بقلم: كلودين كرمة
عجبا لقد مرت بنا الايام والسنين وكذا يتطور العلم وتتزايد الامكانيات واصبحنا فى عصر اكثر اشراقا وعلما وثقافة وتقدما فى كل المجالات..ولكن لازلنا نسمع من حولنا عبارة تتردد بوضوح ويشق صداها الفضاء الواسع “ ليت الزمان يعود بنا “ لقد كنا اكثر هدوءا واطمئنانا واسقرارا و ترابطا ووصالا ومحبة ومشاعر صادقة تظهر على محيانا وتشرق على وجوهنا و تزيد من بهاء طلتنا وضياء اعيننا.
نعم بداخلنا اشتياق الى ايام كان الوقت فيها يمر ببطء وكأنه كان ينتظر الاذن منا حتى ينتقل بنا من لحظة الى اخرى ..كانت الدقائق بل الثوانى لها معنى وتقدير واحترام وكنا ننجز الكثير فى يومنا برغم عدم توافر التكنولوجيا المتقدمة التى تسمح لنا بذلك..كنا نقدر قيمة الوقت ولم يكن هناك اى نية لإهداره فيما لا يفيد كل يعمل بكد وجد ليس خوفا من قوانين او تطبيق عقوبة ولكن هذا نابع من احترام الانسان لذاته وفكره ومنصبه وإيمانا منه ان ما يقوم به مهما كان بسيطا وما يلقى على كتفيه من مسئولية لازم وضروري لإتمام خطة العمل على اكمل وجه.
وان ما يؤكد ذلك هو انعكاس صورة المجتمع فى كثير من الاعمال ..ان كانت سياسية او اقتصادية او ابحاث علمية ولا تتعجبون ان قلت فى الاعمال الفنية وتقدير المواهب الادبية وكذا فى الجوانب الترفيهيه رفيعة المستوى فى الغناء والتمثيل وحتى الرقص ..لم يكن هناك اى نوع من الاسفاف وكان اختيار الالفاظ وانتقاء الملابس وإتقان الموسيقى وتقدير الاصوات التى تتميز بالعمق والجمال شئ رائع ..وكل المجتمع كان هدفه واحد هو الاحتفاظ بالرقى وإظهار ضرورة التمسك بالفضائل والاصرار على النجاح والبعد عن الانتقام وشجب العنف وكان يدعوا الى حب الحياة والحفاظ عليها فى ابهى صورة قدر المستطاع.
واننى ارى أن هذه الحياة المثلى – وان اختلف معى عدد من ابناء وطنى – كانت ايام الملكية ؛ وان كانوا يقولون انه كان يعتريها الفساد وحجتى هى انه لم يخلو زمن من فساد ومفسدين..ليس العيب فى وجود ملك يحكم مملكته وليس بالتأكيد فى وجود رئيس يدبر شؤون الجمهورية ولكن العيب يكمن فى النفوس الضعيفة التى تكره الخير لأنها لا تستطيع تقديمه، وتحارب التقدم لأنها لا يمكنها استيعابه ،وتفسد الجمال لانها لا يمكنها ان تراه عفيفا ، وترفض العدل لان فى ذلك إدانتها ومن هنا تستحل ان تنشر مساوئها وسمومها فتصيب به كل من يشعر بالصغر والضعف وتعزز فى انفسهم الشعور بالظلم والقهر وترغبهم فى الانتقام وتحبب الى نفوسهم ترويع الامنين وتزرع فى عقولهم بذور التدمير التى تدفعهم الى النهب وإصدار احكام الافتراء والظلم وهم متوهمين ان هذا هو الصواب والعدل و كأنهم بإيذاء الآخرين يستردون حقوقهم ويشعرون بالنشوة بشقاء اناس ابرياء لم يمدوا يوما ايديهم اليهم بسوء.
فبرغم كل ما يبذله محبوا السلام والدعاة اليه من جهود وإبرام اتفاقيات وجهود الشرطة والجيش فى تأمين المواطنين الا انه مازال بداخلنا الشعور بالخوف والقلق ..لأنهم لا يطاردون اشخاصا بعينهم عند الامساك بهم تنتهى المأساه .. لكنهم يواجهون خطرا لا يستطيعون الامساك به لانه منتشر انتشار النار فى القش انهم يحاربون فكر مظلم يخيم على عقول كثيرة ويجعل من اصيب به اداة طيعة فى يد من يحركه.
فعدد الجرائم تزداد من خطف وحرق ونهب وتهديد وترويع تتمثل فى وضع قنابل فى اماكن متفرقة وازدياد فى عدد المتسولين والمشردين ومن ذهبت عقولهم لعدم قدرتهم على استيعاب قساوة الواقع المرير .. من منا يستطيع ان يشعر بالأمن وهو يستقل وسائل النقل العامة او حتى وهو يستقل سيارته؟ من منا يستطيع ان يترك طفله لكي يعدو ويلعب مع اولاد الجيران فى الحدائق القريبة من منزله ؟
سنظل نعانى لسنوات بعيدة من افكار مغلوطة زرعت فى غفلة من الزمن فأنتجت حسكا وشوكا ومرارة وشر وكره ونفت الاخلاق الحميدة والقيم المرموقة والله وحده يعلم متى سيصح هذا الجسد العليل الذى اصابه هذا الداء اللعين.