بقلم: نعمة الله رياض
جلس الإبن مع والده أمام التلفزيون يتابعون برامج ومسلسلات أول يوم في شهر رمضان .. سأل والده :
-هل كانت هذه المسلسلات زمان مشوقة مثل ما هي عليها الآن؟
– في رمضان زمان لم يكن التلفزبون قد ظهر بعد … وكانت العائلات ورواد المقاهي يلتفون بعد الإفطار حول المذياع لسماع مسلسلات رمضان ، ولم تكن المسلسلات بهذة الكثرة التي تفوق قدرة الإنسان علي متابعتها جميعا ..
كانت المسلسلات تعد علي أصابع اليد الواحدة ، فكاهية ، دينية ، تاريخية … وكان مسلسل الف ليلة وليلة أفضلها علي الإطلاق بالنسبة إلي كصبي في بداية العقد الثاني من عمري ، بموسيقي المقدمة المميزة والجو الأسطوري الذي أعيش فيه فور سماعي لشهر زاد وهي تحكي للملك شهر يار ما حدث من غرائب ومغامرات وأهوال يتعرض لها السندباد في رحلاته البحرية في أعالي البحار ،في جو من الغموض أبطاله الساحرات والجان، وتسترسل في القصص والحكايات حتي يدركهما الصباح فتسكت عن الكلام المباح ، وتفلت من سرور السياف ويؤجل شهريار التنفيذ لليلة التالية حتي تكمل حكاياتها …
– هل تتذكر يا والدي قصة من ألف ليلة تحكيها لي ؟
– نعم يا بني .. من بين هذه القصص التي أتذكرها والتي أثرت في حتي الأن، ما روته شهرزاد:
– بلغني أيها الملك السعيد .. ذو الرأي الرشيد ، أن الأمير نورهان تولي الحكم بعد وفاة والدة السلطان … وفي دعائة سأل نورهان اللة جل جلالة ان يعطيه الحكمة لإدارة أمور البلاد، وطلب من الله أن يعطية علامة ، فأرسل الله له ملاكا في شكل شيخ مهيب، قال للملك نورهان
– علمت يا مولاي إنك تريد أن تدرك حكمة الله .
– نعم إني مشتاق لذلك يا صاح..
– تعالي معي لنتنكر في ثياب تجار ونزور المدن التي تحت أمرتك..
نزل الإثنان في ضيافة رجل من وجهاء البلدة الأولي ، كان قاسي القلب ، عاملهما بجفاء كما يعامل كل العاملين تحت يدية حتي عائلتة واقربائة…
خيم الظلام فقال الشيخ للملك نورهان هيا بنا يا سيدي نترك المكان .. وفي أثناء مرورهما بحديقة القصر، شاهد الشيخ قبو في ركن الحديقة آيل للسقوط فأخذ حجارة وملاط وقوي جدران القبو ، ثم غادرا الحديقة والقصر…
في اليوم التالي إستضافهما رجل ثري في البلدة الثانية ، فاحسن ضيافتهما وأكرمهما وتولي خدمتهما بنفسة … خيم الظلام فقال الشيخ للملك نورهان هيا بنا يا سيدي نترك المكان… وفي أثناء مرورهما بحجرة نوم الأبن الأكبر للرجل الثري شاهدوه نائما بملابسه علي أرض الغرفة ، فتناول الشيخ وسادة وكتم بها أنفاس الإبن وركض الشيخ هاربا وورائه الملك نورهان منزعجا ومذهولا…
– ويحك أيها الشيخ ماذا فعلت بالله عليك ؟ !! هل هذا جزاء من أكرمنا ، تقتل ولدة الأكبر ، والأغرب من ذلك أنك أصلحت بناءا للرجل الذي اساء معاملتنا وتجاهلنا ..
– يا مولاي إنك تريد أن تفهم حكمة الله وهذا تفسير ما حدث…
يا سيدي أن الله يعلم كل ما في السماوات وما علي الأرض يعلم ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ، فهو خالقنا وجابلنا.. أما الرجل الأول البخيل والقاسي حتي علي أهلة ، فقد أصلحت قبو حديقتة لإن كنز من المجوهرات والعملات الذهبية مدفون تحته ، سيكشف عنها ابن الرجل الذي سيموت قريبا وستكون معاملة الإبن الطيب عكس معاملة ابية تماما …
– وماذا عن الأبن الذي قتلته؟
– هذا ولد عاق كان ممددا علي أرض حجرتة لإنه قادم من حانة لشرب الخمر وكان يهزأ بأبيه وأمة ويقسو علي إخوته ، بل إنه كان يخطط لقتل أخيه الأصغر لينفرد بالميراث الذى يزمع تبديده علي الخمر والنساء وأصدقاء السوء …
ظهر التأثر الواضح علي وجه الابن وقال لأبيه:
– إنها قصة عميقة المعني والقصد ، إنها توضح أن الله حكيم وعادل ، يجازي كل واحد حسب أعماله سواء في حياته أو بعد مماته …
– لقد قلت الصواب يا بني ، وهذا ينطبق في أي زمان.. كالقسوة في معاملة الرجل لزوجته وأولاده ، وفي قسوة أبناء البلد الواحد بعضهم علي بعض بسبب إختلاف المعتقد أو اللون أو الجنس …
– هذه الإختلافات قد تؤدي في بعض البلاد لنشوب حروب أهلية ..
– بالطبع فالحرب الأهلية الأمريكية قامت من أجل تحرير العبيد السود، والحروب بسبب إختلاف الدين لا تعد ولا تحصي ..
– ولكن ما علاقة ذلك بقصتنا ؟
– إن القصة تتمحور في مفهومها حول ممارسة القسوة علي المستوي الفردي ومن الممكن أن نطبقها بالطبع علي مستوي الدول والشعوب ..
– كيف ذلك يا أبي ؟
– أنظر مثلا في الإرهاب الذي تمارسه الجماعات المتطرفة دينيا والتي تريد فرض أيدروجيتها الدينية المتطرفة بالقوة المسلحة علي الشعوب وتستخدم في ذلك أبشع الطرق القاسية كالإعدام العلني، وقطع اليد والحرق …
– هل تعتقد يا أبي أن هذا يمكن أن يستمر؟
– لا يا بني ، فالنظام الشيوعي الذي سيطر علي أكثر من نصف العالم سقط ، وقبله سقطت النظم النازية والفاشية وكثير من النظم الديكتاتورية سقطت بعد ذلك، وقريب جدا سيسقط هذا التنظيم وغيره من النظم المتطرفة التي تستغل الدين أبشع إستغلال …
– وهل يقتصر ذلك في قسوة الإنسان علي أخية الإنسان ؟
– لا بل وفي قسوة الإنسان علي الحيوان الأعجم الذي لا يستطيع أن يدافع عن نفسة ، وفي المعاملة الجائرة للإنسان للغابات والبيئة الطبيعية …
– نعم يا ابي ، لقد تذكرت ما نشر في موقع للتواصل الإجتماعي منذ فترة عن رجل في الفجر فإقتربت منه كلبة وسارت بجانبه فرفسها بقدمه وتناول عصا ملقاة في الشارع وأوسعها ضربا علي رأسها وظهرها وهو يشتمها ويأمرها بعدم الإقتراب منه … فهربت منه مذعورة تعوي وهي تزحف علي الارض من جراحها الساخنة ووصلت بصعوبة إلي أولآدها الرضع لتطعمهم قبل أن تلقي حتفها ، صور ذلك كله ناشر الفيديو وتتبع الكلبة حيث أرضعت أطفالها ثم إعتني بالصغار بعد أن ماتت أمهم المسكينة …فهل سيحاسب الله مرتكب هذة الجريمة ؟
– نعم بالتأكيد يا بني سيحاسبه الله ، وفي الدول المتقدمة يحاكم ويسجن علي فعلته البشعة ، وسيجازينا الله جميعا علي أعمالنا الخيرة والشريرة في الدنيا والآخرة ….