حوار بقلم: د. علي أبو دشيش
– أنا هاو سياسة وعمري ما احترفتها ولكني أؤمن بأن أي مشروع ثقافي يجب أن يعكس مردودا اقتصاديا وهذا ما أبقاني 32 عامًا
– مواجهة مصر للإرهاب تبدأ من الموبايل والأفكار وحدها تشكل المجتمع العام
– أتواصل مع الرئيس مبارك وأسرته من حين إلى آخر
هو رجل من طراز خاص ، الذى يعتبر أطول مسؤول تولى وزارة فى تاريخ الوطن، يرى أنه جاء إلى المنصب «صدفة».
من قصر ثقافة الأنفوشي إلى المركز الثقافي بباريس، ثُم إلى أكاديمية الفنون بروما، 18 عامًا قضاها خارج البلاد، ليستقر بعد ذلك لأكثر من 20 عامًا بالزمالك حيث مكتبه الذي شغله لأكثر من 23 عامًا كوزير للثقافة.
هو السياسي الهاوي وواحد من أكثر المسئولين قرباً لعائلة مبارك؛ وطيلة تلك الأعوام نجا من أكثر المواقف العاصفة التي كان من الممكن أن تُطيح بمن هم أشد منه بأساً، منها محرقة بني سويف وأزمة حديثه حول الحجاب، وحتى انتخابات اليونسكو التي خسرها في جولتها الأخيرة ليعتبرها هو فيما بعد” مؤامرة”، ومن قبلها أزمة الروايات الثلاثة والرواية الملعونة “وليمة لأعشاب البحر”، لكن الرئيس الذي كان يملك مقاليد الأمور بقوة كان يكتفي مع رجله الأقرب بعبارته الشهيرة “إرمي ورا ضهرك يا فاروق”.
الحديث مع الفنان فاروق حسنى لا يكتسب أهميته من كونه وزيرا فى حكومة نظام سابق؛ لأن الرجل قضى أكثر من ربع قرن مسؤولاً عن ثقافة دولة بحجم مصر.
الفنان التشكيلى البارز يرى أن الثقافة ليست على رأس اهتمامات الدولة، ويدق ناقوس الخطر بشأن المتحف المصرى الكبير، الذى ينبه أن مجلات أمريكية متخصصة تراه «أهم مشروع ثقافى فى القرن الواحد والعشرين»، ويقدم نصائحه لإكماله على الوجه الأكمل.
إليكم نص الحوار :
■ كيف وصل فاروق حسنى إلى منصب وزير الثقافة؟
– لا شك أنها صدفة.
■ كيف؟
– كنت أعمل مع المرحوم عاطف صدقى، فى باريس، لمدة خمس سنوات كمساعد ومسؤول عن العمل الثقافى، وربطتنى به صداقة وتفاهم، وقدر عملى عن كثب، وقدمت أشياء لم يكن يتصور أننى قادر على القيام بها، سواء إحضار فرق مصرية إلى باريس، أو حفلات فنية كثيرة فى دار أوبرا باريس، وكان يتابع أيضاً عملى كصديق فى رئاسة أكاديمية الفنون فى روما لمدة 9 سنوات.
وعندما تم تعيينه رئيس وزراء، كان يريد أن أعمل معه فى الحكومة منذ أول يوم، لكن الرئيس مبارك قال له انتظر حتى نسأل عليه بشكل أفضل
وكيف تري روشتة للثقافة في مواجهة الإرهاب:
الحديث الذي يملأ السمع والبصر هذه الأيام هو الإرهاب الذي تغوّل في كل مكان، الوضع يُشبه إلى حد كبير ما واجهته مصر في التسعينيات، بينما الأحاديث الرسمية وغيرها تؤكد على أهمية تجديد الخطاب الثقافي في مواجهة الإرهاب. كان لابد من سؤاله، وهو الذي تولى تلك المسئولية في وقت مُشابه، عن نصيحته، أو “الروشتة” التي يُمكن تقديمها لمساهمة الثقافة في القضاء على الإرهاب، أكد أن الثقافة جزء أساسي في مواجهة الإرهاب “ولكي يتم ذلك فلابد وأن يكون من خلال التليفزيون الذي كان الطريق الوحيد للوصول إلى المجتمع”، قالها والتقط هاتفه المحمول ملوحاً به “لكن الآن عندما تسألني عن التليفزيون أقول لك ان المحمول هو الأهم الآن وهو في يد كل واحد، يجب على وزارة الثقافة هي الأخرى أن تكون في يد كل واحد، قبل هذا كان التليفزيون في كل بيت، خطابي لكل أفراد الشعب، سواء إرهابين ومعتدلين، فيجب أن أخلق المناخ الذي يجعل حالة إبداع لدى الشباب، ولو أن هذه الطاقة لم تخرج في المكان الصحيح هتخرج في الإرهاب”، مؤكداً أن الدولة يجب أن تُقدم إغراءات تجذب الشباب بعيداً عن الأفكار المتطرفة “فيجد الشاب نفسه بيمثل أو يعزف موسيقى، فمثلاً يجب الاهتمام بموسيقى الشوارع، وعمل مهرجانات لها، وأن تأتي الوزارة بالفرق من باريس وروما ولندن، وتقيم لهم عروض في الساحات عندها ستجد أنك جذبت الناس، وكل واحد عنده حاجة هتطلع”.
أكد “حسني” أيضاً أن الأقاليم بها مجموعات أدبية رائعة “يجب الاهتمام بالكتاب الجدد، وأن تُصدر الدولة عناوين جذابة وأفكار جديدة بأسعار مناسبة تكون الدولة مشتركة فيها بالدعم، مثلما يحدث في مكتبة الأسرة، وعندما يُكتب أن هناك معرض لأعمال المؤلفين الشباب، فالشباب كلهم سيذهبوا لأنه خاص بهم، الأفكار تكوّن المجتمع العام، هذه الأشياء تحتاج إلى فهم، وإدراك، وابتكار مثل فكرة ملفتة للنظر، مثل صالون الشباب كل هذا تماماً مثل الرياضة، فهي ترييض للذهن، وهذا يحتاج للتخاطب السياسي الذي يجب أن يدرك ماذا يقول
وكيف يستطيع تحميس الشباب”
أشار إلى أن الحماسة لن تأتي عن طريق خطاب سياسي “بل أن يدفع كل شخص بما لديه، وكل منا لديه ما يختلف عن الآخر، لهذا إذا أردنا النجاح يجب عمل مغامرة ثقافية تحتوي على كل هذه الطاقات المتفجرة”.
رغم حالة العزلة التى فرضتها على نفسك خلال السنوات الأخيرة إلا أنك عبرت عن غضبك لهدم عمارة «راقودة» فى الإسكندرية.. لماذا؟
– غضبى كان بمثابة صرخة ضد ما يحدث لتراثنا، ولو كنت مسئولاً لكنت حولت هذا العقار التاريخى إلى عمارة باريسية يتم تأجيرها، لدينا ثقافة المكسب الجشع وعمل كتل خرسانية لا تتماشى مع البيئة المحيطة وللأسف ما يحدث خسارة له ولنا وللبيئة المحيطة بنا.
وزير الثقافة الأسبق: أتمنى أن يعيد الرئيس «السيسى» النظر فى افتتاح «المتحف الكبير» جزئياً.. حتى لا نكرر خطأ افتتاح متحف الحضارة «سراً»
ولماذا كان رد فعلك على ما حدث لعمارة «راقودة» تحديداً؟
– لأننى رأيتها قبل يومين من بدء هدمها، وحمدت الله أنها لا تزال محتفظة بقيمتها الجمالية، وكان هذا بالنسبة لى أعظم منظر يطل على البحر لأفاجأ بعدها بأيام بخبر بدء هدمها، ولم تكن عمارة «راقودة» هى الضحية الوحيدة فقبلها هدمت فيلا «أمبرون» فى حى محرم بك، والتى شيدت على الطراز الإيطالى عام 1920، وكانت ملكاً لعائلة «أمبرون» الإيطالية التى حضرت من إيطاليا فى أواخر القرن الـ19، وعاش الكاتب الإنجليزى الشهير لورانس داريل، الذى رشح مرتين لجائزة «نوبل» للأدب، فى شقة فى هذه العمارة لسنوات طويلة.
«دبى» أصبح لديها أكبر مبنى للأوبرا.. والسعودية دخلت المنافسة ولديها الآن خطة لتطوير المواطن.. فأين نحن وقد كنا «الرواد» فى العالم العربى؟.. وانتخابات رئاسة اليونيسكو «فيها لعب كتير» والمنظمة أداة فى يد الدول العظمى.. و90% من الإرث الحضارى بالإسكندرية انمحى تماماً.. وأسأل نفسى الآن: لمصلحة من؟ ومن «أقوى» من الدولة؟.. ومسئولو الأحياء أصبحوا أغنى فئة فى مصر الآن.. والشاهد على ذلك «العشوائيات» التى حلت محل كل قصر.. و«أغانى المهرجانات» أطلقوا عليها بالخطأ اسم «فن» والقبح ينتشر فى كل مكان
وهل لغضبك هذا علاقة بأنك سكندرى المولد؟
– بالطبع، لقد شهدت تلك المدينة ذكريات طفولتى وشبابى، والآن لا أستطيع السير فيها أو رؤيتها بعدما لحق بها من تدمير بصرى متكامل، خاصة فى المنطقة من محطة الرمل إلى المنتزه، وأتذكر وأنا فى الكلية كنت فى رحلة إلى معبد أبوسمبل وكان معنا 4 سيدات بلجيكيات، فسيدة منهن قالت لى «يجب أن أزور كورنيش الإسكندرية بشكل خاص فمن يأتى إلى مصر ولم يزر الإسكندرية فكأنه لم يزر مصر».
وبالفعل نظمت لهذه السيدة رحلة إلى هناك، وكان الاندهاش والإعجاب على وجهها خاصة بإرثنا المعمارى، وللأسف حين أتذكر ذلك وأنا أسير فى الإسكندرية الآن أكتشف أن 90% من هذا الإرث الحضارى انمحى تماماً، والسؤال الآن: نحن ضد من؟ ولماذا؟ ولمصلحة من؟ ومن أقوى من الدولة؟ هل هم رجال الأعمال المستغلون أم رجال الدولة من مسئولى الأحياء الذين أصبحوا أغنى فئة فى مصر الآن، والدليل الشاهد على ذلك أمامنا هو هذه العشوائيات التى حلت محل كل فيلا وقصر تم هدمها، وحل محلها مبنى قبيح يحمل كل سمات القبح.
وهناك أحياء مثل «بحرى» من مكتبة الإسكندرية وحتى قلعة قايتباى «وابور المياه» وشارع السلطان حسين المنشية.. كلها مبانٍ كلاسيكية حديثة وتحمل سمات عبقرية، وهناك ولدت وكنت أجلس وأنا طفل انبهر بروعة العمارة، اللافت أنهم تركوا الواجهة وقضوا على كل ما خلفها وحلت محلها عمارات شاهقة، وقديماً كانت مئذنة جامع «المرسى أبوالعباس» هى الأعلى، الآن أصبحت متقزمة أمام العمارات الشاهقة، والأمر لا يتوقف عند مبانٍ يبلغ عمرها مئات السنين، بل يتخطاه إلى آثار يونانية ورومانية، فقد أصبح من المعتاد حين يجد صاحب الأرض شواهد أثرية أن يقوم بـ«التكتيم» على الأمر حتى لا تعرف وزارة الآثار وتمنعه من البناء، وكثير من المبانى ذهبت هباء بتلك الطريقة، لأن الإسكندرية الأصلية تحت الأرض وليست فوقها. والشاهد على كلامى أن الدولة حالياً تعمل على مستقبل كبير ورائع، ولكن هذا لا يعنى إهمال الماضى، من يملك قطعة من الماس لا يترك الذهب.
وما الحل من وجهة نظرك؟
– يجب أن نعيد النظر فى القوانين والتشريعات المتعلقة بحماية المبانى ذات الطراز المعمارى المتفرد، فهناك حيلة يقوم بها أصحاب تلك العمائر هى -فى الأصل- حيلة فرعونية، حين كان المصرى القديم يرغب فى فصل قطعة حجر ضخمة لعمل مسلة مثلاً، كان يقوم بوضع قطع خشبية داخل ثقوب حول الحجر ثم يقوم بملء الثقوب بالمياه لتنتفش الأخشاب وتفصل الحجر، والآن تستخدم نفس الحيلة توضع الأخشاب حول المبنى حتى يصبح آيلاً للسقوط وبذلك يخرج من قوائم «التنسيق الحضارى» ويمكن هدمه. ويجب منع هؤلاء من إعادة البناء مرة أخرى، وأن تغلظ العقوبة لهم، وهو ما يرجعنا إلى نقطة تغيير القوانين، خاصة قانون 144 لجهاز التنسيق الحضارى، لأنه غير كافٍ، فحين تم وضع هذا القانون وإنشاء الجهاز وضعنا فى الحسبان ليس فقط العمائر ولكن الطرق والأرصفة والإضاءة فى كل شارع وحتى نوع الأشجار الملائمة لكل منها، حيث اخترنا أنواعاً تناسب جو مصر شديد الحرارة صيفاً، لذا يجب أن تكون الأشجار متلاحمة وأن تحمى المارة من الشمس صيفاً، وتتساقط أوراقها شتاء للسماح بدخول أشعة الشمس للبيوت، كما اخترنا شجر الكافور فى الشوارع المتسعة والنخيل للجيزة، فى محاولة لأن نجعل منها مدينة ذات طابع خاص يختلف عن طابع القاهرة. وفى بعض المناطق اخترنا فيها شجيرات تكون بمثابة سور يمنع المرور بدلاً من استخدام الأسلاك الشائكة والكتل الخرسانية، كل ذلك كان مخططاً له بدقة.
وحين أنشأنا الجهاز كانت وزارة الآثار مجرد «مجلس أعلى» يتبع وزارة الثقافة، وكنت كوزير ثقافة أستطيع تطبيق بعض بنود الآثار على المبانى التراثية، وهو ما لم يعد متاحاً الآن، لذلك نحتاج إلى تغيير القانون 144 وجعله جزءاً من قانون حماية الآثار، بحيث يطبق القانون على المبانى التراثية والمبانى الأثرية على السواء.
حين يجد أى صاحب «أرض مبانٍ» شواهد أثرية يقوم بـ«التكتيم» على الأمر حتى لا تعلم وزارة الآثار وتمنعه من البناء.. وشعرت بالغضب بعد قرار هدم عمارة «راقودة» التاريخية بالإسكندرية ولو كنت مسئولاً لحولتها إلى عمارة باريسية يتم تأجيرها
ولماذا الحل فى قانون الآثار؟
– لأن قانون الآثار صارم، وكنت حين أرى أى محاولة للتعدى على مبنى تراثى أصدر قراراً ملزماً بتسجيله كأثر، وبذلك يسرى عليه قانون حماية الآثار وهو ما نفتقده الآن، فوزارة الآثار تخشى الأعباء الإضافية عليها فى ظل عدم وجود ميزانية كافية لديها، وخشية أن يتم مساءلتها عن ترميم تلك المبانى، ولكن مسئولى الآثار لا يعون أنه مع الزمن يمكنهم إعادة صياغة تلك المناطق طبقاً لما تحويه من مبانٍ، وتكون لدينا مناطق كاملة ذات طراز معمارى متفرد بعيداً عن العشوائية
وماذا عن دور الأحياء والمحافظين الذين تركوا الأمر حتى وصل لما نحن عليه؟
– لا أعفى أحداً من المسئولية، وأتعجب لماذا لا يكون المحافظ أستاذ تخطيط عمرانى يفهم ما معنى المدينة، فكل مدينة لها مواصفات، أعنى أننا نواجه الإرهاب ونحتاج لعسكريين ورجال أمن، ولكن لماذا لا يكون مديرو الأمن أو نواب المحافظين رجال أمن صارمين فيما يتفرغ المحافظ للتخطيط فقط؟، ويكون ذلك فى كل المحافظات، فالمحافظة هى تاريخ أمة، بمعنى أن ما فيها هو بصمات زمن، ويجب أن يكون هناك تنافس بين المحافظات طبقاً لما تحويه كل محافظة من إرث معمارى ضخم يجب أن نظهر أمام العالم بصورة من يحمى التراث ويحافظ عليه ويبنى للمستقبل.
لماذا لا يكون الحل فى قانون خاص يغلظ العقوبة بمعرفة جهاز التنسيق الحضارى بدلاً من الوضع الحالى حيث إن مهمته استشارية؟
– يجب أن يحول جهاز التنسيق الحضارى إلى وزارة تتعاون مع وزارة البيئة، بما تضمه الأخيرة من محميات تحتاج لدراسات كاملة يضطلع بها «التنسيق الحضارى» لتطوير تلك المحميات، وعمل تنمية بيئية مستدامة فى المحافظات، فمن المؤذى ما نراه الآن من ارتفاعات للأرصفة وألوان عفى عليها الزمن لم تتغير بالرغم من عدم ملاءمتها البيئية، وتعتبر باباً للفساد، لأن تلك الألوان سرعان ما تتسخ وتحتاج لإعادة الطلاء، وهكذا دواليك كل فترة.
فى ظل سيناريو الإهمال الذى نشهده تم تسليم بعض المبانى التراثية لملاكها وبعضها كانت تشغله قطاعات الوزارة وتم هدمها.. كيف كنت تقف فى وجه ذلك؟
– فيلا مكتب وزير الثقافة الشهيرة على نيل الزمالك ليست ملك وزارة الثقافة وهى مملوكة لرجل أعمال عربى، وعقب أن توليت الوزارة طلب هذا الشخص مقابلتى وحدثنى عن نيته هدم الفيلا لبناء أبراج سكنية شاهقة مكانها، على أن يخصص لنا طابقاً كاملاً فى مكان آخر وعقب مغادرته مكتبى طلبت من أمين «المجلس الأعلى للآثار» تسجيل المبنى كأثر، حتى لا نشارك فى محو جزء جديد من ذاكرتنا وتراثنا، وبذلك لا يحق له هدم المبنى حتى لو استرده بالقانون من الوزارة.
يجرى العمل حالياً فى مشاريع منها المتحف المصرى الكبير وقصر عائشة فهمى فكيف ترى تلك المشروعات؟
– لقد وضعنا دراسات دقيقة لكل مشروع من هذه المشروعات على حدة، وقامت الشركات بتنفيذها كما كنا نأمل تماماً، وعلى الرغم من خفض النفقات ظل المفهوم الأساسى موجوداً، وآمل أن يضم قصر عائشة فهمى كل فترة معرضاً مهماً، فلماذا لا يكون هناك معرض لفنانى الشرق؟ ويتم تحويل القاعة السفلية إلى معارض للشباب مع عمل ندوات وعروض فنية فى الحديقة مثلاً؟
أما بالنسبة لمشروع المتحف الكبير فأنا لا أرى سبباً لافتتاحه جزئياً فى 2018، فأنا ضد تلك الفكرة تماماً، لأنه بمثابة قوة ضاربة مهولة للسياحة المصرية، وسيكون افتتاحه كاملاً أكبر دعاية للسياحة المصرية، لذا أشكر الرئيس «السيسى» على اعادة النظر فى افتتاح المتحف جزئياً حتى لا نكرر خطأ افتتاح متحف الحضارة الذى افتتح فى السر.
بالرغم من كونه متحفاً عظيماً، وقد سئلت من المسئولين فى الإمارات حين كنت أحضر افتتاح متحف لوفر أبوظبى عن «متحف الحضارة» وهل حقاً افتتحناه؟ فكان ردى بالإيجاب، وهو ما أثار تعجب الحضور الذين استهجنوا أن يفتتح متحف صمم ليحوى حضارة 8 آلاف سنة من عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الحديث بتلك الطريقة السرية، وبهذا الشكل غير المعلن عنه، فيما افتتح متحف اللوفر أبوظبى، الذى يحوى 600 قطعة فقط فى احتفالات لا مثيل لها، إن مصر عظيمة وحضارتها أعظم لا تستحق منا ذلك.
وهل زرت معرض الحرف فى متحف الحضارة؟
– لا لم أزره، وآخر عهدى به حين تركت الوزارة عام 2011، حين سلمت مبانيه مكتملة، وكان ما ينقصه هو سيناريو العرض المتحفى فقط.
دافع مسئولو وزارة الآثار عن فكرة الافتتاح الجزئى للمتحف بعدم وجود تمويل.. فما رأيك؟
– هذا يمكن أن يسمى مولوداً يعانى من الابتسار، وكأنه طفل بلا أيدٍ أو أرجل، ليست تلك حضارة مصر المكونة من 30 أسرة، أين الأسر الأولى؟ أين الرعامسة؟ أين الدولة القديمة؟ أين تحتمس وحتشبسوت وكل هؤلاء الملوك العظام؟ إن «توت عنخ آمون» الشهير فى العالم أجمع مجرد ملك من ملوك الأسرة الـ18 بين 30 أسرة.
ويجب حين نقرر افتتاح مشروع عملاق بهذا الحجم أن يكون الافتتاح بـ«فهم» وليس بعدم فهم، أما مسألة التمويل فهى تحتاج فقط إلى اتصالات مكثفة بالمجموعة الأوروبية، وتأكدوا أنهم سيمولون هذا المشروع الضخم فوراً، وطالما أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يوليه الاهتمام الدائم فما المانع أن نؤجل الافتتاح سنتين لحين الانتهاء من المتحف كاملاً؟ وأؤكد أنه سيفتتح فى أقل من عامين، وسيكون إضافة لا تقل عن المشروعات الحالية من طرق ومدن، كما سيكون بمثابة مشروع عظيم بكل المقاييس.
طلقت السياسة بـ«التلاتة» وأصبحت متفرغاً لفنى فقط.. وصلتى بالأسرة الحاكمة فى قطر انقطعت منذ «اعتصام رابعة»
وهل بلغت رسالتك تلك للمشرف العام على المتحف المصرى الكبير يوم زيارته؟
– بالفعل قلت له ذلك، والحقيقة أننى وجدت العمل فى المشروع يجرى على قدم وساق، المعامل بكامل طاقتها كما تركناها بل وأكثر، كما تم زيادة مساحة المتحف بضم الأرض التى كنت أرغب فى ضمها، وأرجو ألا نرتكب أخطاء، وأن نعيد النظر وأن نقوم باتخاذ قرارات صحيحة، وفى حالتنا تلك فإن القرارات الصحيحة هى اكتمال بناء المتحف، وانتظار أن يتم الافتتاح بعد أن يكتمل المشروع نهائياً كما قلت.
هناك شكوى دائمة من عدم وجود مصادر لتمويل المشروعات الثقافية والأثرية فى ظل الوضع الاقتصادى الحالى كيف كنت تواجه ذلك؟
– لم أكن أعتد بميزانية الدولة، فهى «ضئيلة جداً» بالنسبة لمصروفات الوزارة، وأنا خلقت ميزانية للوزارة، من خلال توفير ميزانيتها من أنشطتها الخاصة، وكنا لا نهتم أو نعتمد اعتماداً كبيراً على الدولة.
لم أكن أخشى الاستعانة بالأقوياء.. وكل من استعنت بهم فى المناصب القيادية أصبحوا «وزراء ثقافة» بعد أن غادرت منصبى.. وكنا نعمل بمبدأ «الوطن باقٍ ونحن زائلون».. وأتواصل مع الرئيس «مبارك» من حين لآخر.. وأرى أنه أصاب أكثر مما أخطأ لكنه مقتنع بما فعله ويشعر بـ«اكتفاء ذاتى».. والسيدة «سوزان» قدمت الكثير للثقافة والمرأة والطفل
كيف ترى المشهد الثقافى حالياً وهى فترة تشبه تلك التى مررتم بها فى التسعينات ونجحتم وقتها فى القضاء على الإرهاب؟
– أعتقد أن الثقافة هى المادة الرئيسية للإعلام، لذا يجب أن تعد وزارة الثقافة برامج خصيصاً للتليفزيون، أما خارج التليفزيون وعلى الوزارة أن تتبنى على وجه السرعة عمل تطبيق إلكترونى على الهواتف المحمولة يحوى كل أنشطة الوزارة وإصداراتها من كتب ودواوين ومسرحيات وندوات ومعارض فنون تشكيلية وأنشطة للطفل ومترجمات وحفلات وغيرها، ففى جيب كل منا أكثر من هاتف محمول، ومعنى ذلك أن الثقافة أفكار قبل أن تكون تمويلاً مالياً.
لكن الملكية الفكرية للكتاب والملحنين والمؤلفين هى ما يعيق مثل هذا التطبيق.. كيف نتغلب على تلك العقبة؟
– هذا فى معظمه إنتاج وزارة الثقافة، وحين منح لوزارة الثقافة أصبح ملكاً للدولة، ومن حقها التعامل معه كما يحلو لها لخدمة المجتمع المصرى.
وهل يستطيع تطبيق على الهاتف المحمول مواجهة فكر متطرف رسخ فى عقول مئات الشباب؟
– من ترسخ لديهم مثل تلك الأفكار أصبح من الصعب انتزاعها، ولدى كل منهم «المفتى الخاص» به والخطيب الخاص به، وهؤلاء يعرفون مداخل كل شاب، وكل شاب يذهب للمنطقة التى تستفز لديه النزعات الدينية، وهؤلاء يقرأون القرآن الكريم دون أن يعوا معانيه، وهو ما أراه يومياً وأتحدى أياً من هؤلاء ممن يقرأون القرآن بصوت مرتفع أن يفسر لى ما يقرأه، فالعقيدة تترسخ داخل كل واحد منا، فمثل هؤلاء كيف ستؤثر فيهم وزارة ثقافة بقصر ثقافة ثابت هنا أو هناك؟ إن قصر الثقافة لا يجذب الشباب مثل الخطيب فى الزاوية ولمواجهة مثل تلك الأفكار الراسخة لدى هؤلاء الشباب نحتاج إلى تعاون وثيق بين وزارات «الثقافة والتنمية والشباب والأوقاف»، وقبل كل هذا بل وعلى رأسهم وزارة التعليم، فى منظومة ثقافية واحدة لمواجهة الإرهاب، بأن نعيد للمدارس فرق الكشافة والمسرح والفنون التشكيلية.
تتحدث عن عودة أنشطة كانت موجودة فهل تشعر أننا نتراجع إلى الوراء؟
– بالطبع، وهل هذا يحتاج إلى وقفة تأمل، لقد وقع فى يدى كتاب صادر عن وزارة المعارف العمومية سنة 1937 باسم الوزير على زكى العرابى، يحوى خطة الوزارة فى المدارس للعام 1937 – 1938، يوجه فيه الوزير المدارس للخطة التى تحوى فى السنين الإلزامية الأولى 3 حصص للرسم أسبوعياً، وحصة واحدة للأخلاق وحصة للتربية الوطنية، بدءاً من الصف الثالث، وحصة لمبادئ العلوم والصحة. والسؤال هو: أين نحن من هذا الذى كان يطبق فى ثلاثينات القرن الماضى؟
الواقع أنه حينما اختفت كل تلك الأنشطة حين كنت وزيراً للثقافة، كنت حريصاً على عمل أنشطة ثقافية للتوعية بأهمية التراث والتاريخ والآثار وكيف نحافظ عليها، إن كل ما نأمل فيه هو التفوق وهو لا يتأتى ألا بقناعة تامة بأن المستقبل أفضل، فكل ما يقدم حاليا لا يحوى تلك النظرة التحفيزية التى تعطينا الأمل فى الغد، أنا كفنان أحتاج إلى الحافز، والكاتب يحتاج الحافز أيضاً، والطالب كذلك، قديماً كان هناك كم كبير من المثقفين والكتاب والشعراء والملحنين، أين اختفت تلك القامات الكبيرة من مصر؟ لماذا تراجعنا وتركنا الساحة للتطرف؟ الآن أصبح لدى دبى أكبر مبنى للأوبرا والسعودية دخلت إلى ميدان التنافس، وأصبح لديها خطة لتطوير المواطن، وهو الهدف والأمل، فأين نحن من كل ذلك ونحن كنا الرواد فى العالم العربى؟!
وأزيدك من الشعر بيتاً كما يقولون، لقد أصبحت كبرى قاعات المزادات مثل «كريستى» «وسوزبى» تتنافس فيما بينها لفتح أسواق جديدة لها فى الإمارات والسعودية، ولقد تحولت تلك الدول إلى سوق للفن فى منطقة الشرق الأوسط، وأنا نفسى أقمت عدة معارض فى الإمارات والسعودية وكان هناك إقبال لم أكن أتوقعه من الشباب الذين لم يحرصوا على الزيارة فقط بل واقتناء اللوحات أيضاً، ما أريد قوله إننا تركنا أبناءنا سنين طويلة حتى تشبعوا بالسلوكيات السلبية والألفاظ الخارجة وأصبح تقويمهم من الصعوبة بمكان فيما وضعت دول الخليج صناعة النشء على قمة أولوياتها الوطنية.
هل أسهم الفن الهابط فى الوصول إلى هذه الحالة المتردية؟
– بالتأكيد، انظر إلى ما يُعرض فى التليفزيون حالياً تحت مسمى «الواقعية»، إذا كانت تلك هى الواقعية فماذا تطلقون على ما كان يقدمه صلاح أبوسيف وكمال الشيخ، إن صناع السينما والإعلام يتحججون بأن هذا ما هو موجود فى الشارع المصرى الآن، ولهؤلاء أقول: إن الواقعية ليست أن تقدموا ما بالشارع بل أن تصلحوا ما فيه، حتى لا تعاد الكرة ونصبح داخل دائرة مفرغة من الألفاظ غير اللائقة على لسان الممثلين بدعوى أنها «فن».
وهل استمعت لأى من الأغانى المنتشرة حالياً، التى يطلق عليها «أغانى المهرجانات»؟
– مرة واحدة قام أحد الأشخاص بتشغيل أغنية من أغانى المهرجانات تلك لأسمعها، والحقيقة أننى لم أجد ما أعلق به على هذا الذى أطلقوا عليه خطأ اسم «فن»، ولكن للأسف فإن القبح ينتشر فى كل مكان.
لو كنت وزيراً للثقافة الآن ما القرار الذى كنت ستتخذه فوراً تجاه محاربة هذا القبح؟
– على الرغم من أن منصب الوزير كان بالنسبة لى بمثابة «سجن» بمعنى الكلمة، فإننى كنت حريصاً أيام الوزارة على تشجيع الشباب وتشجيع الفن الجميل، لقد منحنا الشباب مراكز الإبداع فى «القاهرة التاريخية» ومنها بيوت الست وسيلة وزينب خاتون وغيرها، وكنا نحاول احتواء الشباب وتفريغ طاقاتهم الإبداعية فى ما هو مفيد وجميل.
وما المواصفات التى يجب أن تكون فى وزير الثقافة أو الآثار من وجهة نظرك؟
– أن يكون خادماً للثقافة وليس وزيراً، وأحد حماة الإرث الثقافى، ولا بد أن يكون لديه خيال خصب لا ينضب، وفكر إدارى لا يخشى الأقوياء، بل يستعين بهم فى المناصب القيادية بالوزارة وهو ما كنت أطبقه، فالواقع أن كل من استعنت بهم فى المناصب القيادية أصبحوا وزراء للثقافة بعد أن غادرت منصبى، وإن كان بعضهم تميزوا فقط فى المواقع التى وضعتهم فيها وفشلوا كوزراء، كنت وما زالت أؤمن بالتخصص لذا كنت أرفض أن توكل لى وزارات أخرى مثل «الإعلام والسياحة»، وكنت على ثقة أن ذلك سيقلل من نجاحى، لذا حين توليت وزارة الإعلام قلت لزكريا عزمى بلغ الرئيس «مبارك» أن ذلك سيكون لفترة محددة، ولحين عودة الرئيس من ألمانيا، ولم أذهب لوزارة الإعلام بل أدرتها من مكتبى فى وزارة الثقافة، وكنت أرى أن هناك من هم أقدر منى فى ذلك الوقت يصلحون لتولى مهمة وزارة الإعلام، وذكرتهم بالاسم، الخلاصة نحتاج إلى التروى فى اختيار الشخصيات المسئولة عن الإبداع فى مصر.
وهل لا بد بالضرورة أن يتولى وزارة «الآثار» أثرى؟
– أنا لم أكن أثرياً، وأعتقد أنى نجحت فى إدارة ملف الآثار وقتها، صحيح أنى درست الآثار فى متحف «اللوفر» الفرنسى لمدة 4 سنوات، وأنا أصلاً خريج كلية «فنون جميلة»، وأعتقد أننى بالتقادم أصبحت أثرياً، فالآثار من تماثيل إلى جداريات إلى معابد هى فى النهاية فن، والمهم ليس الدراسة ولكن المهم هو الإدارة، والآثار علم وإدارة معاً، ويمكن أن يكون الوزراء علماء لكنهم يفشلون فى الإدارة، والعكس صحيح أيضاً.
وأعتقد أنه يجب أن يعى مسئول كبير مثل وزير الآثار دوره بالضبط، وأن يستعين بقائد إدارى أثرى وأن يتم إعطاء سلطات الوزير للأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، ومن ثم التفرغ للخيال وإتمام المسائل الكبيرة، فمثلاً حين قررت أن أقيم متحفاً يحتوى على كل عصور الحضارة المصرية، كان مقرراً أن يقام على الأرض المقامة عليها دار الأوبرا الحالية، وبالفعل خططنا لذلك وبعدها دعانى وزير الداخلية على الغداء بمنطقة الفسطاط، ولأنى سكندرى لم أكن على دراية بتلك المنطقة، وحين وصلت هناك وجدت أرضاً فضاء غاية فى الروعة محاطة بالمخلفات، وبجوارها بحيرة «عين الصيرة» تطل على مشهد خلاب لقلعة صلاح الدين، وقتها قررت إقامة متحف الحضارة فى تلك المنطقة، وسألت عن ملاك الأرض فعرفت أنها أرض حكومية أصلاً، فخاطبت مجلس الوزراء وطلبت 26 فداناً لإقامة المتحف، وتمت الموافقة وتعديل الرسومات وبدأ الحلم يتحقق خلال أيام.
كيف ترى حال المهرجانات حالياً؟
– لكل وزير ثقافة رؤيته الخاصة، ولكنى أتعجب من مطالب البعض بإلغاء المهرجانات توفيراً للنفقات أو بحجة أننا لا نحتاجها وأنها عفى عليها الزمن، وأن نكتفى بالأنشطة الموجهة للشباب فقط، إن مصر تحتاج إلى كل الأنشطة، وليس معنى أن شخصاً أصابه «الصداع» مثلاً أن نقطع رأسه بدلاً من علاجه، إن هذا موت، ونحن نحتاج إلى كل نور جديد بدلاً من إطفاء نور مشتعل بالفعل، ونحن نتعامل مع بشر وليس جماد، وداخل كل شاب طاقة إذا لم يجد ما يستغله فيها سيتجه إلى التطرف، ومن ثم تنقلب هذه الطاقة إلى عنف وتشدد.
طالتكم العديد من الشائعات.. ما أكثر شائعة أضرتك؟
– لقد كنا نعمل لمصلحة الوطن وليس لصالح الأشخاص، ولقد كنت على إيمان بأن الوطن باق، ونحن زائلون، وبالرغم من ذلك كله كيلت لنا اتهامات بالفساد، وهو أكثر ما أثر فى نفسى، وبعد عشرات التحقيقات ثبتت براءتنا، ولم يجدوا لدىّ سوى مليون ونصف المليون جنيه من عملى الفنى، حتى إن صديقتى العزيزة الصحفية نعم الباز قالت لى «كسفتنا بالمليون ونص التى تملكها».
هل تتواصل مع الرئيس الأسبق حسنى مبارك وزوجته وأبنائه حالياً؟
– نعم أتواصل مع الرئيس مبارك وأسرته من حين إلى آخر، وأسأل دائماً عما إذا كانوا بصحة جيدة، إن مبارك فعل ما فعله، وقام بما قام به، وأصاب أكثر مما أخطأ ولكنه مقتنع بما فعله، ويشعر باكتفاء ذاتى، وكل واحد فينا يشعر أيضاً بالاكتفاء الذاتى.
أما السيدة سوزان مبارك فقد تواصلت معها وقمت بالاتصال بها أكثر من مرة، ولا أريد أن أقتحم حياتها، وأنا فى الحقيقة أرى أنها سيدة فاضلة قدمت الكثير جداً مما يصعب حصره، وهناك كتاب عما قدمته وزارة الثقافة فى 4 سنوات بين عامى 98 و2002 وما قدمناه نحن أيضاً، وما قدمته حقاً هو عشرات المشروعات الأثرية والثقافية، هذا بخلاف ما قدمته للمرأة والطفل.
لماذا إذن يجرى الهجوم عليها وعلى المشروعات الثقافية التى تبنتها رغم أنها قدمت الكثير كما تقول؟
– أهم ما قدمته السيدة سوزان مبارك كان مشروع «القراءة للجميع»، ويحوى فلسفة جميلة بالإضافة إلى مكتبة الأسرة فهى كانت القائدة لهذا المشروع، وقدمت لنا التمويل اللازم، وأحضرت لنا مبالغ كبيرة حتى نرتقى بمستوى الكتب التى تستحق أن تكون موجودة، وهى كتب عظيمة وأمهات كتب وموسوعات تاريخية وثقافية، كما قدمنا أشياء كثيرة مثل المركز القومى للترجمة وترجمنا 6 آلاف كتاب من 30 لغة، وهناك أعمال كثيرة «واللى يدور هيلاقى».
لماذا لم تتوسع فى عمل دور أوبرا فى الأقاليم؟
– إذا كانت الدولة التى اخترعت هذا الفن لا تُنشئ إلا دار أوبرا واحدة فى العاصمة، فالأوبرا لها شروط، وليس كل أوبرا مسرح نطلق عليها أوبرا، هذا فن وله شروط، وأعرف أن من حق الأقاليم أن تشهد كل أنواع الفنون، ولكن لكل منطقة سماتها، وما يتماشى مع عاداتها وتقاليدها.
– المتحف حماية للآثار وجامعة للمنطقة والإقليم الذى ينشأ فيه، وحينما تسلمت منصب وزير الثقافة كان لى خطة وضعتها منذ طُلب منى أن أتولى المجلس الأعلى للثقافة وأنا شاب.
لماذا يُهاجم فاروق حسنى؟
– لا أدرى، وأنا عن نفسى عمرى ما هاجمت وزيراً سابقاً وهذا من الشرف والأمانة لأنى أعمل دون النظر خلفى، من ينظر خلفه يسقط على وجهه، وأنا كنت حريصاً على ألا «أسقط».
لا يمكن أن نكون مع فاروق حسنى دون أن نسأله، ما الخبرات التى استخلصتها من معركة «اليونيسكو» التى خضتها؟
– اقتنعت تماماً أن اليونيسكو أداة سياسية فى يد الدول العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، فيجب أن ننساها وننسى منصب مدير اليونيسكو، وفى رأيى أصبح منصباً ليس ذا قيمة، لأن المؤسسة الدولية لا تملك أموالاً لتمويل المشروعات، وكل ما يملكونه الخبراء من جنسيات مختلفة وفى تخصصات مختلفة، وكنت أطلب منهم المساعدة فى بعض الأمور، واستطعنا وضع أسس حقيقية للترميم، وكلنا نذكر «هيصة طلاء قلعة صلاح الدين الأيوبى» وأبوالهول، كل ذلك كان جريمة شنعاء، وكل ذلك تم تصحيحه.
يحوى مكتبك عشرات الأعمال واللوحات لكبار فنانى مصر والعالم ومنحوتات مهمة ألم تفكر فى تحويل المكان إلى متحف؟
– بدأنا بالفعل خطوات تحويل المكان لمتحف سيطلق عليه متحف «فاروق حسنى»، كما سننشئ مؤسسة ثقافية فنية سنطلق عليها نفس الاسم، تقدم أنشطة ثقافية وفنية ومنحاً لشباب الفنانين، وسيكون المتحف مفتوحاً للجميع وسيحوى أعمالى وأعمالاً نادرة لمحمود سعيد، وراغب عياد وأحمد عثمان، ومنحوتات لآدم حنين، بخلاف عشرات الأسماء العالمية.
إذا ما عُرض عليك منصب فى الحكومة الحالية هل تقبل؟
– طلقت السياسة بالتلاتة، وأنا الآن متفرغ لفنى فقط، فبعد 30 عاماً أستطيع القول إن ما اكتسبته من منصبى هو الجماهيرية، ولقد كنت معروفاً من قبل ولكن ذلك كان على مستوى النخبة، وحين كنت فى المنصب كان يقال إن لوحاتى تباع لأنى وزير، وظلت لوحاتى تباع بأسعار كبيرة بعد خروجى من الوزارة، الخلاصة أن الوزارة أخذت منى أكثر مما أعطتنى، والنكران أكثر ما يحزننى.
اتمنى ان يكون الحوار قد نال اعجابكم والى مزيد من اللقاءات والحوارات