بقلم: ﭽاكلين جرجس
تركز الدولة المصرية فى الآونة الأخيرة على الاستفادة القصوى من جميع مقوماتها السياحية و تعد التنمية السياحية المستدامة هي المحور الاساسى في إعادة التقويم لدور السياحة القوى فى المجتمع،إضافة إلى أن السياحة تمكن من معرفة ماضي الشعوب وتاريخها وحماية التراث التاريخي والحضاري للشعوب مما يزيد من حركة الاتصال والتواصل فيما بينها، كما توفر السياحة الحوافز وتساعد على دفع تكاليف المحافظة على المواقع الأثرية والتاريخية، والتي إذا لم يتم الحفاظ عليها ستتعرض للدمار والتدهور، وبالتالي إلى ضياع التراث التاريخي للمنطقة و لأن مصر تزخر بتاريخ طويل يميزه التنوع الثقافي والحضاري ، فكان لابد من وضع خطة تنمية خاصة لتطوير السياحة الدينية و التى بدأت من خلال عمليات التطوير فى مختلف مزارات السياحة الدينية.
معلوم أن الآثار والأماكن المقدسة التي تنتمي للديانات السماوية الثلاث واحدة من أهم مقومات الجذب السياحي للمهتمين بالسياحة الدينية في كل مكان في العالم ، لذلك احتفل محبو الفن القبطى و الآثار القبطية الشهر الماضى بمرور 113 عامًا على إنشاء الأب الروحى للأثار القبطية ، بدأت فكرة إنشائه عام 1898، حين أوصت لجنة حفظ الآثار العربية بإنشائه،وتم افتتاحه في 14 مارس سنة 1910م، يضم أكبر مجموعة من الآثار القبطية فى العالم حيث يحتوى على زخائر قبطية نادرة شاهدة على تلك الحقبة الهامة من عُمر مصر ، ما يقرب من 20 ألف قطعة أثرية وفنية نادرة من الأناجيل والأيقونات والمخطوطات والنسيج والأخشاب تعكس حقب تاريخية منذ القرن الرابع الميلادي يحتضنها متحف الفن القبطي ، كما يحتضن بين جدرانه ما يعكس الوضع المسيحي أثناء فترة العصر الروماني، ذلك العصر الذي سُمي بـ “عصر الشهداء”، حيث تعرض المسيحيون للتنكيل والتعذيب طيلة القرون الأولى من ميلاد السيد المسيح ، حتى اعترفت الإمبراطورية الرومانية بالديانة المسيحية.
سميكة باشا موثقًا لفكرة تأسيس المتحف :
بدأت فكرة المتحف القبطي تطفو على السطح بعد أن قام عالم المصريات الفرنسي، “جاستون كاميل شارل ماسبيرو”، بجمع أعمال الفن القبطي التي كانت متناثرة في أماكن عديدة في مصر، وخصص لها إحدى قاعات المتحف المصري للآثار في بولاق، حيث كان يشغل منصب أمين عام للمتحف المصري حينئذ، ومع زيادة أعداد القطع الفنية التي عُثر عليها، ازدحمت قاعة المتحف المصري، واقترح ضرورة إنشاء متحف مستقل مُخصص لعرض الآثار المسيحية. فكان الباحث القبطي المصري “مرقس سميكة باشا”، أول من ساهم في تأسيس المتحفو كان مديرًا للمتحف حتى وافته المنية في أكتوبر 1944م، حيث طالب بضم مجموعة الآثار القبطية إلى اهتمامات لجنة حفظ الآثار والفنون عام 1893 ، موثقا لنا تاريخ تأسيس المتحف و بعض محتوياته فى كتابه “ دليل المتحف القبطي واهم الكنائس والأديرة الاثرية “ قائلَا : “ .. حين اقترح المغفور لههرش باشا على لجنة حفظ الآثار العربية بجلسة 4 يناير 1898 إنشاء متحف للآثار القبطية فكلفت اللجنة المغفور له حسين فخرى باشا القيام بالمساعى اللازمة لدى البطريرك و بجلسة 23 يناير 1602 أخبر فخرى باشا اللجنة أن البطريرك وعد بجمع ما تيسر من الآثار القبطية بمكان خاص ، و اقترح وقتئذ المرحوم نخلة بك الباراتى أن يكون بغرفة بالمعلقة ، و فى 20 يونيه 1907 ابلغ حنا بك باخوم اللجنة ان البطريرك أمر بعمل “ قائمة جرد “ بالأشياء الأثرية الموجودة بالكنائس و أنه سينقل ما يمكن الاستغناء عنه منها إلى مكان بالدار البطريركية و لكن لسوء الحظ لم يتم شىء إلى أن أتيح لنا الشروع فى العمل و افتتحت أول قاعة فى المتحف يوم 14 مارس 1910 بحضور الأنبا كيرلس البطريرك السابق و المغفور لهم فخرى باشا و هرش باشا و بوايه باشا الذين كانوا أول من وقع معنا فى سجل الحضور وتم فتح باب الاكتتاب العام ليشارك فيه جميع فئات المصريين،… و لما كان المبدأ الذى سرنا عليه وهو الحفاظ على آثار كل دير و كنيسة بمحلها فإننا لم ننقل إلى المتحف إلا الأشياء التى استغنى عنها و كانت عرضة للحريق لتقادم عهدها و لكونها مكرسة للإستعمال فى العبادة لذلك لم تزل أجمل الأيقونات القديمة باقية فى مكانها بالكنائس و الأديرة و على الأخص بكنيسة أبى سيفين بمصر القديمة التى تضم أفخر الأيقونات القبطية … و الموجود بقاعة الأيقونات شىء يسير لا يعطى فكرة كاملة عن حالة فن التصوير عند الاقباط ، ومن أهم المعروضات أيقونة السيدة العذراء تحمل السيد المسيح يحيط بها الملائكة و أخرى للعذراء تحمل المسيح مكتوب عليها باللغة اليونانية “.
اقسام المتحف وأهم مقتنياته :
يعد أكبر متحف فى العالم للآثار القبطية، ويتكون المتحف من جناحين يربط بينهما ممر؛ الجناح القديم الذي شيده مرقص سميكة باشا في عام 1910 م، والجناح الجديد الذى افتتح في عام 1947م. ويضم مجموعة من أروع نماذج الفنون القبطية التي تم توزيعها على أقسام المتحف المختلفة، وهى:
قسم الأحجار والرسوم الجصية
قسم تطور الكتابة القبطية والمخطوطات
قسم الأقمشة والمنسوجات
قسم العاج والأيقونات
قسم الأخشاب
قسم المعادن
قسم الفخار والزجاج
ويبلغ عدد المقتنيات بالمتحف القبطى حوالى 16 ألف مقتنى ورتبت مقتنيات المتحف تبعا لنوعياتها إلى اقسام عرضت عرضا علميا فيه الترتيب الزمني قدر الإمكان، كما يحتوى المحتف على العديد من أنواع الفنون القبطية. كما يضم الباب المصنوع من خشب الجميز الخاص بحامل أيقونات كنيسة القديسة بربارة والألواح يمكن تمييزها حيث قاموا بتركيبها في العصر الفاطمي أثناء القرن الحادي عشر والثانى و هناك مخطوطات للكتاب المقدس تعود لآلاف السنين وهو عبارة عن تحفة معمارى وقد استمد الاقباط الروح الفنيه لديهم من الروح الدينيه والمعاني الروحيه الي جانب المعاني القومية.
كما يُعد كتاب “ مزامير داوود” الذي تفرد بتخصيص قاعة كاملة له وهي القاعة رقم 17، من أهم مقتنيات المتحف، وقد عثر عليه في مقبرة تعود إلى الفترة المسيحية المبكرة وكان موضوع تحت مومياء طفل، وفيم يخص الجناح الجديد فهو يضم العديد من المقتنيات مثل مجموعة الأيقونات وهي اللوحات الخشبية التي تتضمن صوراً تمثل موضوعات مختلفة أو قديسين والتي تٌعلق على جدران الأديرة والكنائس مثل: أيقونة الانبا بولا والأنبا أنطونيوس حيث تمثل هذه الأيقونة الشهيرة زيارة القديس أنطونيوس (على اليسار) للقديس بولا، الذي عاش في الصحراء الشرقية بالقرب من البحر الأحمر.
قصة ترميم المتحف القبطى :
ظل المتحف تابعاً للإدارة البطريركية القبطية حتى عام 1931، حيث انتقلت تبعيته لوزارة المعرفة الثقافية، وفي عام 1947 أُنشئ الجناح الجديد في عهد الملك فاروق، وبدأت عمليات تطوير جناحيه القديم والجديد ليفتتح من جديد عام 1984، وفي عام 1992، وقع أكبر زلزال لمصر في العصر الحديث، هذا الزلزال تسبب في تدمير جزء كبير من المتحف، فاضطر المسئولين لغلقه، وبدأت عمليات الترميم ليفتتح عام 2006، بعد غلقه لفترة 14 عاما، أما الأن ىفعلينا وضع خطة تسويقية للمتحف داخل وخارج مصر و الاهتمام بالتسويق الالكترونى للمتحف و حسنًا صنعت الصفحة الرسمية للمتحف على موقع الفيس بوك عندما قامت بعمل جولة افتراضية للمتحف بتقنية vr مما يساهم بتعريف السائحين على أهم محتوياته أيضًا يحتاج إلى اهتمام من وزارة السياحة والشركات السياحية و تخصيص فقرة له فى برنامج الزيارات السياحية .
كما يحتاج المتحف إلى وضع خطة أمنية شديدة الصرامة خاصة وأنه كان قد تعرض للسرقة ،فييوم 14 سبتمبر 2017 تم القبض على أحد أفراد أمن المتحف القبطي أثناء هروبه بقطع أثرية من المتحف .
تأكيد الدولة على أهمية التواصل الحضارى:
أخيرًا برسالة سلام ومحبة قررت الدولة خلال عام 2021 تسجيل مبنى المتحف القبطي في عداد الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية و الذي أدي إنشائه إلى اكتمال حلقة المتاحف القومية الرئيسية في مصر مثل المتحف المصري بالتحرير والمتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية ومتحف الفن الإسلامي بباب الخلق لتؤكد قيم التلاحم والتعانق بين الأديان فى مصر وأن العمارة المسيحية والإسلامية فى مصر هى منظومة تواصل حضاري وتأثير وتأثر وتشابك والتحام ، و إن كان كل ما سبق طرحه يؤكد على أهمية السياحة الدينية التى تعتبر واحدة من أهم الملفات الداعمة للاقتصاد الوطنى فهل تتنبه وزارة السياحة و هيئة تنشيط السياحة و تجددان دماؤهما بشباب مبدع قادر على التفكير خارج الصندوق و بمساعدة التكنولوجيا الحديثة يضعان خطة تسويق الكترونية للترويج للسياحة الدينية فى مصرعالمياً خاصة أن مصر تمتلك جميع المقومات لتكون واحدة من أهم الدول السياحية والأثرية على مستوى العالم كله.