بقلم: سليم خليل
قبل الهجرة إلى كندا في عواصمنا ومدننا المقتظة بالسكان كان شراء الحاجات المنزلية من غذاء وألبسة إلخ وما يزال يجري من مخازن – دكاكين جمع دكان – صغيرة المساحة نسبيا وعلى حائط صدر الدكان صورة رجل مبتسم وعيناه ترقصان فرحا ومكتوب عبارة – بعت نقدا – وبجانب هذا المبتسم صورة رجل آخر يشدَ شعر رأسه والحيرة واضحة على وجهه ومكتوب في أسفل الصورة – بعت بالديَن – بالإضافة إلى تلك الصور هناك لافتات تعلن :- الدين ممنوع والعتب مرفوع والرزق على الله – إنها حكمة العالم القديم !!
أما عندما إستقرَينا في العالم الجديد – كندا – فوجئنا بأن الأمور مختلفة 100 ٪ .
كانت أولى النصائح من الأهل والأصدقاء أنه يستحسن أن نعمل للحصول على سلفة من المصرف – حتى لو كانت صغيرة – ثم نقوم بتسديدها حسب شروط المصرف ليكون لنا سجل يسهَل لنا في المستقبل الإستلاف بمبالغ أكبر عند الحاجة ؛ طبعا ظهر الإستغراب على وجهي إذ كيف ينصحوني بدفع فوائد على مال لست بحاجة إليه !! بعد هذه النصيحة قررت أن أحصل على بطاقة إئتمان – فيزا – ووافق المصرف بدون صعوبات تذكر وكان سقف السلفة 5000 ألاف دولار .
طبعا سهلت لنا بطاقة – الفيزا – شراء مفروشات بتسهيلات لمدة ستة أشهر ؛ وبهذه الشروط والتسهيلات بدأنا نتأقلم مع النظام التجاري المعمول به في عالمنا الجديد.
في أواخر الثمانينات من القرن الماضي ومع إنهيار الإتحاد السوفييتي وتحرر الدول التابعة ؛ ومن مطالعة الصحف وسماع الأخبار كانت إستطلاعات الإقتصاديين أن ركودا إقتصاديا مذهلا قادم وسيسبب إنهيارات في الأسواق المالية العالمية نتيجة غياب المنافسة السياسية والعسكرية والإقتصادية التي حرَكت الإقتصاد العالمي لمدة نصف قرن؛ وكان إستطلاع الخبراء صحيحا إذ أن أسعار سوق الأسهم إنهارت في تشرين أول / أكتوبر ١٩٨٧ بشكل مريع وأقترح خبراء الإقتصاد حلولا في تقديم تسهيلات أكبر وأطول مدة لكافة فئات الشعب لتسهيل الإستلاف وتشجيع الشراء، وبذلك يمكن تنشيط حركة البيع والشراء وهذا يشكل عاملا إيجابيا في دفع عجلات الصناعة ومعها تشغيل اليد العاملة .
منذ تلك المرحلة أخذت الشركات تعلن عن تسهيلات دفع لسنة ولسنتين وفي بعض الحالات لمدة أطول .
منذ تلك الفترة وحتى الآن لا تزال المؤسسات المالية ترسل إلى كافة العناوين رسائل بأسماء السكان البالغين بأنهم – مؤهلون مقدًما- للحصول على سلفة – مبلغ معين – لقاء فائدة مخفضة لمدة ستة أشهر أو أكثر وبدون تحديد نسبة الفائدة الجديدة بعد إنتهاء مدة الفائدة المخفضة .
طبعا بعد إنتهاء مدة الفائدة المخفضة وفي حال عدم تسديد المبلغ ترتفع الفائدة إلى ضعفين أو أكثر !!
بالإضافة إلى التسهيلات المذكورة لا ننسى أن المصارف تعرض على من له حساب جاري في المصرف بطاقة إئتمان – فيزا- لتستعمل في المشتريات المختلفة ؛ كما إن فئة من المصارف تمنح حسما ١٪ أو ٢٪ على المشتريات لتشجع حامل البطاقة على إستعمالها يمينا ويسارا؛ والجميع على علم أن هذا الكرم الحاتمي ليس من جيب المصرف بل من جيب المحلات التجارية التي إعتادت أيضا على خسارة ٤٪ أو ٥٪ من مبيعاتها لصالح شركات الفيزا لقاء التسهيلات .
نتيجة هذه التسهيلات أصبح في جيب ٩٥٪ من أفراد المجتمع البالغين أربعة أو خمس بطاقات – فيزا – وهذا ما يعادل خمسة ميليارات بطاقة – فيزا- متداولة على وجه البسيطة وتجني شركات الفيزا والمصارف أرباحا بمئات ميليارات الدولارات سنويا من العمولات وفوائد التأخير في الدفع التي ترتفع إلى 20 و 30% ؛ وبهذه النسبة العالية يمكن أن تزيد من صعوبات الدفع واللجوء إلى الإفلاس إذا كانت المبالغ كبيرة.
أما ما يثير العجب والغضب هو في عدد الهواتف يوميا لكافة عناوين الأشخاص الحاصلين على بطاقات – فيزا – من مجهولين يقدمون خدمات لتسهيل دفع الديون إذا كان هناك عجز في تسديد الإلتزامات المالية المترتبة على الشراء بموجب بطاقات الفيزا وذلك تحاشيا من إعلان الإفلاس الذي أصبح عملية عادية للتخلص من الديون .
تعاني الكرة الأرضية حاليا من ركود إقتصادي وأزمات مالية وإفلاس دول وشركات كبرى هنا وهناك ؛ والدائقة المالية تشكل عاملا مشجعا لزيادة التعامل ببطاقات الفيزا والتسهيلات المصرفية التي تغرينا جميعا بإستلاف المال من أرباح هائلة جنتها تلك المؤسسات العملاقة من تسلسل دورة أعمال قائمة على التسهيلات المتاحة للجميع ؛ ونتيجة الأرباح الهائلة لا خوف من إعلان الإفلاس من العاجزين أو المحتالين الذين يستلفون المال بنية عدم الدفع .