهم الكثير والكثير…ولا اقصد هنا المسافات بالطبع لان الاعزاء تبقى محبتهم فى القلب حتى لو لم نعد نراهم ..فهم احياء فى قلوبنا ومعنا فى حاضرنا لأننا من حين لآخر نتذكر اللحظات الجميلة والمواقف النبيلة والحياة السعيدة وهذه الأشياء هى التى ترسم على وجوهنا ابتسامة عريضة عندما تناجيهم مشاعرنا وتتوق اليهم قلوبنا؛ ولكننى اقصد ذلك الشعور القاسى بالغربة وعدم الاستقرار والارتباك وايضا صعوبة النطق بأبسط الكلمات التى تعبر عن المشاعر دون حسابات مسبقة لردود الأفعال التى يمكن ان تقلب المواضيع رأسا على عقب وبدلا من نشعر بالارتياح لمشاركتنا لأفكارنا وهمومنا ومخاوفنا بالعكس نندم ونعاتب انفسنا لأننا لم نكتم مشاعرنا ولماذا كشفنا عن ما يجول فى اغوار النفس ايضا .. لأننا لم نجد الراحة التى كنا ننشدها انما المزيد من القلق والتوتر.
اين نسند رأسنا اذا والى اى قلب نستكين وأين نجد الراحة لنفوسنا… مع من نتحاجج وأين نجد حافظ السر الامين والأذان الصاغية دون تذمر او عتاب؟؟؟
وهل لهذه المأساة نهاية واى طريق نسلك والى اى منطق نلجأ و اى فكر يسعفنا؟
فمنا من يلجأ الى توخى الحذر الزائد لدرجة انه يشك فى كل فرد من المحيطين به او من يسرد انصاف الحقائق حتى يثبت له اخلاص خليلة… ومنا من يلزم الصمت ويدير الحوار مع نفسه …ولكن الخطورة تكمن عندما يعتزل الانسان عن مجتمعه تماما فلا يشارك فى اى حدث ويكون غير فعال ويتحول الى شخصية سلبيه مغلقة على نفسها ..لا يتفاعل مع الاحداث فلا شئ يفرحه ولا خبر يزعجه..
وهذا حال اناس كثيرون… تعلوا ضحكاتهم وتلمع عيونهم من الفرحة.. ولكن مثل لمعان الزجاج … وهناك فرق بين بريق الالماس ولمعان الزجاج .. وهناك فرق بين انعكاس الصورة على بلورة نقية وبين انعاكسها على قطعة من الزجاج المشروخ.. هناك من تتعدى صيحاتهم السحاب ويرقصون ويغنون وكأنهم بهذه الحركات المتتابعة والهتاف يقذفون ما بداخلهم من احزان وخيبة الامل مثلها مثل المخدر الذى يسكن الآلآم لبعض من الوقت وكأنهم يسرقون لحظات من السعادة المفتعلة التى تنشر من حولهم أجواء من المرح كانتشار رائحة العطر الجميل التى وان طالت لا تدوم كثيرا ولكنها تنشر رائحة الطيب فيستمتع بها كل المحيطين وتصور لحظات من البهجة والنشوة ترضى بها النفس لتطييب الجراح.
ومن ثم نلاحظ ان كل البشر حولنا يمضون كل واحد فى طريقه ولكنهم اشبه بالرسوم المتحركة فوجوههم لا تعبر عما يجول بداخلهم ولكن تظهر تعبيرات يفرضها الموقف دون استيعاب حقيقى فنجد ضحكة عريضة للتحية ثم يليها فورا دمعة لمشاركة احد فى احزانه ثم يشرد بعد ذلك فى احواله وحال الدنيا كيف اصبحت تنقلنا من حال الى حال بسرعة البرق لدرجة ان فى بعض الاحيان لا يستطيع العقل الاستيعاب الكامل والمشاعر ايضا تتوقف عن التقدير الحقيقى للمواقف المتباينة.. فلا يتبقى لنا إلا ان نحاول التفاعل عن طريق التغير السريع فى ملامح الوجه و نظرة العيون ..
ولذلك نستمر فى البحث عن السعادة الحقيقية والفرحة من القلب والضحكة التى تملأ العيون والقلوب ولكننا نفتقدها ، لان الامور لا تستقيم بنسج الخيال و لا بكثرة المال و المراكز المرموقة فقط ولكن تستقيم بوجود الأحباء الذين بالفعل يهتمون لشأننا بصرف النظر عن مركزنا الاجتماعى أو المادى ..نعم إننا نفتش عن السعادة الحقيقية الكامنة فى القلوب النقية والتى فيها كل الأمان وهى ايضا الحماية ضد مكائد الزمان .