بقلم: هيثم السباعي
ذكرنا في بداية مناقشة هذه الأزمه أن الجميع، عربياً وإقليمياً ودولياً، يقومون بإدارة الأزمه لابحلها، عدا بعض المحاولات الخجوله غير الملزمة لأي طرف من أطراف النزاع. مما زاد الأمر صعوبة دخول تنظيمات إرهابية متطرفة ذوات برامج وأهداف معينه مرتبطة بجهات عربية وأجنبية تقوم بتمويلها تؤجج الصراع وتحتل مناطق لاللنظام ولاللمعارضه سيطرة عليها. أما المعارضه سواء أكانت داخليه أم خارجيه لاتبدو أنها ستتفق قريباً فيما بينها أومع بعضها البعض على مطالب منطقية وواقعيه يمكن أن يقبل النظام بها أو ببعضها. باختصار شديد، تدور اليوم على أراضي السوريين حرباً قذره ومدمرة،ليست حربهم ولاعلاقة لهم بها يدفع ثمنها ووقودها المواطن العادي بمعاناة يوميه دفعته للبحث عن أي وسيلة سريعة بأي ثمن لإيقاف هذا النزيف لأن السواد الأعظم من الشعب ليس مع النظام ولامع المعارضه إنما مع أي حل يعيد له حياته.
تحول القتال بين المعارضه، التي حطم أحلامها الإرهاب المتطرف، والنظام إلى إقتتال داخلي مفتوح لصراعات الآخرين على خلفيات سياسيه ومذهبيه. من الملاحظ أن الصراع الدائر حالياً على الأراضي السوريه لاناقة للسوريين فيه ولاجمل لأنه صراع نفوذ بين إيران وروسيا من جهة والعربيه السعوديه ودول الخليج وتركيا من جهة أخرى. كلا الطرفان يخوضان حروباً بالوكاله في المنطقه لأنهما يعتمدان على المؤيدين والموالين لهما طائفياً أوسياسياً من الميليشيات والأنظمه المحليه. لهذا دخلت طهران إلى اليمن الذي لايهمها كثيراً من الناحيه الإستراتيجيه ولكنه يقع على خاصرة السعوديه الجنوبيه مهدداً أمنها المباشر بهدف رئيسي هو مشاغلة السعوديه وإلهائها عن ميادين الصراع الأخرى في العراق وسوريا ولبنان. أما فيما يتعلق بالملف السوري فإن المهتمين يختلفون حول الجهة التي بيدها الحل. فمنهم من يقول إن إيران تمسك بأوراق المنطقة، بمباركة أمريكيه وتحديداً، العراق وسوريا ولبنان.
المدرسه الأخرى تؤكد أن روسيا، الحليفة التاريخية والأقوى لسوريا والممولة الرئيسية لها بالسلاح وبالتالي في صراعها ضد المعارضه هي الجهة المتنفذه التي يمكنها وضع نهاية لتلك الحرب المدمره. هذا ماأكده السيد “ستيفان دي ميستورا” مندوب الأمم المتحده إلى سوريا، بتصريح صحفي أدلى به منذ أسبوعين. ليس مؤكداً، ولكن هناك احتمال لحلحلة الأزمه بعد الإتفاق النووي المتوقع الوصول إليه وتوقيعه بين إيران والدول الغربيه وروسيا (٥+١) في الثلاثين من حزيران (يونيو) القادم.
تضاربت الأنباء عن حصيلة هذا الصراع الذي دخل عامه الخامس. من الصعب جداً في هذه المرحله تقييم الخسائر البشريه والماديه التي منيت بها أطراف الصراع وسوريا البلد بالذات. لأن الأرقام المتداوله حالياً ليست سوى الخسائر المُوَثَّقه أما غير المُوَثَّقه فهي بالتأكيد أكبر بكثير، ولن تُعرف قبل أن تضع تلك الحرب القذره الدائره هناك أوزارها. يضاف إلى ذلك أن دوائر الأمم المتحده ومنظمات حقوق الإنسان التابعة لها والمستقلة توقفت عن إحصاء أو على الأقل نشر الخسائر منذ عامين تقريباً. بل يلاحظ أنها تحاول التقليل من الخسائر ومن موافاة الرأي العام بالأرقام الصحيحه. هذا عدا عن التناقض بالأرقام بين منظمه وأخرى. على سبيل المثال لاالحصر، كشف تقرير أعدته الجمعيه الطبية السورية الأمريكيه أن أكثر من 640 ألف سوري يعيشون تحت الحصار منذ عام 2012 بينما تبين تقارير مكتب الأمم المتحده للشؤون الإنسانيه أن عدد المحاصرون لايتعدى 212 ألف، مما يبين البون الشاسع بين التقديرين.
أرقام اليوم تبين أن تعداد القتلى توقف عند الرقم 210 آلاف منذ عام على الأقل، بينما يسقط يومياً شهداء من السوريين هنا وهناك. لاتتوفر، منذ البداية حتى اليوم، أية إحصائيه بعدد الجرحى والمعوقين. لايملك أحد أية أرقام دقيقة بعدد المعتقلين والمفقودين، سواء في سجون النظام أوسجون داعش والنُّصْرَه والمنظمات الإسلامية المتطرفه والجيش الحر. تبين التقديرات الحاليه أن البنى التحتيه في أغلب المدن قد دمرت تدميراً كاملاً. كما تعرض كثير من المواقع الأثرية للنهب والتدمير جراء القصف المتبادل. التقارير المبدئية للمنظمات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانيه المستقله، تقدر عدد المنازل المدمره بثلاثة ملايين لأن عدد البراميل المتفجرة التي ألقيت منذ بداية تلك الحرب القذره حتى اليوم تجاوز الخمسين ألفاً، إضافة إلى عدد هائل من صواريخ الأرض – أرض من نوع سكود وصواريخ جو – أرض من الطائرات المقاتلة القاذفة. الإقتصاد الوطني قريب جداً من الإنهيار الكامل، حيث أن الليره السوريه فقدت 80 – 85% من قيمتها التبادلية في أسواق النقد. بلغ عدد اللاجئين السوريين أربع ملايين موزعين في دول الجوار، تركيا، لبنان، الأردن والعراق، بينما بلغ عدد النازحين، داخل سوريا، حوالي تسع ملايين نازح. هناك أيضاً، حسب نفس المصادر مايربو على 18 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجله وأن هناك أكثر من 80% من السوريين يعيشون ببؤس شديد تحت خط الفقر. أما عدد الأطفال المحرومون من الدراسه فقد بلغ مليون طفل. بذلك دخلت سوريا موسوعة “غينيز” بعدد لاجئيها ونازحيها الذي فاق عدد نظيرهم في أفغانستان.
بتاريخ الخامس من شباط (فبراير) الماضي نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان الإحصائية التاليه: “بلغ عدد القتلى من بداية الإحتجاجات حتى تاريخه 210,060 منهم 100,973 مدنياً و10,664 طفلاً و 6783 أنثى (فوق 18 عاماً) وبلغ تعداد الكتائب الإسلاميه المقاتلة والمنشقين 35827 قتل منهم 2498”. لاتوجد إحصائيه دقيقة بعدد القتلى من جيش النظام ولا من المليشيات التي تقاتل إلى جانبه من حزب الله وكتائب أبوالفضل العباس والحرس الثوري الإيراني وغيرها.
المؤسف أن المساعدات الإنسانيه المقدمة والتي ستقدم للسوريين اللاجئين والنازحين تقلصت كثيرا لعدة أسباب منها طول الأزمه والأهم سرقة جزء لايستهان به من تلك المساعدات من قبل القييمين عليها، خاصة في سوريا ولبنان، حيث شكلوا مافيات لبنانيه – سورية – أجنبيه. تبدأ عملية شفط الأموال وفق حلقة منظمة وموثقة. تجري الجمعيه المسؤوله عن توزيع المساعدات دراسة ميدانية تحدد بموجبها المستلزمات الأساسيه لمشروع ما (غذاء، تعليم، صحة وغيرها) لصالح اللاجئين أوالنازحين وتحدد الميزانية المطلوبه لتنفيذه مع تقسيم أُطر صرف الأموال وفق بنود محددة. بعد الحصول على الموافقات اللازمه على المشروع ورصد الميزانية المطلوبه، تغير الجمعيات تقسيمات البنود لتوفير أموال طائله تذهب إلى غير النازحين أواللاجئين، والأمثلة على ذلك كثيرة، ما جعل من النازحين دجاجة تبيض ذهباً بالنسبة للبعض.
أخيراً وليس آخراً، سواء أكان حل الأزمه السوريه عسكرياً، وهذا مستبعد، أو سياسياً فإن الخاسر الرئيسي هو الشعب السوري بكامل أطيافه. إذ يُقدر البعض أن سوريا تحتاج إلى 25 عاماً و440 ملياراً من الدولارات كي تعود إلى ماكانت عليه قبل 15 آذار ( مارس) عام 2011.