بقلم: شريف رفعت
في زيارتي الأخيرة لمدينتي – الإسكندرية – دُعِيت إلى إحدى الندوات الأدبية، ذهبت مستبشرا خيرا، جلست قبل بداية الندوة أتأمل الحضور، بضعة و عشرون شخصا من مختلف الأعمار و الخلفيات، عدد لا بأس به من الشباب و أكثر من نصف المدعوين من النساء و الفتيات، فكرت أنه رغم السلبيات العديدة في البلد ما زال هناك من يهتم بالأدب حتى بين الشباب و النساء.
بعد لحظات دخـَلَت، حسناء، ممتلئة القوام بعض الشيء بطريقة لا تعيبها و إن كانت تبرز مفاتن جسدها، خمرية البشرة عذبة الابتسامة، لم يستطع حجابها أن يخفي أو يقلل من جمالها و جاذبيتها، نظرت لها متطلعا فنظرت لي، ابتسمت لها، تلك الابتسامة التي أختص بها الحسناوات، الابتسامة التي أمضيت الساعات الطوال أمام المرآة أتمرن عليها حتى أجدتها لدرجة الاحتراف، الابتسامة التي تختلط فيها البراءة بالغواية، العذوبة بالغواية، الأدب بالغواية، الحميمية بالغواية و الغواية بالغواية، الابتسامة التي تهمس للأنثى بصوت رقيق حالم قائلة “اعتبريني مثل أخيكِ الصغير، و تعالي اجلسي على حجري”، و فعلا و كالمعتاد استجابت هي و ارتسمت ابتسامة عذبة ساحرة على شفتيها.
أخرجت من حقيبتها كتابًا ثم التفتت لي و قد اتسعت ابتسامتها قائلة:
ـ تسمح لي أن أهديك نسخة من آخر كتبي، ما اسم حضرتك؟
ذكرت لها اسمي فكتبت اهداء على صفحة الكتاب الأولى، قلت لها
ـ أنتِ أيضا كاتبة؟ يسعدني إذا أن أهديكِ لاحقا نسخة من آخر أعمالي لو أن هناك وسيلة للتواصل معكِ.
ردت باهتمام:
ـ أنت تكتب؟ هذا رائع، سأضع رقم هاتفي أسفل الإهداء و ليتك تتصل بي كي تعطيني كتابـَـك.
ناولتني كتابها فأخذته ممتنا.
بدأت الندوة الأدبية التي وجدتها جيدة و استمتعت بمضمونها، في نهايتها كانت هناك فترة أسئلة و أجوبة، تعمدت أن أسأل بعض الأسئلة ـ التي اعتقدت أنها ذكية ـ حتى أبهر الحسناء بثقافتي، بعد الندوة وقفت أتحدث معها عن اهتماماتها الأدبية، وجدتها ناشطة فعلا في مجال الأدب، ذكرت لي أنها أصدرت عدة كتب ما بين رواية و مجموعات قصصية، و أنها حاصلة على منحة تفرغ من وزارة الثقافة، و أنها عضوة في عدة أندية و جمعيات أدبية، أخبرتها أنني أرغب في الاستفادة من خبراتها في المجالات الأدبية معطيا بذلك الفرصة للقاء آخر منفرد، كنت أتعشم أن ننصرف معا لكنها تحدثت مع بعض أصدقائها من الحضور ثم انصرفت معهم.
***
عصر اليوم التالي اتصلْتُ بها فردت علي بحميمية، كان هناك أصوات عالية طرفها تكاد تطغي على صوتها، سألتها إذا كان عندها وقت للحديث فاعتذرت لأن في منزلها زوار، تواعدنا على الحديث لاحقا، في المساء لاحظت على هاتفي الجوال أنها اتصلت بي لكن مكالمتها فاتتني، تعشمت خيرا، قررت أن أحدثها هاتفيا مرة أخرى، فكرت فيما يجب ان أقول كي أضمن لقاء منفرد يكون بداية لتواصل واعد يصيبني منه خيرٌ، حسنا سأقول لها أنني رغم أني لم أرها إلا لسويعات قليلة إلا أنني أشعر أني أعرفها منذ سنين، أيضا سأخبرها بما لاحظته بخصوص عدم قدرة حجابها على إخفاء جمالها و جاذبيتها، مجرد التفكير و التخطيط للمكالمة الهاتفية كان في منتهى الجمال و الشاعرية، عاد بي لعقود عديدة مضت عندما كنت في مطلع شبابي أحاول بطريقة صبيانية أن أقيم علاقات عاطفية مع الفتيات الحسناوات. أمسكت بهاتفي الجوال و هممت أن أطلب رقمها، لكن فجأة و بدون مقدمات و مثل هادم اللذات انبرت نفسي لتسألني:
ـ ماذا أنت فاعل؟
لم تعجبني لهجة السؤال و التي تحمل لوما و تقريعا و هذا ليس بجديد على نفسي، رددت عليها بلهجة محايدة و أنا أحاول ادعاء البراءة و أن الأمر ليس مهمًا:
ـ تفتكري باعمل إيه؟ بأحاول الاتصال بواحدة.
عاودت نفسي السؤال بنفس اللهجة السخيفة:
ـ و لماذا.
أجبت ببراءة ممتزجة بالاستخفاف:
ـ للتواصل طبعا.
استمرت اللعينة في استجوابها:
ـ تواصل بغرض ماذا؟
رددت و لسان حالي يقول “اللهم طولك يا روح”:
ـ علاقات إنسانية طبعا.
ـ في نهاية الأمر و بعد التواصل لعلاقات إنسانية كما تدعي ماذا تهدف من تواصلك معها.
رددت بنفس البراءة:
ـ سآخذ الأمر خطوة خطوة، لا داعٍ لأن أسبق . . .
قاطعتني نفسي بحدة:
ـ هل تطمع في أن تضاجعها؟
رددت كما لو كنت قد صُدِمْت:
ـ إيه السؤال السخيف ده، إنتِ ليه دايما تسيئي الظن؟
ـ لم ترد علي، هل تطمع من هذا الاتصال أن ينتهي بكما الأمر في الفراش و أنت رجل متزوج و في الستينات و مفروض أنك تعرف ربنا؟
أجبت و أنا أدعي الغضب
ـ كفاية كده، أنتِ تجاوزتِ حدودك، حاعمل إللي يعجبني و أنا مسئول عن تصرفاتي.
***
أمسكت بهاتفي الجوال و أنا مصمم على تجاهل هذا الحوار السخيف، قبل أن أطلب رقمها لاحظت وجود رسالة مكتوبة على هاتفي الجوال من ابني، فتحتها فقرأت “آدم إبني مريض، حالته سيئة، أرجو أن تدعو له”.
قمت فورا بإلغاء رقم المرأة من هاتفي، دعوت الله ضارعا أن يشفي حفيدي، بينما نفسي الأمارة بالنكد تنظر لي و هي تبتسم ابتسامة انتصار خسيسة.