بقلم: تيماء الجيوش
سلاماً نساء مونتريال .Salute Montréal
سلاماً اليانور روزفلت . ELEANOR ROOSEVELT
كانت عطلة نهاية الأسبوع باردة جداً، شتوية بامتياز ، خيار معظم من كان في مدينة مونتريال البقاء في المنزل تحسباً من العاصفة و ما رافقها من ثلوجٍ و سرعةٍ في الرياح إلا هُنّ. هُنّ النساء في انحاء متعددة من العالم و من ضمنهن نساء كندا بكل مقاطعاتها خرجن في مسير المرأة، كان نصيب مقاطعة كيبيك الانطلاقة في مونتريال حيث اخترن النساء ان يخرجن و يتظاهرن في مسيرة المرأة السنوية في التاسع عشر من كانون الثاني/ يناير ٢٠١٩. هي المسيرة الثالثة من حيث الترتيب السنوي. كالعادة قام الاعلام بتغطيتها و تناثرت الأخبار و الصور . وجدنا على الصفحات نساء عكسن التنوع بصورته الأبهى إن كان عرقياً او دينياً ….الخ. إحدى الصور لإحدى نساء مسيرة مونتريال حملت بيمناها لوحة كُتِبَ عليها : « كل الذي أريده من العام ٢٠١٩ هو حقوق الانسان الاساسية و العدالة ، إنهاء ذكوريّة سمية ، ان يُنصَتْ الى معاناة النساء و شكواهن».
بدأت حكاية المسير في العام ٢٠١٧ وانطلقت في البدء تضامناً مع نساء واشنطن و مسيرتهن. انبرى المتطوعون والمتطوعات من أنحاء العالم في المسير و مُذ ذاك الوقت أصبحت حدثاً سنوياً . في خطوة لاحقة اصبح لها موقعاً على وسائل التواصل الاجتماعي لتدريب النشطاء وحث النساء على ممارسة حقوقهم السياسية في الترشح والانتخاب. بدون أية مؤشرات لغموض او التباس او اجتهاد في الغاية فحقك كامرأة في المساواة حقٌ كامل لايقبل الانتقاص او التجزئة او التقسيم.
وهكذا كان عندما خرجت مسيرة النساء هذا العام في كندا شاملةً رجالاً و نساءً استمراراً لما سبق تعكس تحالفاً شعبياً جميلاً نحتاجه جميعاً. كان عنوان مسيرة النساء هذا العام هي كالتالي : «ليس هناك سلام حقيقي ، أو حرية ، أو مشاركة فعلية لكل أفراد المجتمع في غياب المساواة» . عنواناً واضحاً للعيان هو وكل ما كان مشتملاً عليه في الفعاليات المتعددة و المرافقة للمسيرة بدءاً من الموسيقى الى الفن وتجمعات مجتمعية مُصغرة الى جانب ما القاه العديد من المتحدثين اللذين اتحد صوتهم في إطلاق رسالتهم و توأمتها بدون فصل مع المبادئ الاساسية لمسيرة يوم المرأة العالمي الذي يقع في الثامن من آذار/مارس من كل عام : إنهاء العنف ضد المرأة وحماية حقوقها ان كان من حيث العمل او الحقوق المدنية او حقوق الإعاقة او حقوق المهاجرين ا و اللاجئين او البيئة او حق الترشح و الانتخاب . إذاً جاءت المطالبة شاملةً حزمة الحقوق و الحريات مكتملةً و تليقُ بكرامة المرأة ولما لا؟ ما يميز هذه المسيرة هذا العام هو ليس فقط الوقوف بشدة ضد العنف ضد المرأة بل و الحزم بمواجهة عدم المساواة الاجتماعية و الرؤيا الاجتماعية الدونية للمرأة عبر طرح حماية حقوق الانسان. الحث على زعزعة نظامٍ ذكوري مترسخ و نزعة سلطوية قمعية. وما لم يُخفى على الكثيرين الدفع القوي الذي منحته مسيرة النساء منذ تشكلها في ٢٠١٧ للحركة السياسية النسوية في مناطق متعددة من العالم. و الذي ظهر كنتيجة هامة جديرة بالبحث المُعمق أكاديمياً، سياسياً، مجتمعياً. المثال الأبرز هنا هو وصول اكبر عددٍ من النساء الى عضوية الكونغرس الامريكي في مقارنةٍ لانتخابات سابقة. مع التسليم بان وصول النساء الى هرم السلطة السياسية لايعني حتماً تحقق المساواة . هذا ما اعترفت به العديد من القيادات النسوية . إذاً لما لا تكون المساواة هي الأساس والتمييز هو الاستثناء؟ المساواة هي اساسٌ هام من أسس الديمقراطية و من خلالها يتم معرفة مستوى العدالة في مجتمعٍ ما. الإقرار بان المعطيات كثيرة و متعددة تقود الى نتيجة مؤداها في الحاجة الملحة الى الكثير من العمل و الاستراتيجيات المتبلورة التي يجب ان تتصاعد لتحقيق المساواة و إنهاء العنف ضد المرأة و العمل على ان حقوق المرأة هي جزء من حقوق الانسان. قد تبرز خطوط العمل على شكل مسيرة النساء او حركة «انا أيضاً «Me Too “او دعم المرأة او لربما بأشكال متنوعة اخرى لكن المضمون هو ذاته ان تبني حركة تضامنية متجذرة لدى الأفراد ، تحطم الصور النمطية وتُنشئ ثقافة جديدة قائمة على المساواة و نبذ العنف.
و المثال االذي أودّ العودة اليه و في مقال سابق قد اشرت اليه هو حركة «”Me Too”انا أيضاً «التي شكلت منصة لان تُطلق أصوات النساء عليها والفتيات اللواتي نجون من العنف ربما وجوههن التي لا نعرف و لا نرى، والتي ربما لم تتموضع على الصفحات الاولى في الصحف ووسائل الاعلام المتعددة . كثيرات منهن بعيدات جداً عن الأضواء أو عناوين وسائل الإعلام. لكن العنف و التمييز الذي وقع عليهن أوجد تأثيرا هاماً على الحراك النسوي عبر عمل الناشطات اللواتي يتقدمن و يدافعن عن حقوق المرأة كل يوم ، ممن يتخذن إجراءات عملية و حثيثة لإنهاء العنف ضد المرأة –
مثال ما حدث أيضاً في الدعوى المقامة ضد الممثل الامريكي Bill Cosby او المنتج Harvey Weinstein هارفي وينستاين . عموماً ما يؤسف له أنه لا زال الكثير من خروقات حقوق المرأة التي تقع تقع و كأنها من المسلمات في بعض الأحيان او التي لا تعُدُ اولويةً تثير شهيةً سياسية لدى البعض . كل ذلك يدعونا ان نعود الى ماذا او ما الذي يمكن عمله لتحقيق المساواة و احترام حقوق الانسان ؟ .
المرأة التي حملت بيمناها في مونتريال لوحة كُتِبَ عليها أريدُ من العام ٢٠١٩ حقوق الانسان الاساسية و العدالة لم تجانب الواقع في مطلبها . لا طوباوية هناك. في استعادة لتاريخٍ لم يتجاوز القرن قامت – ELEANOR ROOSEVELT اليانور روزفلت التي ترأست لجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة منذ عقودٍ مضت و بُعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ١٩٤٦ بدورٍ أساسي في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
لا يُخفى على الدارسين و الباحثين توتر العلاقات السياسية العالمية آنذاك ما بين كتلة شرقية و غربية ، و عالمٍ يتلمس انفاسه بعد حربٍ شرسة اودت بحياة الملايين لا سيما المدنيين ، لكن كل ما احتاجه الامر هو امرأة ادركت أهمية دور القانون و العهود و المواثيق و الدولية في حماية الحقوق و الحريات الاساسية . لم تقف عند هذا الحد بل وظَّفت كل ما لديها من إمكانيات ووسائل في سبيل ظهور الاعلان العالمي لحقوق الانسان . لم يكن الإعلان ضرباً مستحيلاً و كذلك المطالبة الان بالمساواة و العدالة و نبذ العنف و إنهاء دونية المرأة ليس ضرباً مستحيلاً.