بقلم: تيماء الجيوش
شكراً جامعة McGill ماكجيل، شكراً One Syria Project.
أودّ الحديث إليكم عن المحاضرة التي ألقيتها منذ أسبوعين. فقد كانت لها خاصية استثنائية. كنت ضيفةً على جامعة ماكجيل العريقة في مونتريال ألقي محاضرة عن المرأة السورية و المساواة و العنف و كيف عالج القانون السوري ذلك . و من بادر بالدعوة الكريمة هو المركز الثقافي السوري ومنظمة الطلاب السوريين في ماكجيل في اطارٍ لبرنامجهم « سوريا الواحدة» One Syria Project “.
عنوان المحاضرة كان المرأة السورية ما بين حق المساواة والعنف.
وقد اخترت مجموعة من المواد القانونية التي تضمنها قانون الأحوال الشخصية السوري والقانون الدولي و مواضع الخلل في التطبيقات القانونية التي يمكن من خلالها ان يقع العنف على المرأة و بالنتيجة كيف يخالف هذا الامر الدستور ومبادئه الاساسية كما ويخالف الالتزامات الدولية و أعني هنا معاهدة مناهضة العنف ضد المرأة. هو موضوع هام و ذو اولوية بالرغم من التعقيدات السياسية و الميدانية و ظرف الحرب الأهلية في سوريا. و أقتبس هنا ما علق به “Hon Justin Trudeau “سعادة رئيس وزراء كندا جستين ترودو في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة:
«معاً ، نحتاج إلى تغيير الثقافة التي تسمح باستمرار التمييز والمضايقة والعنف ضد المرأة في مجتمعاتنا. عندما تتقدم النساء والفتيات لسرد قصصهن عن البقاء على قيد الحياة ، لا يمكننا أن نتجاهلها أو نتفادها. شجاعتهم تخلق التغيير الذي يفيدنا جميعًا. نحن بحاجة إلى الاستماع إلى النساء ، واحترامهن ، وتقييمهن ، وحماية حقوقهن الإنسانية.»
إذاً كنت في ماكجيل لمدة ساعتان و نصف بين ضفتي مونتريال و دمشق. كانت ثناياها تحمل عطراً شامياً ووجوهاً تطفو عليها مسحات ودٍو ترحابٍ أصيلين . الحضور تناثر على المدرج ، اعماراً مختلفة نساءاً و رجالاً. نظمت اوراقي و أخذت بإلقائها . ربما هذا هو امر يتبعه معظم المحامون او من يعمل في الحلقة القانونية على تنوعها لما تنطوي عليه المعلومة القانونية من دقة و أحياناً شرحاً مفصلاً يلزمنا بانتظام السرد المباشر. و لعلي هنا لا أكتم سراً بقولي ان تقرير ال بي بي سي ( الصرخة المكتومة) قد اصبح مدخلاً او مرتكزاً في معظم ما أقوم به من بحث او عملٍ قانوني فهو ذو دلالةٍ واضحة على العنف الموجه ضد المرأة والذي يُكرّس دونيتها دون هوادة و زِد على ذلك ليتسع هذا العنف و يشمل الحلقات السياسية و الثقافية و الاجتماعية . و كي أكون دقيقة فيما أشير اليه هو حالة المرأة التي خرجت للتظاهر و المطالبة بالديمقراطية في سوريا فأعتُقِلت و اغتُصِبَتْ و عندما أُطلِقَ سراحها قامت عائلتها بقتلها جريمة شرف غسلاً للعار الاجتماعي الذي لايرحم و لا يهادن. وقد شاركتكم قراء اعزاء بقرائتي لهذا التقرير قانوناً و من وجهة نظر حقوق انسانٍ بحتة في مواضع سابقة. من هذا المدخل كان لا بد من تناول العامل الاجتماعي و هو الذي لا زال مؤثراً و حاضراً في التفاصيل اليومية لحياة الأفراد و في المؤسسة القضائية وًكيف أخذت موجاته تطفو على القرارات القضائية و مراحل الدعوى المختلفة . كيف اصبح العامل الاجتماعي و دوائر مغلقة من التخلف نهجاً قانونياً يبيح قتل المرأة تحت مسميات الشرف و هي كجريمة ابعد ما تكون عن الشرف. عدتُ الى ملفات عملتُ بها في مكتبي كان يتعالى فيها مطالبة النساء بتغيير حقيقي يطال حقوقاً أساسية من زواج و طلاق و حضانة و تعدد زوجات . الى نظام المحاكم و التعديلات القانونية التي تناثرت على مدى السنين دون تغييرٍ حقيقي و بنيوي لحقوق المرأة كجزءٍ من حقوق الانسان. أليس من المفارقة ان تكون المرأة السورية قادرة على ان تكون لها شخصية مالية مستقلة، ذمة مالية مستقلة، حسابات بنكية ، تدير مؤسسات و شركات و ليس لها الحق ان توقع منفردة على عقد زواجها؟ أليست مواد القانون ذاتها هي التي أباحت زواج الصغيرات؟ أليست المفارقة بأشد حين نعلم ان الدستور السوري يعتبر المساواة مبدئاً أساسياً ثم يعود ليضرب بها عرض الحائط في مواد قانون الأحوال الشخصية ثم يعود ليتعهد بها دولياً في المواثيق الدولية ثم يتحفظ عليها كما هو شأن العديد من بلدان العالم العربي لتتشكل منظومةً محكمةً ذات نسيج خاصٍ بحقوق المرأة. لنا جميعاً الحق تماماً ان ندعوها فوضى. اليست هذه فوضى قانونية تلم بالتشريع العربي و السوري؟ لماذا لا نسير قدماً و نعتمد النموذج التونسي في حق الخيار القانوني، و مثالنا هنا التشريع التونسي و حق الارث و قد تحدثت عنه سابقاً كنموذجٍ استطاع ان يتجاوز عقدة فقهية و قانونية بمرونة؟
كانت هذه باختصار اهم محاور المحاضرة .
انتهيت و بدأ زمن السؤال من الحضور. لفتني ذاك الاهتمام بالنموذج الكندي وكيف لنا ان نقتدي به وهو الذي يقوم على النقد الذاتي والتقييم المستمر دون تمييز و جميعنا يذكر كيف قام رئيس الوزراء ترودو بطرح مسألة سكان كندا الأصليين و حقوقهم امام الجمعية العامة للأمم المتحدة. النسيج الكندي على تنوعه الفيدرالي و المقاطعاتي يتميز بالمرونة و الاحترام للوحدة و التنوع بانٍ معاً. القانون هويته الاساسية ان يكون مواكباً للتغييرات الاجتماعية، الثقافية و السياسية و ان يملأ فراغاً . العامل الاجتماعي نال نصيبه من الشرح و النقاش و كيف يمكن ان تتداعى حلقات التخلف كي نرتقي بحقوق المرأة. ثم الاجتهاد و هل هو ممكن في الفقه و الشريعة هل هو ممكن؟ هل بالإمكان ان نجد المساحة للحوار ما بين التوجه العلماني و الفقه كي نصل الى ارضية مشتركة متوازنة؟ هذا كان بعضاً من زمن السؤال ثم كان هذا التعاطف من الحضور الكندي مع السوريين و محنتهم و اين و من هي الجهة التي يمكن التوجه اليها لتقديم الدعم المادي و المعنوي.
في هذه المساحة الصغيرة كنّا مواطنين كنديين نفخر بما وصلت اليه بلدنا كندا من احترامٍ لحقوق الانسان و حرية الرأي و التعبير وبذات الدرجة كنّا نولي محبتنا لبلدنا الام سوريا . اختلفنا في الرأي و ربما الرؤية و لكن في مساحة من الاحترام كيف لا و هناك حضارة تمتد الى سبعة آلاف عامٍ خلت. و بالشامي العتيق جداً» يلي مالو ئديم مالو جديد».
الاحبة لارا ، نورا، نبيل ، محمد، ووسيم أبقوا كما أنتم تتقبلون الاختلاف و الحوار و كل الود و الشكر لفريقكم و لجامعة ماكجيل Again and again Thank you McGill.
يقول ابن عربي «إن العارف من يرى الحق في كل شيء، بل في كل شيء، بل يراه عين كل شيء”.