الجزء الثالث
بقلم: ناهدة العاصي
وتبادُل للأدوار
في المقالين السّابقين المنشورين بتاريخ ٢٥ كانون الثاني/يناير و٥ شباط/ فبراير ٢٠١٩ في جريدة الرّسالة، ذكرت أوّلاً أسباب تشريع الماريجوانا في كندا واستعمالاتها ومخاطرها الصّحيّة على المدى القصير والبعيد بالإضافة إلى بعض آثارها السّلبية. ومن ثمّ تناولت ما قد يتعرّض له المواطن حين تصبح الماريجوانا واقعاً حيّز التّنفيذ وأبواب التّمويل مفتوحة أمامه من قِبل الأفراد والجماعات. كثُرت التّساؤلات حول واقعٍ أليمٍ مُنتظر. في هذا المقال أحاول أن أستشفّ مدى وعي جيل الشّباب، وبالتّحديد الفئة العمريّة ما بين العشرينيّات والأربعينيّات لأنهي المقال بنداء جدّي وحارّ لِكل مَن يستطيع أن يخفّف من النّتائج السّلبيّة لقرار تشريع الماريجوانا.
لأخذ الموضوع بالجدّيّة المطلوبة والإتّجاه اللازم، قمت بإدارة حلقات نقاش مع مجموعة من طلّابي في الجامعة. هدفي الأساسي كان أن أنطلق من خلفيّة الشّباب حول بعض النّقاط الأساسيّة بالنّسبة لموضوع مهم كالماريجوانا، وأهمّها:
ـ إنعكاس تشريع الماريجوانا على حياة جيل الشّباب ومدى قدرة المدمنين عليها على بناء علاقات إجتماعيّة سليمة؛
ـ أهمّيّة النّقاش وتبادُل الآراء حول هذا الموضوع ضمن حلقات الأصدقاء.
ـ أهمّيّة زيادة وعي الناس حول خطورة المخدّرات وذلك بهدف أخذ الحيطة اللّازمة وربّما استقراء بعض إشارات الإدمان ودقّ ناقوس الخطر.
ـ ما إذا كان الوعي الجماعي يساعد جيل الشّباب على :
تذكّر القيام بواجبهم ولعب دورهم الهامّ في فترة الإنتخابات من خلال التّدقيق
في برامج المرشّحين وأهمّيتها وجدّيتها.
تولّي دور التّوعية اتجاه أجيال المستقبل قبل اللّجوء لتدخّل أطرافٍ أخرى قد
تزيد من المشكلة أكثر من أن تعالجها.
هل جيل الشّباب في خطر؟ نعم!
لقد أشارت نتائج النّقاشات أنّ هناك نسبة وعي لا بأس به لدى الشّباب لكنّه غير كافٍ لأنّه ليست بالفهم المطلوب. فمثلاً لم يتطرّق الطلّاب إطلاقاً إلى أيّ من مخاطر الماريجوانا على المدى البعيد. وهنا تكمن أهمّيّة النّقاشات وإدارتها في زيادة نسبة الوعي وتنشيط الذّاكرة لدى الشّباب.
على ماذا يُجمِع الشّباب؟ وعلى أيّ شيء تُبنى إجاباتهم الفرديّة؟ النّقاط الرّئيسيّة التي تمّ الإجماع عليهما تمحورت حول حقيقة أنّ الماريجوانا مادّة تؤدّي للإدمان وإلى سرطان الرّئة. هل نستطيع أن نعتبر مَن يقول هاتين الكلمتين إنساناً واعياً لمضار الماريجوانا وبالتّالي سيمتنع عن تدخينها؟ بالطّبع لا. فالمدخّنين الذين حضروا النّقاشات (١٠٪ ) يصرّون على أنّهم قادرين على الإمتناع عن التّدخين وأنّ كلّ الأمور تحت السّيطرة. هم مقتنعون أيضاً أن لديهم الإرادة الكافية للتوقّف عن تدخين الماريجوانا إن حصل ودخّنوها. أليس هذا كلام المدمنين؟
أمّا بالنّسبة لمضارّ الماريجوانا، فقد تباينت الآراء. فإجابات ٥٠٪ من العيّنة المستهدفة ما مجمله أن الماريجوانا تروّج للعادات السيّئة والإضطرابات السّلوكيّة وقد تجعل الإنسان أكثر عدائيّة وأكثر عُرضةً لتقلّبات المزاج. لكن لم يحاول أحدهم أن يترجم المفاهيم المجرّدة (العادات، الإضطرابات، العدوانيّة والمزاج) من خلال أمثلة ملموسة. وأكثر من ذلك، لم يُشِر أحد منهم إلى التّأثيرات الطويلة المدى والأكثر خطورة، أي التي تتطلّب تدخّل مِهَني متخصّص. أمّا ال٥٠٪ الآخرين، فقد قام كلّ منهم بتسمية أحد الإعراض القصيرة المدى فقط. لن ألومهم على تلك الإجابات. لكنّني أرجّح أن سبب هذه الإجابات المحدودة كان في الأساس قِصر تجاربهم الإنسانيّة بشكل عامّ وأنهم جميعاً باستثناء حالةٍ واحدة، لم يكونوا متزوّجين. لكنّني أؤكّد على أهمّية النّقاش ضمن حلقات ذلك أنّه يساعد الأشخاص على إعادة تصوّر واقعٍ ما بشكلٍ أكمل وأفضل وإلّا فمعلوماتهم المُختزنه قد تمرّ دون أن يكون لها الوقع المطلوب أو لصاحبها الجهوزيّة لأخذ خطوات تصحيحيّة عند اللّزوم. لذلك، ألا يجب أن نركّز على توسيع مدارك الشّباب بالنّسبة لموضوع بمثل هذه الأهمّيّة؟
بالعودة إلى حلقات النّقاش، الشّخص الوحيد الذي تحدّث بالوعي المطلوب لكن بحَيرةٍ كبيرة كانت سيّدة متزوّجة لديها إبن في سنّ الثامنة عشر. هي الوحيدة التي أشارت إلى أن المشكل كبير جدّاً. فقد قالت «أدرك تماماً إن على الأهل مسؤوليّة تربويّة كبيرة حقّاً. لكنّنا في كثير من الأحيان نجد أن الأهل هم أيضاً بحاجة للتّربية. بالتّالي، نجد أنفسنا نطالب الدّولة بأن تؤدّي الدّور التّوبويّ الأكبر، وفي نفس الوقت ندرك أنّه لا يمكننا الإتّكال عليها فهي التي شرّعت هذه المادّة السّامة لنصل بذلك إلى حلقة مفرغة؟ فأين يكمن الحلّ وأين يوجد»؟
أليست هذه دعوة إلى إدراج بند في القانون يتناول كيفيّة توسيع معارف الأهل حول مخاطر الماريجوانا وكيفيّة التّعاطي مع أولادهم؟
من ناحية أخرى، أعجبني التّعقيب الواعي من صبيّة في العشرينات من عمرها والتي أكّدت خلاله بأنّ التجربة الشّخصيّة هي أحدى مؤشّرات الوعي للعديد من المواضيع. الصّبيّة العزباء أكّدت على أهمّية أن يؤخذ الموضوع محمل الجدّ. فبالنّسبة لها تجربة تدخين الماريجوانا في سنّ المراهقة تجربة لا تُقاوم خاصّة عندما يكون هناك أشخاص مدخّنين في وسط محيطها. ولم تستبعد إطلاقا أن يكون الشّخص المُشجِّع في بعض الأحيان فرداً من أفراد العائلة نفسها. فهي مثلاً حاولت أن تحصل على الماريجوانا لتدخّنها لفترةٍ، كما كانت تظنّ، فقط لتثبت لأخيها أنّها هي أيضاً صاحبة قرار وعلى المجتمع الذي يفضّله عليها أن يحترمها هي أيضاً. كان الحظ حليفها، كما قالت، لأنّ السّفر مع عائلتها في رحلةٍ طويلة هيّأ لها الأجواء لتكون قريبة من أخيها ولتدرك إن المنافسة لم تكن في مكانها. وإلّا لكاد الجو المحيط بها في المدرسة أن يستدرجها لعادة التّدخينن وبِرضاها. خلاصة القول، هي تؤكّد أن ظروف الشّباب تساعدهم كثيراً على اكتساب عادة التّدخين التي سيروّجون لها بدورهم دون أن يدركوا أنّهم يقومون بذلك ظنّاً منهم بأنّ تدخين الماريجوانا كتدخين السّيجارة وأن الشّباب لا بدّ وأن يمرّ في هذه المرحلة ليتخطّاها فيما بعد مثله مثل غيره من الشّباب الذين عاشوا تجربة التّدخين. أهمّية هذه القصّة تكمن في أنّ الفتاة تمثّل فئة كبيرة من شبابنا هذه الأيّام. هذه القصّة أيضاً تؤكّد على أهمّية توسيع معارف الأهل التي ذكرتها سابقاً.
ما يؤكّد هذه الضّرورة هو وجود تلك الدّوافع التي تقود الشّباب إلى التّدخين، حيث يعتبرها البعض منهم بمثابة موضةً عابرة وأنّهم سيتوقّفون عنها بعد فترة قصيرة، كما يظنّون. وقد يكون الدّافع رغبة من الشّخص بأن يكون مقبولاً في وسطه العامّ المحيط به. لذلك قد يتعيّن عليه ليس بالضّرورة تدخين الماريجوانا فقط وإنّما القيام بعمل آخر شبيه لما يقوم به وربّما يكون بشكل أعنف. والّدّافع الثالث والأخير هو النّشأة الخاطئة لهؤلاء الشّباب منذ الصّغر نتيجة بعض المشاكل العائليّة التي يفشل المجتمع في علاجها وتفوق قدرة المدخّن في السّيطرة عليها.
وفي الحقيقة مَن منّا لا يسعى دائما لأن يكون مقبولاً من الآخرين، ومَن منّا ليس عُرضةً لمخاطر الإدمان خاصّة مع تشريع الدّولة له؟
أمّا القصّة المحزنة حقّا والتي تناولها أحدهم فهيً قصّة شابّ في سنّ السّابعة عشر من العمر، كان قد بدأ التّدخين في سنّ مبكّرة وكان يستعمل مصروفه الخاصّ لشراء السّجائر. وعندما تمّ تشريع الماريجوانا، قرّر أن يستغلّ الفرصة ويزرع أكثر من الكمّية المسموح بها في غرفة من غرُف منزل العائلة. وعندما اعترض أهله على الموضوع، هدّدهم بترك المنزل. ماذا قد يكون موقف الأهل في هذه الحالة؟ ماذا يحصل للإبن الوحيد إن ترك المنزل؟ الأهل الذين يرون في ذلك إتّهاماً بأنهم قصّروا في تربية ولدهم يرون الحديث عن مشكلة ابنهم من المحرّمات أو ربّما وصمة عار لن يعترفوا بها على الأقلّ في الوقت الحاضر. لذلك ليس هناك سوى أحد أربعة خيارات.
ـ إعادة الدّولة النّظر في قضيّة تشريع الماريجوانا وقصره على المرضى المحتاجين له بصورة فعليّة يوميّة للتّخفيف من آلامهم الجسديّة.
ـ قيام الأهل باكتشاف الأسلوب الأنسب للتّعامل مع هذه المشكلة من خلال البحث الجادّ والموضوعي لعلاج الإدمان دون استخدامهم للعُنف وبأسلوبٍ راقٍ يمهّد لحوار بنّاء لبناء الثّقة بينهم وبين أبنائهم.
ـ تحمّل الدّولة أي فِعل خاطئ وخطير سيقوم به الأبناء في المستقبل ويعطي الحق للأهل في مقاضاة الحكومة باعتبارها المسؤول الأوّل عن كلّ ما آل له الحال في طلّ تمسّك الدّولة بتشريع الماريجوانا.
ـ اللّجوء للمؤسّسات المدنيّة المتخصّصة في علاج المدمنين ومحاربة الإدمان والتي تمّ تغييب دورها نتيجة تقنين الدّولة للتّعاطي وإضفاء روح الشّرعيّة القانونيّة عليه.
فهل ستتنازل الدّولة وأجهزتها الأمنية عن لعب دور الرّاعي والمروّج للمخدّرات بعد أن كانت المحارب له؟ وإطلاق يد السّلطة القضائيّة في التّعامل مع هذا الموضوع على اعتباره جريمة لا حقّ يقفله القانون؟ لست أرى طريقاً لضبط نتائج هذا القانون إلّا بعودة الدّولة ومؤسّساتها الحكوميّة والمجتمعيّة لممارسة أدوارها الحامية لمستقبل الأجيال القادمة لهذا البلد الذي أصبح مستقبله وأمنه في ظلّ هذا القانون في علم الغيب. فهل نتوقّع أن يحدث ذلك؟ أم نبدأ من الآن في البحث عن موطن بديل يمكنه أن يؤمّن لنا ولأولادنا مستقلاً أفضل؟